عرض مشاركة مفردة
  #10  
قديم 13-03-2001, 01:12 PM
ناقد ناقد غير متصل
Registered User
 
تاريخ التّسجيل: Feb 2001
المشاركات: 22
Post

بيان : حيث إن الموضوع الأول الذي كتبه أبو أسامة أغلق، وأنا أرى أن الحوار فيه يمكن أن يستأنف ، ولم أتمكن من نشر ردي عليه هناك، فأقوم الآن بنشر الرد على المقال الأول من هنا، راجيا أن يتقبل الأخ العزيز الفاروق هذا الصنيع مني.بسم الله الرحمن الرحيم
هذه بعض التعليقات على ما كتبه أبو أسامة حول ابن تيمية والبوطي.
1- انتشار فكر ابن تيمية بين العامة في هذا الزمان وتأثر كثير من غيرهم به إنما ظهر خاصة لأن إحدى الدول وهي السعودية تبنت أفكاره ومذهبه من خلال بتنيها مذهب الوهابية. وانتشار المذهب لا يدل على صحته خاصة في هذا الزمان، فأنت ترى انتشار مذهب الشيعة أيضا لنفس السبب، وانتشرت الشيوعية لفترة زمانية معينة لوجود دولة تنادي بها، ثم اضمحلت الآن. فلا يجوز الاستدلال على صحة مذهبٍ بانتشاره عن طريق الدول والحكومات، خاصة إذا كانت هذه الحكومات مرتبطة بالفكر والسيطرة الغربية كما هو متحقق في حالتنا هذه.
2- لا يجوز أن يقال إن هذا الكلام يمكن أن يطبق أيضا على المذهب الأشعري لأننا نقول: إن سبب انتشار المذهب الأشعري ليس هو الدولة نفسها بل قوته، بدليل إنه وعلى تعاقب الدول الإسلامية استمر قائما ومنتشرا بين العلماء والناس، حتى في الأندلس وسائر دول أوروبا ، وأيضا فالدول التي كانت تتبنى هذا المنهج كانت دولا إسلامية خالصة وغير مرتبطة بالأجانب ومنها الدولة العباسية والسلاجقة والأيوبية والمماليك والتومرتية والعثمانية، ولذلك فأنت لا ترى الآن دولة قائمة مستقلة تنادي بهذا المذهب كما تنادي السعودية بالوهابية التيمية، وكما تنادي إيران بالتشيع، ومع ذلك فما زال مذهب الأشاعرة موجودا لاعتماده على اقتناع أهل العلم به.
3- الذي يظهر أن مذهب ابن تيمية إنما انتشر شيئا قلبلا أثناء حياته بالتحاق كثير من العوام به وقليل جدا من العلماء، وأما بعد موته فإنه اندحر واندثر واستمر كذلك إلى أن تبنته دولة ىل سعود في هذا الزمان، وخلال الأزمنة الماضية كان اسم ابن تيمية يتداول وعلى مستوى قليل كما يتداول اسم ابن حزم (وإن كان هذا أشرف عندي من ابن تيمية) أو بعض أصحاب الفرق البائدة الذين تنقل عنهم آراؤهم الشاذة لتنبيه منها غالبا. مع العلم أننا لا نقول بانعدام الصواب من أقواله، ولكن هذا الصواب اشترك فيه مع غيره من العلماء. فلم يتفرد بشيء من ذلك على الأغلب.
