عرض مشاركة مفردة
  #20  
قديم 28-08-2001, 12:41 PM
صالح عبد الرحمن صالح عبد الرحمن غير متصل
عضوية غير مفعلة
 
تاريخ التّسجيل: Jul 2001
المشاركات: 192
Post

تتمة التعقيب على ما ورد في رديك الأخيرين

مقدمة التعقيب :

طريقة التفكير أو كيف ينشأ الفكر عند الانسان ؟

" ينشأ الفكر عند الانسان من اقتران الواقع عنده بمعلومات عنه، ولا يمكن أن ينشأ من الواقع وحده مطلقا، ولا من المعلومات وحدها ولا بوجه من الوجوه .

ضع أمام طفل صغير أشياء لم يسبق أن عرف عنها شيئا، وانظر هل يحصل عنده فكر فإنك تجد أنه يحصل عنده من تكرار احساسه بالواقع وحده احساس بوجود الواقع، ويحصل عنده تمييز الأشياء بعضها عن بعض ، وتمييز ما يؤلم أو يلذ، أو يسر أو يزعج، أو يشبع أو غير ذلك، مما يتصل بالغرائز والحاجات العضوية، ولا يحصل عنده شيء أكثر من ذلك مهما اختلف الاحساس وتكرر وتنوع ، أي يحصل عنده احساس ويحصل من جراء هذا الاحساس وتكرره تمييز غريزي فقط. ولكنك إذا وضعت أمامه شيئا ثم قرنته بمعلومات عنه أدرك ما هو الشيء. فإن سألته عنه شرحه لك وبين لك ما هو. فيصبح عنده إدراك الشيء، أي يصبح عنده فكر. أما لو أعطيته معلومات فقط عن الشيء وكررت له هذه المعلومات فإنه يعاود سردها لك كما هي ، ولا يحصل عنده فكر ما لم يربطها بالواقع . والدليل الحسي على ذلك هو : ضع أمام طفل ميزانا وتفاحة ونارا ثم حفظه معلومات عن كل واحدة منها كأن تقول له : ميزان يزن ، تفاحة تؤكل، نار تحرق وكررها عليه عدة مرات ثم اسأله أين الميزان فيضع اصبعه على التفاحة أو النار، وقد يضع اصبعه على الميزان ولكنه إذا رآك لم ترض ذلك غير في الحال ، ووضع اصبعه على غيره، فهو قد تلقى معلومات وأعادها . ولكنه لم يحصل عنده فكر . أما إذا أريته الميزان وقلت له هذا ميزان يزن ، وبينت له عملية الوزن وكررت ذلك ، ثم أريته التفاحة أو النار وكررت ذلك فإنه يحصل عنده فكر. فإذا قلت له أين الميزان وضع اصبعه ودلك عليه. فلو رفضت ذلك وغالطته لا يرد عليك ويصر على الميزان الذي شرح له لانه أدركه ، فيصبح يعرفه لمجرد رؤيته أو لمجرد ذكر اسمه، لأنه صار له فكر عن هذه الأشياء باقتران الواقع مع المعلومات .
وعليه فالتفكير ينشأ عند الانسان من احساسه بالواقع مع تلقيه من غيره معلومات مع الاحساس. فيصبح عنده من ذلك فكر. هذا إن لم تكن عنده معلومات. أما إن كانت عنده معلومات فيكون قد سبق أن نشأ عنده فكر، فإذا أراد أن ينشأ فكرا جديدا عن شيء فإنه يحس بالواقع ثم يربطه احساسه بالواقع بمعلوماته السابقة فيصدر فكرا. فإن لم تكن عنده أي معلومات تتصل بهذا الشيء افتقر الى أن يتلقى معلومات عنه فيحصل من تلقيه للمعلومات مع احساسه بالواقع فكر جديد عنده. وعلى هذه الطريقة ينشأ الفكر.

وهذه النشأة هي طريقة التفكير الطبيعية عند الانسان وهي طريقة التفكير الأساسية . وهي التي توجد الفكر.
وعلى ذلك فطريقة التفكير من حيث هي تحتم اقتران الاحساس بالواقع مع المعلومات السابقة عنه، أو اقتران المعلومات السابقة مع الاحساس بالواقع فحينئذ يحصل الفكر، وفي غير ذلك لا يحصل فكر مطلقا. فلا بد من إعطاء المعلومات مع الاحساس بالواقع حين نريد أن ننشأ فكرا، ولا بد من إيجاد الاحساس بالواقع مع المعلومات حين اعطائها إذا أردنا أن يدرك الفكر الذي نعطيه. فلا بد من وجود واقع محسوس، ومن وجود معلومات حتى يوجد فكر . وهذه وحدها هي طريقة التفكير. ولذلك كان اعطاء المعلومات وحدها وربطها مع بعضها دون اقترانها بواقع محسوس لا يشكل فكرا عند الشخص ، بل يوجد عنده معلومات ولا يوجد أي فكر مهما شرحت له ما لم يدرك واقعها ويكون هذا الواقع محسوسا.

هذا من حيث ايجاد فكر عند المفكر الذي أوجد الفكر أو أنشأه ، وكذلك هو عند من يعطي الفكر لغيره، فإذا أريد اعطاء هذا الفكر للناس فانه يمكن أن ينقل إليهم بأي وسيلة من وسائل التعبير كاللغة مثلا. فإن اقترن عندهم بواقع سبق أن أحسوا به أو أحسوا بمثله أو قريب منه فإنه يكون قد انتقل إليهم فكرا، فصار مفهوما من مفاهيمهم كأنهم قد توصلوا إليه. وإن لم يقترن عندهم بواقع محسوس لديهم بأن فهموا معنى الجمل وشرحت لهم ولم يتصوروا أي واقع لها ، فإنه لا يكون قد انتقل إليهم فكرا ، وإنما نقل إليهم مجرد معلومات. فيصبحون بهذه المعلومات متعليمين ولا يصبحون مفكرين. لأنه لم ينقل إليهم فكرا ، بل نقلت جمل تتضمن معلومات. ومن هنا كان لا بد لمن ينقلون للناس أفكارا أن يقربوا ما فيها من معاني لأذهان الناس بمحاولة اقترانها بواقعها المحسوس لديهم ، أو بواقع قريب مما يحسونه، حتى يأخذوها منهم أفكارا. وان لم يفعلوا ذلك لا يكونون قد نقلوا للناس أفكارهم ، وانما نقلوا إليهم معلومات علموهم إياها .

ولهذا كان لا بد من الحرص على طريقة التفكير ، وذلك باقتران المعلومات بالواقع عند انشاء الفكر، أو بتقريب الأفكار من الواقع المحسوس عند من يأخذها حتى تقترن المعلومات بالواقع فتوجد فكرا" .
__________________
لا إله إلا الله محمد رسول الله