عرض مشاركة مفردة
  #39  
قديم 01-11-2005, 06:05 AM
ابن حوران ابن حوران غير متصل
عضو مميّز
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2005
الإقامة: الاردن
المشاركات: 1,588
إفتراضي

تتابع الأجيال .. البذرة أهم أم الفسيلة ؟



نعلم في مهنتنا أن تطابق مواصفات النبات الذي يتكاثر بالبذور يكون أقلا منه في النبات الذي يتكاثر بالفسيلة أو ما يطلق عليه التكاثر الخضري . فلو رميت ببذرة مشمش أو تمر أو حتى قمح في مكان ما ، وقدر لها أن تنبت ، فانها لن تشابه النبات الأصلي الذي أخذت منه .. وبالغالب تكون أسوأ من النبات الأصلي ، لذا كان آباؤنا يبحثون بجدية في حقل واسع عن سنابل يأخذون بذورها ، ويزرعونها في منأى عن الاختلاط بغيرها ، من أجل تحسين البذور لديهم .

أما الإكثار بالفسائل أو العقل أو التكاثر الخضري بشكل عام ، فيكفي أن تأخذ فسيلة أو جزءا خضريا من نبات و تعتني به ، حتى ينتج نباتا مطابقا لمواصفات أمه .

نحن أمام مهمتين : الأولى المحافظة على الخصال الجيدة للجيل السابق ، والمهمة الثانية : هي تحسين الجيل القادم بمواصفات تزيد جودة عن سابقاتها من الجيل الأول . كيف ؟

ان سباق التتابع الذي يجري على صعيد الرياضة ، حيث يركض من نقطة الانطلاق (أ ) أحد المتسابقين ليعطي رسالة ( في الرياضة عصا خفيفة) للمتسابق الذي عند النقطة ( ب) وهذا بدوره يركض ليعطيها للمتسابق الذي عند النقطة (ج) وهكذا حتى يستلمها من هو عند آخر نقطة ..

ان من يراقب تقنيات هذا السباق ، يرى أن المتسابق عند النقطة التالية (ب) مثلا ، سيركض مسافة تساوي عشر أو خمس المسافة التي ركضها من هو قبله حتى يصلا معا الى النقطة ( ب) ، فيكون عندها تسارع الذي استلم الرسالة يساوي أفضل حالاته للانطلاق ، وهكذا يفعل كل واحد عند أي نقطة .

لو أسقطنا هذا المثل على تتابع أجيال حركة النهوض العربي ، فلا بد أن يكون التفاهم بين الأجيال يتشابه مع التفاهم بين المتسابقين في المثال السابق ، فلا يعقل أن يبقى أحدنا محتفظا بكامل لياقته الفكرية مدى الحياة ، فلا بد أن يستلم راية النضال أبناء الأجيال القادمة .. وحتى يتم تسليمهم على أحسن وجه ، لا بد من التصالح و التفاهم معهم ..ليبقى التسارع في حالاته المثلى ..

اننا عندما تحدثنا عن رداءة الجيلين و ما مر بهما من ظروف جعلتهما يعطيا صفة أو صبغة سيئة تنذر برداءة ما هي عليه الأمة . لم نذكر ذلك كدعوة للتسليم باستحالة التغيير في حال الأمة . فتلك الصفات تجدها في كل أمم العالم . ولكننا أشرنا الى أن هناك مساحات ، يعيش فوقها نماذج مؤصلة ، لم تستطع أن تعبر عن الأمة بخصائصها هي ، بل استطاعت النماذج السيئة أن تعبر عن ذاتها السيئة ، مما ألصق صفات السوء بالأمة .

لكن ان نسبة 2.5% من أي مجموعة ، فئة كانت أو طائفة أو شعب أو أمة هي كافية لتحدث التحول و التحسين لواقع الأمة ..

يكفي أن يلتقي خمسة من الجادين ، لينظموا مظاهرة يخرج بها عشرات الألوف .. و هي نسبة لم أخترعها ، بل هي نسبة اتفق عليها كل علماء علم النفس السياسي .

ففي صف طلاب مكون من أربعين طالب ، يستطيع واحد أن يحل سؤالا صعبا ، ولا يستطيع واحد أن يحل سؤالا اذا استطاع أن يحله ال 39 طالب ، و يبادر واحد من الطلاب على الضحك على موقف لم يكتشفه الآخرون ، ولكنهم يضحكون عندما يبين لهم وجه الضحك بالموقف .. ويبقى طالب واحد لا يضحك اذا ضحك كل الطلاب !

من الواضح أن عملية تجميع الجادين في الأمة هي أسهل مئات المرات من تجميع غيرهم ، لأن ما يجمعهم يحمل أسباب الوجاهة ، في حين غيرهم لا يستطيع الثبات لرداءة و سفالة ما يطرح من أفكار ..
__________________
ابن حوران
الرد مع إقتباس