4- قلتَ يا أبا أسامة (. لـقـد تـعـاوره نـاس مـن طبقات شتى، وناشته أسلحة عمالقة وأقزام ، كلهم يحاول جهده ، ويجرب حظه! ولكن أين هؤلاء ، ومن يذكرهم؟! ومن يقرأ لهم؟). أقول: المسألة لا يجوز أن تطرح كما تطرحها أنت، فابن تيمية لما كان في زمان العلماء الأكابر لم يرتفع له صيت، ولم يسطتع مناقشة من خالفه منهم، وأصرَّ على ابتداعه ومغالطاته، ولذلك لم يجدوا بدا من الحكم عليه بالسجن، لأن هذا هو حكم المغالط في أصول الدين والذي يصر على نشر بدعته. وبعد ذلك سواءا انتشر صيته أو لم ينتشر فليس هذا هو المقياس في أمور التوحيد. ومع ذلك فإننا نعلم يقينا أن صيته اندحر مباشرة بعد وفاته، ولم يبق له ذكر، ولم ينتشر له رأي حتى برز إلى الوجود دعوة الوهابية، وتعاملهم واعتمدوا مذهبه، فلهذا كان بداية علو صيته في هذا القرن على من اتفق غالب العلماء على أنهم مبتدعة، وقاصرون في سائر العلوم.
5- أسلوب البوطي في الحوار مع ابن تيمية يتلخص فيما يلي: إنه يحاول التلطف في إظهار أغلاط ابن تيمية وذلك من خلال محاولة إظهاره بذل جهده محاولا إدراك الحق، ولكنه أخطأ، أي إن البوطي يحاول أن لا يفهمه الناس وخاصة المتبعون لابن تيمية كمتعصب لرأيه ومتزمت وحاقد على ابن تيمية، ولذلك تراه في بعض الأحيان يترحم عليه، وتراه يذكره ببعض الأوصاف العالية وفي نفس الوقت ينص على أغلاطه ما أمكنه ذلك. وهو يتبع هذا الأسلوب لأنه يرى الناس المتبعين لابن تيمية مغالين في تقليدهم له، ويرفعونه أو يكادون إلى مصاف المعصومين ويستهينون بباقي الأئمة والعلماء في مقابله.
6- وأما أسلوب البوطي الأدبي الراقي فهو ليس إلا منقبة من مناقبه، ولا يعاب عليه.
7- أنا لا أقصد الدفاع عن البوطي، بقدر ما يهمني توضيح طريقته على حسب فهمي لها، وأنا لا تعجبني هذه الطريقة خاصة مع من انتشرت بدعتهم وكثر فساد أقوالهم كابن تيمية، فهؤلاء يجب التصريح بمخالفتهم للحق ومحاولة عدم مدحهم لئلا يفهم هذا المدح تملقا لهم أو لأتباعهم خاصة مع كثرة هؤلاء في هذا الزمان، بل الأصل المجاهرة بالحق والإعلان عن مناقضة ابن تيمية للحق، وهذا الأسلواب لا ينافي المجادلة بالتي هي أحسن. ولكل واحد بعد ذلك أسلوبه وطريقته.
8- موقف ابن تيمية من علم الكلام يتلخص في أنه يحارب جميع المتكلمين الذين يخالفونه في مذهبه وهو مذهب التجسيم، ويناقضهم ويهجم عليهم، وهو لا يتورع من إظهارهم بمظهر شنيع تلبيسا عليهم أمام العامة ومن يقرأ كتبه، ولا ريب أن ألفاظه توهم كثيرا من أتباعه أن علم الكلام مذموم مطلقا، ولكن حقيقة رأيه الذي يسير هو عليه هو نصرته لعلم الكلام على طريقة المجسمة أو على طريقته هو فقط، وفي القيقة فإن النسبة الأكبر من كتب ابن تيمية إذا أردنا أن نصنفها فإننا نضعها في ضمن كتب علم الكلام. وأما الجهلة من أتباعه الذين غرر بهم هو بألفاظه وتهويلاته فيظنون أنه يذم علم الكلام مطلقا.
