عرض مشاركة مفردة
  #27  
قديم 22-09-2003, 03:19 PM
السلفيالمحتار السلفيالمحتار غير متصل
لست عنصريا ولا مذهبيا
 
تاريخ التّسجيل: Mar 2002
المشاركات: 1,578
إرسال رسالة عبر بريد الياهو إلى السلفيالمحتار
إفتراضي

فاطمة الزهراء ( ع ) وخلود المعنى
كتابات - عبد الرحمن الوائلي

كان عمود النور يحمل نطفتها الطاهرة الى كل مكان في أرجاء هذا الكون الفسيح ، ينثر عبر فيضٍ متدفقٍ من الإشراق الإلهي وجوداً مثالياً لحواء العصور ، ويرسم عبر خطوط من شعاع اللطف الإلهي مسيرة النصف الآخر من الوجود الإنساني ، وهو يفضّ أسرار قلبٍ تدفق بالتسبيح لرب العرش منذ أن تعلّق به ، ليكبر ويكبر في بحبوحة الملكوت ، فتولد " فاطمة " . . " فاطمة " التي تحمل جذوة نبّوةٍ تشبعت بـ " محمد " فكان نورها يشرق تحت جلبابه النبوي ، وهو يصلّي عليها وعلى الملائكة الحافّين بها في غمرة سموّه الروحي في عبادته لله ، ويفتح دروباً وواحاتٍ لاخضرار ونموّ كلمة الله في الأرض ، عبر زرعه لثمارٍ ، ستورق في القلوب والنفوس المخلصة قبل أن يتجذّر نبتها ويمتدّ في عروق هذه الأرض . . " فاطمة " كلمة " محمّد " في التبعيض الذي لا يخلّ بهذا الـ " بعض " شيء ، ما دام ملتصقاً بكلّه ومرتدّاً إليه روحاً وجسداً وفكراً وعقيدةً وحياةً .. " كلمة " محمّد " تقول :

[poet font="Simplified Arabic,4,deeppink,normal,normal" bkcolor="black" bkimage="" border="double,4,gray" type=0 line=200% align=center use=ex length=0 char="" num="0,black" filter=""]
ها قد سرى في رحم أمة أحـمدٍ نـور سما بـولادة الزهـراءِ

هي بعض ما بي من شعاع نبـوّة متـدفّقٍ مـن ذروة العلـياءِ

هي جلّ ما بي من جداول رحمةٍ في الأرض يجري ظلـّها وسماءِ

هـي آية التنزيل تشـرق شمسها في كلّ قلبٍ مخلـصٍ بدعـاءِ

أنا من ذراها وهي كامل ذروتي بي أشرقت فعلت على الجوزاءِ

أنا ظلـّها الحاني يبللّه النــّدى من طهرها فيفيض في الأرجاءِ

أنا نورها هي نور وجهي شاخصاً وبها تـرون نبـوّتي وولائـي
[/poet]وحينما امتدّ شعاعها في بيت النبوّة في لحظات ولادتها ، كانت ملائكة السماء ، تفرش كساءً من نجومٍ وأقمارٍ تشعّ بشكر الله وثناءه ، لأنّ فرعاً لـ " محمّد " قد نبت لتوّه ، هذا الفرع الذي سيفتح لاحقاً ، دوحةً نبويةً هاشميةً ، تتفرع منها ثمار وثمار اكتست بلطف الله وبرحمةٍ ربانيةٍ لتشكل قناديل إنارةٍ للخلق على مرّ العصور . . تلك القناديل " فاطمية " المنشأ " محمدية " الجذور " علوية " التعهّد والسقاء ..

ولدت " فاطمة " وهي عالم فسيح لا يسبر غوره إلاّ من يمتلك مفاتيح أبواب الدخول إليه . رغم إنها سرّ مفتوح على مصراعيه ، ومكشوف لكلّ ذي عينين ، لأنّ الله لم يكن ليخفي رحمة كـ " فاطمة " على خلقه أو يبخل بها .. لكنّ الله أيضاً له أبوابه ، والإيمان الواعي وحده هو المرشد لهذه الأبواب ، وهو المفتاح الأول لفكّ أقفالها ..

ولدت " فاطمة " وهي تحفر في نفوس الخلق صورةً أخرى لـ " محمّد " ، ولكن بتجسيد النصف الآخر للبشرية ، وهو " النسـاء " ، فكأنّ محمّداً بعث للرجال وفاطمة بعثت للنساء .

