عرض مشاركة مفردة
  #1  
قديم 20-11-2005, 08:57 AM
ابن حوران ابن حوران غير متصل
عضو مميّز
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2005
الإقامة: الاردن
المشاركات: 1,588
إفتراضي العزلة تحقق النقاء و تجعل من لا يعتبر يفهم !

العزلة تحقق النقاء و تجعل من لا يعتبر يفهم !


في صغري كنت أشاهد والدي رحمه الله ، يقوم بالتجول في حقول القمح في مرحلة إطلاق السنابل ، فيضع علامات من خيوط ملونة على بعض السنابل التي كانت صفاتها الوراثية حسنة ، وعند موسم الحصاد يأخذ تلك السنابل و يستخرج قمحها ، ثم يزرعه في مساحات ضيقة بين حقول العدس .

بعد أن تخرجت من كلية الزراعة أدركت تلك الخطوات و أثرها في تنقية البذور المستمرة حتى لا تتدهور الأصناف .. و حقيقة هي عدم تدهور صفات الأصناف ، وفي الوقت الحاضر نلجأ لتلك الطريقة لإبعاد صفات مؤذية عن كثير من المحاصيل الزراعية ، وحتى الحيوانية منها .

******
عندما أراد الخليل بن أحمد و هيثم بن نصر بن سيار وغيرهما ، أن يدونوا لغة العرب ، كانوا يذهبون الى المناطق الصحراوية النائية ، لأن الكلام بها لم يتعرض لخلط .. وقد يكون لفظ تعريب آت من تلك الصفة .. واليوم نقول بمهنتنا ، نعرب الصيصان (الكتاكيت) أي نستبعد السيئ منها ..

*********

شاهدت تحقيقا تلفزيونيا عن قرية مغربية في أعالي الجبال ، ويسكنها أناس من إخواننا الأمازيغ . ولما كانت القرية تتعرض لموسم شتاء قاسي ، فان الأمطار والثلوج تأتي بقطع من الصخور والأتربة ، تملأ القرية و حتى مسجدها.

فيجعل سكان القرية من تنظيف المسجد من الأتربة و مخلفات ما ترك الشتاء من أثر مناسبة لتوكيد صفاتهم التي لم تختلط كثيرا بصفات غيرهم من الناس خصوصا ما ترك المستعمرون من بعض التأثيرات بهم .

فكانوا يندبون مجموعة منهم لشراء ( ذبيحة ـ تيس ) لتكملة طقوس الاحتفال . وان صاحب التيس يحدد سعرا لتيسه ، والآخرون لا يفاصلونه ولا يعطوه ثمنا ، ولكن يقولون له كلاما أظنه ( أغراس اغراس ) أي ثق أن الثمن سيصلك .

ويقوم أهل القرية ، بإحضار هدايا متواضعة ، من ثمار الجوز و الشوفان والشعير و القمح وأي شيء باستطاعة الفرد أن يقدمه عن طيب نفس . فتوضع تلك الهدايا أمام اللجنة و التهليل و الأدعية تصدر من الواقفين بأصوات أمازيغية جميلة . فيدفع لصاحب التيس نصيبه .. و يوظف ما يتبقى بسبيل تعاوني .

تصعد النسوة على سطح المسجد ، وتهلل بأدعية و هي بصدد تحضير الطعام للمحتفلين ، ويفيد التهليل ب ( من بقي على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فان الرسول سيجاوره ) ..

تأملت هؤلاء الأخوة ، كيف يبدعون ويقدمون كل ما عندهم ، ويقولون قولا ، كان قد قاله ( مهدي بن تومرت ) عام 515 هـ في دولة الموحدين . فقلت قد نكون نحن العرب من نتحمل حدوث الجفاء بيننا وبين العروق التي نتعايش معها ، فعندما كنا على عهد رسول الله كانوا يتسابقون معنا على الخيرات .. وعندما لم يبق لدينا سوى التذكير بعروبتنا غير الفاعلة ، فان الامتعاض ساد على هؤلاء الأخوة ، وتوقف إبداعهم كما توقف إبداعنا ..

فالأب ( مع فارق التشبيه) ، ليس بالضرورة أن يذكر أبناؤه في كل لحظة بفضل أبوته عليهم . ولكن عندما يكون الأب لا يستطيع الدفاع عن كرامته أمام أبنائه ، فان تذكيره بفضله عليهم سيكون بلا معنى بل مليء بمسحة سمجة !
__________________
ابن حوران
الرد مع إقتباس