9- البوطي عندما يأتي بالغزالي كمقابل وضد لابن تيمية، فإنما يقصد أن يقول للناس: غن الآراء التي ذكرها ابن تيمية وقال بها وتبناها، وادعى أنها هي آراء أهل الحق، قد انتهى العلماء الكبار من نقدها وبيان غلطها، وومن فعل ذلك الإمام حجة الإسلام الغزالي ، وفي الحقيقة فإنه لا يوجد واحد تصدى للفلاسفة كما فعل الغزالي، وهذا مشهور ومعلوم، وأما الاصطلاحات فلا مشاحة فيها، ولكن الاعتراض إنما يتوجه عندما يقع الواحد فريسة سهلة بين أيدي الفلاسفة، كما حصل لابن تيمية نفسه وكان من حاصل ذلك أن قال بأن علم الله تعالى قسمان فعلي وانفعالي، وأن الله تعالى يتأثر بخلقه، وأن الحوادث تقوم بذات الله تعالى، وأن العالم قديم بالنوع. إلى غير ذلك من تهويلات. وابن تيمية تلقى هذه الأقوال من مشايخه في التجسيم ثم جند أقوال الفلاسفة ومعرفته بكتب علم الكلام ليحاول الاستدلال عليها وإثباتها ..... وأنى له ذلك!!
10- نعم إن ابن تيمية يوهم كلامه أن الغزالي تراجع عن عقائده وطريقته التي سار عليها هو طوال حياته (أقصد المذهب الأشعري، وخاصة مسألة تنزيه الله تعالى عن التشبيه) ثم مات وهو نادم ، ولهذا قال عنه " ومات وهو مشتغل بالبخاري ومسلم"، ليوهم أتباعه الذين لا يعرف أكثرهم من هو الغزالي أنه مات نادما على علومه ومعارفه وانحرف إلى طريقة المجسمة في نهاية حياته، والحقيقة أنه مات وهو مشتغل بالاستنباط وشرح وتفهيم الأحاديث الواردة في البخاري ومسلم. وبيان أنها لا تناقض طريقة أهل السنة الأشاعرة ومن وافقهم. بينما يريد ابن تيمية إيهام القارئ بأنه يقول بها على ما يظهر لابن تيمية وأمثاله من معاني التجسيم والتشبيه.
11- وأما موقف الغزالي رحمه الله من علم المنطق فهو صحيح تماما، بخلاف ابن تيمية الذي تهافت كثيرا ليحاول إبطال علم المنطق فلم يستطع، وذلك قد بينه تمام البيان الأستاذ سعيد فودة في كتابه "تدعيم المنطق" كما بين تهافت ابن تيمية في اعتقاداته في كتاب"الكاشف الصغير عن عقائد ابن تيمية".
12- أنت يا أبا أسامة وصفت في كلامك العلامة الإمام الكوثري بأنه "متعصب شعوبي حاقد من المتأخرين" لمجرد أنه قال عن ابن تيمية:" وحيث إنه لم يكن له شيخ يرشده في العلوم النظرية أصبح علمه لا يرتكن على شيء وثيق خليطا كثير التناقض، توزعت مواهبه في أهواء متعبة، ثم أفضى إلى ما عمل وزالت فتنته برد العلماء عليه". هذا هو رأي الكوثري ، والكوثري قال بذلك نتيجة لشدة معرفته بابن تيمية، وتعرفه لحقيقة مذهبه، وتمييز أنه من أكبر الدعاة إلى مذهب التجسيم، وأنا أرى عين هذا الرأي أيضا وكثير من العلماء يرون ذلك أيضا، وليس المقام هو الاستدلال على صحة هذا الكلام. فيوجد الكثير من الكتب تدلل على صحته ومنها ما ذكرناه سابقا، وأما رأيك أنت في الكوثري فكيف جاز لك أن تصفه بهذه الصفات "إنه شعوبي حاقد" والشعوبي كما نعرف هو الذي يقدح في أصل الجنس العربي ويرون أن الأعاجم أعلى منزلة من العرب في العلوم والمعارف، فأين الدليل على ذلك في حق العلامة الكوثري؟! ألا ترى أن هذا مجرد افتراء منك عليه.
