عرض مشاركة مفردة
  #44  
قديم 16-06-2004, 05:04 AM
الطويـــــــل الطويـــــــل غير متصل
اعــرف نفســك
 
تاريخ التّسجيل: Mar 2004
الإقامة: بلاد المقابر الجماعية
المشاركات: 129
إفتراضي

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
للأسف ، وكما توقعت ، جاءت مداخلات البعض ، لتؤكد حقيقة مؤلمة ومفزعة ، في نفس الوقت ، هي اننا أبناء بررة ، لثقافة طائفية عتيدة ، تسري في عروقنا ، وتعشعش في عقولنا ، من مستوى التربية الأسرية الى أعلى المستويات الأكاديمية !.

كما أنّ هذه الردود أيضا ، هي خير شاهد على مرارة الطرح الطائفي ، والمأساة الحقيقية التي يمر بها أبناء الإسلام على يد أصحاب هذه الثقافة ، ودعاة التفرقة المشينة ، التي تقف عائقاً دون السمو بمفهوم الأمة الواحدة ما بين شباب وشابات أبناء الضاد والإسلام .

للأسف .. نتشرب الطائفية أو بالأحرى ( الكراهية ) صغارا في المدارس ، و شبابا في المعاهد والجامعات ، وحتى المنتديات !
ويتشربها المصلون أيضا ، في خطب المساجد !.
و تنهال علينا يوميا صحفا و اذاعات و تلفزيونات .

ثقافة سوداء ، تربي الأجيال على الكراهية و الأقصاء ، واحتقار الآخر ، فقط لأنه الآخر مذهبيا أو طائفيا ، بغض النظر عن أي شيء آخر !!.
بل أنها ، أحيانا ، تبرر قتل ذلك الآخر في أي وقت اذا اختلفنا معه !!!!.
ألم يهنئ البعض ( و هذا البعض ليس قليلا ) ، العالم العربي و الاسلامي ، بـ ( نصر ) الحادي عشر من سبتمبر في الصحافة و الفضائيات والمنتديات والمدارس والمكاتب والمقاهي وووو ..؟
ألم يصفق البعض للجرائم الجماعية ، التي ترتكبها عصابات القتلة في الجزائر أو العراق .. مثالا لا حصرا .. ممن ينتسبون زورا الى الأسلام ، والأسلام منهم بــراء ؟!!.

ثقافة ، لم تفقه بأن الأختلاف في الرأي ، كالأختلاف في لون البشرة والشعر .
ثقافة ، تضعنا في مصاف الملائكة ، و تضع جميع الآخرين في كفة الشيطان .

ثقافة ، تريد نسيج وطن بلون واحد ، ورؤية واحدة ، وعقل واحد ، وفكر واحد ، عنوانه الكبير المذهب أو الطائفة .

انها ثقافة الرعب .. حيث لا جمال و لا اعتدال و لا اختلاف .
حياة بلون واحد حالك !!.

ندعي الأخوة والتسامح .. بينما تنثر ثقافتنا الطائفية الجثث يمنة و يسرة .. ولا تحرك ضمائرنا مقابر جماعية أو جثث ممزقة !!.

ندعي الرحمة ، ونفتري المحبة .. بينما تتداعى مرجعايتنا الدينية و الثقافية بجميع ألوانها مكرسة جل وقتها لهدر الدماء ، و تكفير العقول ، و احتقار الابداع !!.

قولو لي ، بالله عليكم ، ما أهمية ان يكون الفرد شيعيا أم سنيا أم .... أم .... ، اذا لم يكن ذلك اسهاما في انسانيته و انسانية الاخرين.. ؟

ما قيمة هذه التسميات ، اذا كانت مبررا للتفرقة بين أبناء الوطن الواحد ، ونشر البغضاء ، واشاعة الأحقاد .. وصولا الى تقطيع الرؤوس ، و وأد الحرية ، و تحويل الاوطان الى قلاع منعزلة ، وسجون ، ومقابر جماعية ؟

ما أهمية أن يكون المرء سنيا أم شيعيا ، وهو يسعى بكل طاقته لتفريق صفوف المسلمين ، في وقت يحتاجون فيه الى التآزر والتآلف ؟؟.

وما أهمية أن يكون المرء ، سنيا أم شيعيا ، وهو لا يحمل ذرة من مباديء وأخلاق الأسلام في عقله وضميره ، بل ويسيء ، بسلوكه ، الى صورة الأسلام والمسلمين ؟؟


لاأدري حقا لماذا هذا الأصرار من البعض ، على الأبحار في اتجاه آخر ، مزروع بالألغام والعواصف الهوجاء ، ليس من ورائه هدف غير اشعال نار الفتنة ، وتوسيع الشقوق ، وتعميق القطيعة ، وزيادة البغضاء بين أبناء الوطن الواحد والأمة الواحدة ؟.