[poet font="Simplified Arabic,4,purple,normal,normal" bkcolor="black" bkimage="" border="double,4,gray" type=0 line=200% align=center use=ex length=0 char="" num="0,black" filter=""]
يا دوحة المجد فيضي في الدنى عطرا قد زيّن الكون معراج بك أسرى

فيضي على الخلق أسراراً به ورؤىً من خافقيك وزيدي فكرهم فكرا

كوني النجوم على الآفاق واتـّقدي شمساً بها الروح تغدو في الدجى فجرا

وعلّقي الصبّر درّاً في قلائـــدهم ما أجمل الصبّر لمّا يحصد الصّبرا

يا دوحة القدس صوغي من محاجرهم وعد النبوءات نهراً يعشق المجرى

كوني كما الطيف مرّي في مفاوزهم بين الرياحين ونثيّ فوقهم قطرا

قصّي على الريح سرّ الوحي أغنية يزهو بها القلب تيهاً في الهوى سُكرا
[/poet]
وبين إشراقة هذه الولادة وامتداد ظلّها الوارف يكبر حلم المسلمين في رؤية الرسول شاخصاً فيما بينهم ، فيتمثلون الزهراء ( ع ) ظلاًّ للرسول يتكئون عليه ويستندون إليه ، وليست حاجتهم للزهراء لأنها فقط ، بضعة الرسول ( ص ) ووجهه الثاني في الأرض ، ولكنها نموذج فيضٍ رساليٍ يستند الى حقيقة إلهية ترسم منهجاً وسطاً ومعتدلاً وعقلانياً للمرأة التي يراد لها أن تكوّن دورة مضيئة للنصف الآخر من المجتمع الاسلامي .

هاهي تشخص كزهرة فُطمت عن كلّ ما يحمل الشوك من تجريح ، رقيقة كقلب ( محمد ) ، قوية كساعد ( علي ) حزينة كدمعة ( الحسين ) .. إنها تشخص في كل حين جبلاً تعفّ قممه العالية عن الانحدار الى توافه الأمور وسفاسفها التي تعشعش ما بين الحفر وتقبع ما بين الجحور ، الحفر والجحور التي تسكن فيها صغار النفوس وأقزامها .. هاهي تشخص عملاق رؤىً وفكرٍ يمتدّ ليتفحص جوانب الأسقام في المجتمع البشري ، وبكل رقّةٍ وعذوبةٍ ، تمدّ ذراعيها الطاهرتين لتتحسس هذه الأسقام ، وترسم لها العلاجات الناجعة ، فأين نحن من الزهراء في علاج سلبيات مجتمعنا الاسلامي ؟ أين نحن من فاطمة ؟

[poet font="Simplified Arabic,4,black,normal,normal" bkcolor="transparent" bkimage="" border="none,4,chocolate" type=0 line=200% align=center use=ex length=0 char="" num="0,black" filter=""]
هذا الطريق الى الزهراء فيه سما

روح من القدس يغدو فيه منسكبا

لو عادل الله فيها طيب منبتها

للاح في الأفق سهم من شجىً وإبا

يا موجة النور من وجه النبيّ نمت

وقبل ذا النور سرّ الوحي كان أبا

يا خيرة الله منك هدي منهجنا

إنْ ظلّنا الدرب لم ندرك له طلبا
[/poet]وفيما ينشر نور الزهراء ( ع ) جناحيه ويبسطهما في كل مكان في هذه البرية ، تتدافع أيدي الموالين والمحبين للتعلق بهما ، جناحان يطيران عالياً كسموّ الروح الاسلامي الذي أسسه رسول الله ( ص ) وأرسى دعائمه الشريفة .. جناحان يطيران عالياً بكلّ حنوّ المعنى الأمومي لهذه الأمة ، كما يمثل رسول الله المعنى الأبوي لها.. المعنى الذي يرسم لها درب الخلاص من خلال الوعي المقرون بالإيمان ، لا الإيمان الخالي من الوعي ، والمفتقر للتبصر في أمور الدين والدنيا .. الاسلام من خلال فاطمة الواعية لعصرها هو الاسلام الذي يرتكز الى حقيقة العقل والمنطق والتفكر والتدبر .. تلك هي فاطمة ، الواعية الموعّية ، الفاهمة المفهّمة ، والعالمة المعلّمة .. هي هي والله فاطمة المستحقة ذكرها في كل عصر ينوء بثقل الأوزار الاجتماعية والسياسية والاخلاقية .. هذه هي فاطمة أم أبيها ، وما دامت هي كذلك لخاتم الانبياء وخاتم الرسالات ، فهي على درجة من الكمال تستحق أن نضعها في موضعها الحقيقي ، موقعها في القلب واللسان لا اللسان فحسب ، لأنها عبدت الله بوعيٍ ، ومن قلب ولسان .

