الموضوع: هوايــــــات
عرض مشاركة مفردة
  #2  
قديم 27-08-2007, 08:06 PM
ابن حوران ابن حوران غير متصل
عضو مميّز
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2005
الإقامة: الاردن
المشاركات: 1,588
إفتراضي

المطيرجية


كان الضجيج الذي يصدر عن ارتطام أحجار (الدومينو) بأسطح مناضد المقهى، يشكل إيقاعا متبادلا مع خشخشة مكعبات الزهر (النرد) للجالسين في المقهى، وكانت أحاديثهم المتداخلة تجعل من يستمع لها عن بعد كأنه نسي محرك الراديو متوقفا عند محطة فارسية، لا يفقه مما يقولون شيئا ..

لكنه ما أن ولج باب المقهى حتى اختفت كل الأصوات، وكأن آمرا قويا قد طلب من الجميع التوقف عن الحركة، فمن رمى قطعتي الزهر أبقى يده متوقفة في اتجاه الرمية، ومن قبض على حجر (دموينو) بقي متمسكا به لا يفلت منه لحين تغيير الأوامر. لكنه هاله منظر عيون الجلساء التي اتحدت في التركيز على مظهره. توقف واسترق نظرة إلى هيئته عل ترتيب (أزرار) بنطلونه أو قميصه قد فتحت وهو لا يعلم، لكن لم يكن شيئا مما ظنه في نفسه .. جلس وطلب قدحا من الشاي.. وحاول ارتشافه وهو في حالة الغليان، ليتخلص من العيون التي تجمدت نحوه .. ترك نصف قدحه دون شرب ودفع حسابه وخرج .. وعندما عاد الى دائرة عمله حيث كان في مهمة، وحدثهم بما جرى، سألوه عن المكان فأجاب، وكان هو أصلا ليس من أهل المدينة، ضحك الجميع وقالوا له : إنها مقهى ل (المطيرجية) الذين يربون طيورا، ولا أحد يدخلها من خارج تلك الهواية

علم ذلك، ولكن الصورة لم تفارقه حتى بعد أن عاد الى بلاده، وافتتح شركة لتربية الدواجن، وعلاجاتها، فكان يعمل معه أحد الأطباء البيطريين، وكان ذلك الطبيب نزقا، ولكنه مستقيم و يبذل قصارى جهده في خدمة من يطلب منه خدمة.

كان السكون يخيم على مكاتب الشركة، بحيث أن الحوار الذي كان يدور بين الطبيب البيطري وأحد المراجعين الذين يسألون عن وظيفة أو مزرعة يؤمن من خلالها رزق أولاده، حيث لم يتناولوا طعاما عليه القيمة منذ أسابيع، والطبيب يحوقل ويعتذر للمراجع، أنه لا يوجد في الوقت الحاضر فرصة ليساعد بها ذلك المسكين، الذي خرج متأملا أن ينجده الطبيب البيطري إذا ما حانت مثل تلك الفرصة ..

وما هي إلا دقائق، وصوت الطبيب البيطري يعلو ويزجر مراجعا آخرا، فخرج صاحب الشركة من مكتبه على صياح الطبيب، فإذا بالمراجع يستنجد به من فظاظة الطبيب، فاستعلم منهما، فبادر الطبيب بشرح ما حدث وربط الحالتين، فقال أناس لم تجد لقمة تطعمها لأولادها، والأفندي يطلب مني علاجا لكناري مصابا بالإسهال!

كانت حالات المراجعة لمربي الطواويس و الحجل وطيور الزينة، تشكل مادة لطيفة لمن أراد أن يتابعها .. خصوصا مع ردة فعل الطبيب البيطري، الذي كأنه نذر حياته أيديولوجيا لخدمة عمل منتج لا عمل (المطيرجية) الهواة!
__________________
ابن حوران