الموضوع: قصيدة النثر
عرض مشاركة مفردة
  #8  
قديم 07-06-2002, 05:58 AM
يتيم الشعر يتيم الشعر غير متصل
من كبار الكتّاب
 
تاريخ التّسجيل: Apr 2001
الإقامة: وأينما ذُكر اسم الله في بلدٍ عدَدْتُ أرجاءه من لُبِّ أوطاني
المشاركات: 5,873
إرسال رسالة عبر MSN إلى يتيم الشعر إرسال رسالة عبر بريد الياهو إلى يتيم الشعر
إفتراضي تتمة ..

وإليكم باقي المقالة :

و يمكننا بشيء من البحث أن نختبر تلك المفاهيم التي أطلقها النقد الحديث على القصيدة الحديثة (النص الاجد) باعتبارها خروجا عن تلك الثنائية الحاكمة للعقلية العربية (نثر / شعر) . لقد تنوعت أشكال النثر الفني حتى تعددت بشكل كبير دون أن يثير الموضوع أدنى شبهة أو تشن عليه حرب ضروس كما فعلت الأطراف المتنوعة أمام التجديد في الشكل الشعري عندنا ، فمثلا نجد من أشكال النثر ، الحكاية الخرافية ، الحكاية الواقعية ، والخبر ، والنادرة أو الملحة ، و السيرة ، والتاريخ ، والمحادثة ، و المناظرة ، والمنافرة ، و الأسطورة ، والملحمة ، و المقامة ، و الخطابة ، و المثل ، و سجع الكهان ، والحكمة ، و الرسالة ، والمقالة ..الخ ، فأين ستضع (قصيدة النثر) ، وهل يكفي أن نقول أنها نثر دون عناء البحث و الاستقصاء ، و لنا أن نتساءل عن ماهية الأسس و المعايير النقدية التي ستضع بناء عليها (قصيدة النثر) في النثر ، أي بعد تحديد أي أشكاله يمكن أن تنتمي إليه ، و تحت أي من المسميات السابقة التي ذكرناها ستكون قادرا على وضع (قصيدة النثر) فيها دون أن تثير أمامك إشكاليات نابعة من بنية النص الفنية.
وهل الإبداع جامد حتى لا نستطيع أن ننحت (وأنا لا اقصد النحت اللغوي) أو نتخذ من لغتنا مصطلحات قادرة على توصيف التحولات الفنية الجديدة ، فهل هناك عندنا تنظير فني للرواية أو للمسرحة أو للفنون الجميلة دون اللجوء إلى منجزات عالمية ؟؟؟ أننا نشهد تطورا للنقد بات يدعي فيه العلمية ، وبالتالي من حق هذا العلم الجديد أن يحدد مصطلحاته كما فعل أجدادنا القدماء لما لم يجدوا ما يعينهم على تدقيق مصطلحاتهم ، فاضطروا إلى استخدام ما كان سائدا من كلمات مع إعادة تعريفها ، كما نشهد أن عمود الشعر من عمود الخيمة و السبب الخفيف و الثقيل من أدواتها ، وهو حال غيرها من المفاهيم الإيقاعية التي أعيد تعريفها من الخيمة .. الخ ، كما نجد مفهوم الشاعر الفحل والفحولة صفة للذكورة و للجمل على وجه التحديد .. الخ ، ولم نعرف أن أحدا ثارت قيامته لتجديد المصطلحات !!
قد تبدوا فكرة لبوس الشعر فساتين (شكل) ، إنما تعبر عن حال مدارس الفن التي تتجاور ولا تلغي بعضها بعضا بشكل قسري ، على العكس من العلم الذي يتميز بتراكمية المعرفة التي باستمرار تطرد من جسمه الأخطاء وتصححها ، فقصيدة العمود لم تلغي التفعيلة ، والتفعيلة لم تلغي العمود و لم تدعي قصيدة النثر بأنها قد استأثرت بكل خطوط الإنتاج و ألغت ما قبلها ، ولكنها في ذات الوقت انتشرت بشكل لافت .
