عدة أشكال لتداول السلطة والنتائج متقاربة :
امتلأت المجلات و الصحف و الكتب حديثا عن الديمقراطية وتداول السلطة والحكم بشكل عادل .. وكلما ازدادت معرفتنا بما كان يحدث في السابق في هذا المجال ، منذ عهد الفراعنة والسومريين ومرورا بكل عصور الامبراطوريات الكبرى أو الحكومات او الدول الكبرى في العالم ، ومنها وطننا العربي وعالمنا الاسلامي ، فاننا لن نجد فروقا هائلة بين كل الطرق في تداول السلطة ..
فأهم انجازات العالم الحضارية ، جاءت من خلال حكم الرجال الأشداء ، وتشبع أجواء دولهم بما يؤمنون .. حتى لو كانوا حكاما فرديين ، أو أباطرة أو منتخبين بطرق التداول الحديثة ( الديمقراطية ) .. فلم يكن عهد حمورابي ، أو عهود الفراعنة ، أو عهد قياصرة روما أو عهد عبد الملك بن مروان أو عهد الرشيد أو المنصور أو المأمون أو عبد الرحمن الناصر في الأندلس ، أو عهد يوسف بن تاشفين أو عهد ستالين .. وغيرهم من الرجال الأشداء .. عهود تم تداول السلطة بها بالطرق الديمقراطية ..
فمن أهل العدل و الشورى في تداول السلطة كما يراها بعض علماء التاريخ الاسلامي ، أو انتخابات أعضاء المؤتمر العام للحزب الواحد أو الحزب القائد ، أو من خلال نفوذ أصحاب رأس المال في الدول الغربية من يتحكم بسير الانتخابات لتكون في صالح أشخاص دون غيرهم .. فكلها طرق لا يمكن سلخها عن فكرة ( قوة الإرادة الراهنة ) .. فالجهة التي تملكها ، هي الجهة التي ستحكم البلاد ..
فتعريف أهل العدل ، سيكون مثارا للخلاف ، اذ من سيختار هؤلاء ؟ ومن قال أنهم أكثر من غيرهم أهلية في القدرة على التكلم باسم المسلمين .. وما دور الطوائف أو أبناء الديانات الأخرى .. كلها نقاط خلاف ، لا أظن أنها من السهولة بمكان بحيث يتم تجاوزها ، أو حتى البدء في الخطوة الأولى لها بيسر ..
أما الانتخابات لقيادات الأحزاب ، التي تزعم أنها أدرى بمصلحة الشعب من الشعب نفسه ، فانها تكون محكومة من أقصى الغرب الليبرالي الى أقصى الشرق الشيوعي ( الصين ) ومرورا بالأحزاب التي ينشئها الحاكم و يعطيها لقب الوطني أو الدستوري أو أي اسم يدل على أحقيتها بالتفكير بالنيابة عن الشعب . ان تلك الانتخابات من أمريكا حتى الصين ما هي الا خطوة إضافية لشرعنة قوة الإرادة الراهنة ، التي تختلف بنظرياتها وفقا لخطابها المعلن ، ووفقا لأيديولوجيتها التي تفلسف بها حكمها ..
أما تلك الدول التي لا بها لا حزب حاكم ، ولا بها انتخابات ، فانها دول حزينة نسيت خطوة مهمة لشرعنة نظامها بإقامة انتخابات ، يسهل تسييرها بحنكة متوسطة نحو الإتجاه الذي يريده صاحب قوة الإرادة الراهنة ..
سيقول قائل ، وما هو الذي يجري في دول الغرب ؟ أو اليابان أو الهند ؟ .. سأقول انها أشبه بلعبة ( الطرة والنقش ) بين صنفين ليبراليين يتزعما قوة الارادة الراهنة التي استسلم لها كل الناخبين بأنهم لا يستطيعون الخروج من تلك الحلقة المفرغة .. فالتناوب بين الديمقراطيين والجمهوريين في أمريكا ، والعمل والليكود بالكيان الصهيوني ، والعمال والمحافظين في بريطانيا، والاشتراكيين والجمهوريين الديغوليين في فرنسا .. وابحث في كل تجربة ، ستجد السياسة قريبة من بعض .. و أحزاب الفقراء الخائبين ، تحظى بمقاعد برلمانية سخيفة التأثير .. أو لا تذكر أسماؤها الا في وقت التعادل بين القوتين أو ( الوجهين للقوة الواحدة ) ..
تبقى حظوظ المواطن ، عندما يحتاج الحاكم في الأصناف الثلاثة الى العدل ، ليوظفه كأحد الوسائل لشد الناس من حوله ، ليس الا .. وان لم يكن بحاجة لشد الناس فانه لا عدل يذكر ..
__________________
ابن حوران
|