13- وأما أنه حاقد على ابن تيمية، فأنا لا أعرف أن بين ابن تيمية وبين الكوثري خلافا شخصيا حتى يحقد هذا عليه، بل غاية ما هو كائن أن الكوثري ردَّ على ابن تيمية وقوله بمذهب التجسيم ومبالغته في ذلك، واستهانته بآراء غيره، وتلبيسه عليهم، ووقوعه في كثير من التهافتات الفكرية والأغلاط، وكثرة وجود الالتفافات اللفظية والالتواء في كلام ابن تيمية، وتهويلاته في الانكار على خصومه، بل إنه يلزمهم كثيرا بما لا يلزمهم وغير ذلك. وهذه التهم كلها صحيحة وابن تيمية متلبس بها بل هو غارق فيها حتى أذنيه، ويحق لمن يعرف ذلك عن ابن تيمية أن لا يرتضي طريقته هذه ولا يحبه في الله تعالى، بل ويسارع ما أمكنه الجهد إلى بيان غلطه في ذلك كله، ودحر مذهبه وتوضيح تهافته. ولا أظنك –إن بقيت على طريقة تفكيرك هذه يا أبا أسامة- إلا قائلا عني أنني شعوبي حاقد أيضا لأنني قائل بعين ما يقوله الكوثري في حق ابن تيمية بل وأكثر من ذلك. ولكنك لا تملك دليلا على ذلك في حقي ولا في حق الكوثري إلا تعصبك وعدم معرفتك لكثير مما تخوض فيه. وأنا أدعوك أيها الرجل كائنا من تكون لمراجعة فكرك والتعمق في الفهم أكثر مما أنت عليه الآن لتحاول الاهتداء إلى الحق. والله الموفق.
14- إن طريقة البوطي في محاولته إيجاد الأعذار لابن تيمية من خلال العثور على نصوص أخرى يناقض فيها نفسه، وذلك لتخفيف الوطأة عليه وعدم الالتزام بتغليطه مباشرة في أصول الدين وفروعه، الأمر الذي قد يجر القائل به إلى تكفير ابن تيمية أو تبديعه. هذه الطريقة عندي غير مرضية، فابن تيمية قائل بمذهب التجسيم وبجميع لوازمه، وهو يصرح بذلك ولا يلوّح، وينص عليه ويشير إليه، فالواجب على العالم الفقيه بعد ثبوت ذلك عنده أن يحكم على ابن تيمية بما يؤدي إليه نظره إما تكفيره أو تبديعه، فهذا متروك للاجتهاد. نعم التكفير والتبديع ليس هو مقصودنا أصالة، ولكن إذا كان هذا لازما من لوازم بحثنا وفهمنا لابن تيمية، فلم لا نقول به؟؟؟ إن البحث الصحيح يجب أن يكون موجها أصالة إلى بيان الغلط من الصواب في المذاهب والأفكار، فإذا لزم الكفر أو التبديع عن هذا المذهب أو ذاك، فلم لا نلزمهم به؟؟ فالإمام الغزالي بحث في مذهب الفلاسفة ليبين الصحيح من الباطل من مذهبهم، وبعد ذلك تبين له أن من يقول بقدم العالم وعدم علم الله تعالى بالجزئيات وعدم البعث على طريقة الفلاسفة فهو كافر، فالتزم تكفيرهم. فإذا كان ذلك نتيجة البحث الصحيح فيجب الالتزام به، وإلا فلا. وعلى كل حال، أي سواء قيل بتكفيره أو بتبديعه، أو لم يُقَل بذلك، فهذا لا يستلزم مطلقا إنه غير مجسم ولا إنه غير متهافت مطلقا.
15- هذا ما أحببت أن أقوله هنا على مقالك الأول. وأما مقالك الثاني فلنا معك فيه موقف آخر إن شاء الله تعالى. والله الموفق.