مع أننا ندرك أن لكل عصر ذوقه الذي يطوره الفن المبدع ، و لكننا نستشعر أن هناك هوة بين المتلقي و القصيدة الحديثة وذلك مرده إلى مجموعة من الأسباب أهمها التعليم في الوطن العربي الذي لا زال مصرا على تعليم تلاميذنا أنماط من النقد القديم لا تتناسب مع تطور العلوم و الحياة و الفن ، و الموقف المتشنج بشكل فج مع القديم ضمن بنية اجتماعية تقليدية تميل إلى محاربة عقلنة الإنتاج بأشكاله المتنوعة بما فيها الإنتاج الفني الرفيع كما تمثله قصيدة النثر في نماذجها العليا ، و الإصرار على النظرية القديمة في النقد والوقوف ضد التأمل في التجربة الاستاطيقية المعاصرة وتطوير التذوق الجمالي للإنسان العربي ، مع إغفالها لعنصر التطور و التغير على الرغم من أن التغير سمة من سمات الحياة و حركتها .
على اننا يجب ان ننتبه إلى التنظير الحديث للنقد لا يلغي الأدب القديم أو أشكاله باعتباره تراثا للامة ، و إنما يزيد معرفتنا به و يعمقها من خلال توظيف التطور التقني و الفني و العلمي ، لذلك سيظل الإنسان العربي يستمتع بالمعلقات باعتبارها قصائد قديمة تمثل التراث العربي و العالمي أيضا .
يبدو أننا لم ندرك حتى الآن تداعي الإسقاط الأخلاقي كمقياس للفن ، و تشبيه النثر بأحد الجنسين يرتدي زي الآخر فيها الكثير من الإحالة على المسألة الأخلاقية ، أن استخدام القيم الأخلاقية في الحكم على الإبداع الفني يفسد الذائقة الفنية و يعطلها ، لأنها تحيل إلى حكم أخلاقي بكون قصيدة النثر (خنثى) وهو أمر نمتعض منه بحكم قيمنا الأخلاقية ، ولكننا خارج القيم الأخلاقية البشرية ، نجد أن موضوعة الخنثى متحققة في الحياة بكثرة فالزهور وبعض الأسماك والديدان واكثر النمل و كثير من مخلوقات الله خنثى بحكم الوجود ، وهناك إناث قابلة للتحول للذكورة ثم إلى الأنوثة و بالعكس ، كما تولد صغار سمك الهامور في الخليج إناثا ثم تتحول إلى ذكور حسب الحاجة و قد تتحول الذكور إلى إناث عند الحاجة أيضا !! ، فهل هي مدعية لتحولها ؟؟ أم هي تتحول في حقيقتها ؟؟ وهل ستنقص قيمتها الجمالية ان عرفنا عنها هذه الحقيقة ، او قيمتها الاقتصادية ؟؟ أن العلم لا يهتم بالحكم الأخلاقي ، انه نظر موضوعي يوصف حالة الأشياء كما هي ، أن التمتع بجمال الزهرة يفسده الحكم عليها بالسقوط الأخلاقي لأنها خنثي .
و لسنا نعرف ما هي العمليات التي تقوم بها قصيدة النثر لتبدو عمودية أو بالعكس لتبدو أنها شعر وهي نثر ، فهل يمكن لمن يقول بذلك أن يوضح ما يريد بعيدا عن مسألة الشكل التي أفضنا في مناقشتها فيما سبق ؟؟ وهل هناك شكل ناجز وكامل لا يتغير للقصيدة ، وهل المواليا و الدوبيت .. الخ من أشكال الخروج على عمود الشعر و الوزن نوع من التطور ، أم هو لعنة خاصة يجب التخلص منها و إخراجها من تراث الأمة ، هل خروج بعض الشعراء على عمود الشعر العربي يلغيهم كمثل شعراءنا الكبار في التراث اللذين عندما عيرهم النقاد بخروجهم على العروض قالوا بأنهم اكبر من العروض !! فهل يستحق هؤلاء أن يحذفوا من الشعرية العربية و تراث الأمة ؟؟ هل يكمن جوهر الشعر في شكله ؟؟ هل النظم هو الشعر ؟؟ ألم نحاول الإجابة على هذه التساؤلات ، ألم يجب عليها من قبل نقادنا العرب !!.
أننا نؤكد على أن ليس كل ما يكتب و ينسب لقصيدة النثر هو فعلا شعر ، بل ربما تشكل قصيدة النثر اصعب أنواع الكتابة الإبداعية ، إذ تتطلب من الشاعر أن يجعل من أدواته الجديدة بدائل تقنع القارئ بفنية الكتابة أولا وشعريتها ثانيا ، و لنا عودة مع قصيدة النثر و أن كنت احب أن أطلق عليها (النص الاجد) ، مع تقديري للحوار الموضوعي الجاد و الهادف


انتهى ...
الرد مع إقتباس