لماذا لايريد البعض أن يفهم ، بأنّ أخطر داء أبتليت به الأمة الأسلامية ، هو داء الفرقة ، الذي اعترى جنباتها ، فشرذمها في فرق ومذاهب وطرق ، وبعثرها في متاهات ماضي سحيق ، فتصارعت في الجسد الواحد عبر العصور .. حتى أنهكته ، وأضعفت من شأنه ، وبعثرت مقدرات أبنائه .. فصرفوا جهدا كبيرا ، وبذلوا دماء كثيرة ، في اثبات أمور عفى عنها الزمن ، فعاشوا في صراعات الماضي ، وتركوا الحاضر يفلت من بين أيديهم ؟؟.

ربما من الصعوبة بمكان ، أن يدرك فرسان الثقافة الطائفية ، أنه إذا كان هناك من خلاف بين أئمة المذاهب الإسلامية ، فهو خلاف من أجل التنوع .. لا خلاف من أجل الفرقة ، والاختلاف ، والفتنة ، والوقيعة !.

إن الخلاف بين المذاهب الإسلامية ، إنما هو خلاف التنوع ، الذي تزدهر فيه التجربة الفقهية ، والسياسية ، والاجتماعية ، والثقافية ، والعقائدية الإسلامية في الناس .
ولا خير في خلاف تتم فيه تجزئة الأمة إلى مِللٍ متناحرة ، وشعوب متقاتلة ، واتجاهات يضمر كل واحد منها العداء والانتقام للآخر !! .


إن الخطورة ، كما أعتقد ، هي في إلحاح بعض هؤلاء الطائفيين على قشور المصطلحات ، وعدم ذهابهم مذهب الغوص في عقدة المشكلة التاريخية التي قسمتنا الى فرق واتجاهات ومذاهب .

إنهم لا يتعبون أنفسهم ، بالبحث عن الحقيقة .. كامل الحقيقة .
بل يتعبون أنفسهم ، بالبحث عما يزيد المشكلة تعقيداً ، فيختبئون وراء ماحفظوه عن أئمتهم وشيوخهم ..
ولا يخرجون الى النور ، حيث الحقيقة ساطعة كالشمس في رابعة النهار كما يقولون .. حقيقة ارتباط الإسلام بالنهضة الفكرية ، والاجتماعية والسياسية ، وأن تكون للإسلام مرجعية تحدد للناس موقفهم من الحياة والتاريخ والحق والباطل ، وكيفية رؤية النور ورؤية الظلام !!.

إن الجدار النهائي الذي نضع ظهورنا عليه ونتكئ على صخرته القوية ، هو الإسلام لا الطائفة .
وإذا كانت هناك حسنة للطائفة في الحياة الإسلامية ، فمن خلال اقترابها من حدود الإسلام ، لا اقترابها من حدود المذهب !
وإنما المذاهب لا تعكس ، إلا تعبيرات فلسفية ، وأخلاقية ، وعقائدية تتفاوت من طائفة لأخرى .

انّ من يتوهم ، بأن حدود الإسلام هي الطائفة ..
فلا علاقة له بالإسلام بل له علاقة بمنظومة الجماعة ، التي يتدين بدينها ، ويتفقه بفقهها ، ويتعلق بمنظومتها في الفكر ، والمعرفة ، والثقافة .

أن الإسلام العظيم ، أرحب من ذلك ، وأوسع وأشمل وأكثر جمالاً من أن يحدده مثقف هنا أوعالم هناك ، أو يتحدث باسمه شيخ هنا وسيد هناك !! .

إن الإسلام هو الذي يدخل الناس في دينه أفواجاً أفواجاً ، بالحكمة ، والحوار ، والموضوعية ، والجدية ، والاعتراف بحقيقة نبوة محمد ( صلى الله عليه وآله وأصحابه وسلم ) .



واذا كان البعض معتادا على النظر الى الوطن أو الأمة ، بعينين طائفيتين ، فلن يفقه كنه قولي ، ولن يستطيع كذلك ، أن يدرك أنّ الأمة ، لن تقوم لها قائمة ، مادمنا نمزّق بعضنا بعضا ، ونكفّر بعضنا بعضا .
ومادمنا نحوّل خصوصياتنا الى أوثان نعبـدها .



تحياتي للجميع .
__________________
( يُؤتِي الْحِكْمَةَ مَن يَشَاء وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ الأَلْبَابِ )


(( لولا أني عرفت حقيقة الإسلام العظيم .. الإسلام الرحيم .. الإسلام الحكيم .. الإسلام الإنساني .. لكفرت بإسلام لا يعرف إلا القتل .. ولكرهت هذا الإسلام أيما كره ، ولحقدت على أهله أيما حقد ، ولحاربته حربا لا هوادة فيها . ))