[poet font="Simplified Arabic,4,black,normal,normal" bkcolor="transparent" bkimage="" border="none,4,sandybrown" type=0 line=200% align=center use=ex length=0 char="" num="0,black" filter=""]
عبدته مخلصة ونالت عزّه

فلها وللغادين فيها مكسب

قامت بصدق فاحتذت بقيامها

كبرى النفوس بوعيها تتقرب

هذا هو العشق الإلهي الذي

من نوره جسد الورى يتجلبب

هذا هو الوعي الذي نادت به

[/poet] ومن استهان فعشقه يتذبذب
وحين يقترب رحيلها ، تؤسس حاضراً منساباً في دورة الأزمنة ، لتضع استكمال المنهج الثوري ضد كل مظاهر الجهل والتخلف ، فتنطلق في اتجاهات مختلفة لتوصد أبواباً وتفتح أخرى .. توصد أبواب عبودية وخنوع الانسان للإنسان ، وتفتح أبواب انطلاقة الانسان نحو الانسان عبر حريةٍ تتكامل بعمق الفكرة وصلاحها .

كانت ( فاطمة ) حبيسة عنوان ، أما الآن فالرحيل لفاطمة هو انطلاقة لمعناها ، وجسدها المسجّى على سرير من أعواد وخوص النخيل أضحى صفحة من أنشودة بدأت تنساب مع خرير المياه وزقزقة العصافير وغنج الجداول بين الحقول .. نعم لا يعدم كل هذا مرارة الحزن الشفيف الذي يلف وشاحها الأسود وهي تلوّح بيديها مؤذنة بوداعٍ منحه الله عنواناً ثابتاً وشكلاً راسخاً يحمله كل انسان معه ويذعن إليه ، ألا وهو ( الموت ) ، لكنّ الموت يفني صورة بعض الناس ، فيما ليس له سلطان على مضمونهم ، وكيف له أن يفني المعنى الذي يتوزع في النفوس ويمتزج بها فيفصلها عن الروح والجسد دفعة واحدة .. المعنى يدور في فضاء قوامه قدرة العقل على اختزانه وتجديده كلما كان هذا المعنى حقيقة ناصعة لا يخالطها شك ، فلا سبيل إذن لاقتناصه وتدميره .. و ( فاطمة ) هنا معنى ، ولا سبيل الى نسيانها بعد موتها ورحيلها ، وكيف ينسى ما يتجدد كل يوم بحلّة جديدة .. إنّ هذا المعنى لا يريد أن يغادر ، إنه عصيّ على الرحيل ، لأنه ببساطة شديدة ليس رحيلاً !
[poet font="Simplified Arabic,4,black,normal,normal" bkcolor="transparent" bkimage="" border="none,4,sandybrown" type=0 line=200% align=center use=ex length=0 char="" num="0,black" filter=""]

تسامت الروح في علياءها ألقا واستبدل الغيث دمعاً ساخناً دفقا

واستمطر الوجد حزناً ناح في دهش نوح الحمام بجنح مثقل صفقا

فاسأل ذراه وعين الوحي في رمد فيم السواد حداداً جفنه نطقا

ما انفكت الكأس تسقي المرّ شاربها حتى رأى الموت شلّ الحلق إذ شرقا

يوم ارتدى الصبر ثوباً كالحاً خلقاً ماذا دهى الصبر أجرى الدمع فاختنقا

إذ أغلق الموت باباً بالندى فتحت حتى سرى الليل في نعش طوت طرقا

ما ضمّها اللحد بل في الروح مضجعها قد زانت الفكر فامتدت به أفقا

[/poet]
__________________
من روائع شعري
يمامتي
ابيحوا قتلي او طوقوا فكري سياجا
فان قتلي في دجى الليل سراجا
EMAIL=candlelights144@hotmail.com]لمراسلتي عبر الإيميل[/email]