عرض مشاركة مفردة
  #4  
قديم 21-12-2006, 10:56 AM
alaa_abes2 alaa_abes2 غير متصل
عضو جديد
 
تاريخ التّسجيل: Aug 2006
المشاركات: 96
إفتراضي

6 - الرفق بالعاملين معه لتكثير خيرهم:

كنتُ وأنا صبي صغير أصطحبُ الدعاة الزائرين لقريتنا لزيارة قرى أخرى لا نصل إليها إلا مشيًا، أو ركوبًا للدواب، وكان حظي أن أصطحب دعاة لا أنسى أثرهم في حياتي بما ألقوا في قلبي من المواعظ وفي عقلي من الذكر.



وكان من هؤلاء الشيخ عبد اللطيف الشعشاعي (عليه رحمة الله)، وكان الشيخ ضريرًا، ويحتاج إلى صحبةٍ ترافقه في تنقلاته البعيدة، وفي إحدى هذه التنقلات سألته أن يحكي لي عن الإمام البنا، وتجلياته الروحية والحضارية.



قال (يرحمه الله): أرسلني الأستاذ البنا أنا والأخ أحمد السكري في مهمةٍ إلى الإسكندرية، كان الأستاذ السكري يحب رغد العيش، فلا يركب إلا الدرجة الأولى، وكنتُ أركب أنا الدرجة العادية.. المهم أنَّ الأستاذ البنا أوصاني بأخي أحمد خيرًا وأعطاني مبلغًا من المال، وقال لي: إذا طلب منك أخوك السكري مالاً فأعطه ولا تجادله.. وبينما نحن في رحلتنا إلى الإسكندرية، وأنا في الدرجة العادية أبصرت (وهو الضرير) كأنَّ الأخ السكري مقبلٌ عليَّ من الدرجة الأولى، وهو يتخطى القفف والغلقان التي تمتلئ بهم العربة التي أركبها حتى وصل إليَّ ووضع يده فوق كتفي وسألني: إن كان معي نقودٌ؛ لأنَّ محفظته قد سُرقت منه وليس معه أي نقود.. دمعت عيناي وقلت له صدق البنا.. خذ يا سيدي هذا المبلغ الذي أعطاه لي الأستاذ مخافة أن نحتاج في الطريق.



أقول مع الشيخ الشعشاعي: مَن أخبر حسن البنا بهذا؟ وما هذا الرفق بأتباعه، لو كان غيره لقال: الذي يريد أن يزهو فليزهو من جيبه وجيب أبيه.. ولكنه البنا يرفق بالعاملين معه ويحملهم معه بتكويناتهم المختلفة، ويعينه ربه بكشافٍ رباني يراهم في ضعفهم فيقيل عثراتهم (رحم الله الإمام).



7 - الجنود والمواقع:


الشهيد سيد قطب

في عام 1966م وكنتُ ما زلتُ في أمريكا جاءتنا الأنباء المفزعة بإعدام أستاذنا العظيم سيد قطب، وكنتُ أنا خطيب الجمعة في تجمعٍ لطلابٍ جامعة ستانفرد بكاليفورنيا، كنتُ في ثورةٍ أحرجت بعض المصريين الذين كانوا سيعودون في نفس العام لمصر، فكانت هناك مشادة بيني وبين هؤلاء الإخوة بعد الصلاة.. كان من بين المصلين الأخ الكريم الدكتور وهبي محمود الذي كان وكيلاً لوزارة التخطيط، وجاء إلى جامعة ستانفرد في برنامجٍ تقدمه ستانفرد في الإدارة العليا لمدة عام، وفي المساء اتصل بي الأخ الدكتور وهبي وسألني أن ألتقي معه في شقته، حيث كان يسكن مع الأخ الدكتور عبد الله عمر نصيف الذي كان يُدرِّس لدرجةِ الماجستير في الجامعة.. المهم التقينا وتحدَّث الأخ الدكتور وهبي وعيناه مغرورقتان بالدموع: إيه يا عم سيد لقد أبكيتني وغالبت البكاء حتى لا ينفضح أمري، ثم حكى: في النصف الثانى من الأربعينيات كنتُ أستعد للتخرج من الجامعة.. وكنت عصبيًّا جدًّا، وكل يوم يذهب زملائي في الجامعة من الإخوان ويشتكون للأستاذ البنا: محرم تشاجر اليوم مع الشيوعيين.. محرم تشاجر اليوم مع الوفديين.. كل يوم أورط إخواني في خناقةٍ مع آخرين.



وفي إحدى هذه المرات انفرد بي الأستاذ البنا، وقال لي: يا محرم اختفي من الحركة.. قلت: تفصلني يا أستاذ؟ قال: لا، ولكن أريد أن أضعك في عملٍ آخر.. ثم قال لي: أنت ستتخرج هذا العام؛ ففي أي مجال تنوي العمل؟ قلتُ: في ميدان التدريس. فقال لي: أريدك أن تختفي في وزارةِ المعارف، حتى تصل إلى أعلى المناصب وتخدم دينك وأمتك في صمتٍ.. وتعاهدنا على ذلك، وبدأت رحلتي في وزارةِ المعارف، ثم وزارة التربية والتعليم حتى وجدتني مديرًا لمكتب الوزير كمال الدين حسين في الستينيات.



ثم فوجئتُ برجلٍ آخر كنتُ أعرف صلته القديمة بالأستاذ البنا، وهو أيضًا يعمل مستشارًا للوزير.. إنه الأستاذ الأديب فريد أبو حديد، وتصارحنا؛ فإذا قصته مثل قصتى، ولم ينكشف أمرنا إلا عندما كتب الدكتور نظمي لوقا كتابه الشهير "محمد الرسالة والرسول"، والذي يقول في آخر صفحةٍ فيه: "لا خيرةَ في الأمرِ ما نطق هذا الرسول عن الهوى، لا خيرةَ في الأمر ما ضلَّ هذا الرسول وما غوى، لا خيرةَ في الأمر ما صدق بشر إن لم يكن هذا الرسول بالصادق الأمين، فسلام عليه بما هدى، وسلام عليه في الخالدين".



المهم أننا قررنا هذا الكتاب على طلبةِ الإعدادية في مادةِ النصوص، وبدأت اعتراضات محلية وغير محلية، وانكشف أمر الجنديين الذين أرسلهما حسن البنا ليحفظا لمصر نصوصها الدراسية في وقتٍ تطاولت فيه الأيدي العلمانية.



المهم أنه في عزِّ سطوةِ الشيوعيين والعلمانيين كانت المواد الدراسية في حفظٍ أمين بفضلِ هذين الجنديين العظيمين (رحمهما الله).



والدرس المستفاد أنه ينبغي أن لا يركب كل الجنود مركبةً واحدةً، أو دابةً واحدةً بقرنين كبيرين يسهل مسكها منهما.. إنما نكثر سواد الدواب، ونوزع الجنود في المواقع، ونسترهم بكل سترٍ متاحٍ، والحمد لله رب العالمين.

-----------

* sayedhassan@hotmail.com