عرض مشاركة مفردة
  #73  
قديم 28-06-2005, 08:37 AM
muslima04 muslima04 غير متصل
عضو مشارك
 
تاريخ التّسجيل: Dec 2003
المشاركات: 872
إفتراضي

فالجواب‏:‏ أن نقول هذا في الواقع ليس ببدعة بل هذا وسيلة إلى مشروع، والوسائل تختلف باختلاف الأمكنة والأزمنة، ومن القواعد المقررة أن الوسائل لها أحكام المقاصد فوسائل المشروع مشروعة، ووسائل غير المشروع غير مشروعة، بل وسائل المحرم حرام‏.‏ والخير إذا كان وسيلة للشر كان شرّاً ممنوعاً واستمع إلى الله عز وجل يقول‏:‏ ‏{‏وَلاَ تَسُبُّواْ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّواْ اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ كَذَلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِم مَّرْجِعُهُمْ فَيُنَبِّئُهُم بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ‏}‏، وسب آلهة المشركين ليس عدواً بل حق وفي محله لكن سب رب العالمين عدو وفي غير محله وعدوان وظلم، ولهذا لما كان سب آلهة المشركين المحمود سبباً مفضياً إلى سب الله كان محرماً ممنوعاً، سقت هذا دليلاً على أن الوسائل لها أحكام المقاصد فالمدارس وتصنيف العلم وتأليف الكتب وإن كان بدعة لم يوجد في عهد النبي صلى الله عليه وسلّم على هذا الوجه إلا أنه ليس مقصداً بل هو وسيلة والوسائل لها أحكام المقاصد‏.‏ ولهذا لو بنى شخص مدرسة لتعليم علم محرم كان البناء حراماً ولو بنى مدرسة لتعليم علم شرعي كان البناء مشروعاً‏.‏


* فإن قال قائل‏:‏ كيف تجيب عن قول النبي صلى الله عليه وسلّم‏:‏ ‏(‏من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة‏)‏‏.‏ وسن بمعنى ‏"‏شرع‏"‏‏.‏


* فالجواب‏:‏ أن من قال ‏(‏من سن في الإسلام سنة حسنة‏)‏ هو القائل‏:‏ ‏(‏كل بدعة ضلالة‏)‏ ولا يمكن أن يصدر عن الصادق المصدوق قول يكذب له قولاً آخر، ولا يمكن أن يتناقض كلام رسول الله صلى الله عليه وسلّم أبداً، ولا يمكن أن يرد على معنى واحد مع التناقض أبداً، ومن ظن أن كلام الله تعالى أو كلام رسوله صلى الله عليه وسلّم متناقض فليعد النظر، فإن هذا الظن صادر إما عن قصور منه، وإما عن تقصير‏.‏ ولا يمكن أن يوجد في كلام الله تعالى أو كلام رسوله صلى الله عليه وسلّم تناقض أبداً‏.‏


وإذا كان كذلك فبيان عدم مناقضة حديث ‏(‏كل بدعة ضلالة‏)‏ لحديث ‏(‏من سن في الإسلام سنة حسنة‏)‏ أن النبي صلى الله عليه وسلّم يقول‏:‏ ‏(‏من سن في الإسلام‏)‏ والبدع ليست من الإسلام، ويقول ‏"‏حسنة‏"‏ والبدعة ليست بحسنة، وفرق بين السن والتبديع‏.‏


* وهناك جواب لا بأس به‏:‏ أن معنى ‏(‏من سن‏)‏ من أحيا سنة كانت موجودة فعدمت فأحياها، وعلى هذا فيكون ‏"‏السن‏"‏ إضافياً نسبيّاً كما تكون البدعة إضافية نسبية لمن أحيا سنة بعد أن تركت‏.‏


* وهناك جواب ثالث يدل له سبب الحديث وهو قصة النفر الذين وفدوا إلى النبي صلى الله عليه وسلّم وكانوا في حالة شديدة من الضيق، فدعا النبي صلى الله عليه وسلّم إلى التبرع لهم فجاء رجل من الأنصار بيده صرة من فضة كادت تثقل يده فوضعها بين يدي الرسول صلى الله عليه وسلّم فجعل وجه النبي عليه الصلاة والسلام يتهلل من الفرح والسرور وقال‏:‏ ‏(‏من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة‏)‏ فهنا يكون معنى ‏"‏السن‏"‏ سن العمل تنفيذاً وليس سن العمل تشريعاً، فصار معنى ‏(‏من سن في الإسلام سنة حسنة‏)‏ من عمل بها تنفيذاً لا تشريعاً لأن التشريع ممنوع ‏(‏كل بدعة ضلالة‏)‏‏.‏


* وليعلم أيها الأخوة أن المتابعة لا تتحقق إلا إذا كان العمل موافقاً للشريعة في أمور ستة‏:‏

* الأول‏:‏ السبب فإذا تعبد الإنسان لله عبادة مقرونة بسبب ليس شرعيّاً فهي بدعة مردودة على صاحبها، مثال ذلك أن بعض الناس يحيي ليلة السابع والعشرين من رجب بحجة أنها الليلة التي عرج فيها برسول الله صلى الله عليه وسلّم فالتهجد عبادة ولكن لما قرن بهذا السبب كان بدعة؛ لأنه بنى هذه العبادة على سبب لم يثبت شرعاً‏.‏ وهذا الوصف - موافقة العبادة للشريعة في السبب - أمر مهم يتبين به ابتداع كثير مما يظن أنه من السنة وليس من السنة‏.‏


* الثاني‏:‏ الجنس فلابد أن تكون العبادة موافقة للشرع في جنسها فلو تعبد إنسان لله بعبادة لم يشرع جنسها فهي غير مقبولة، مثال ذلك أن يضحي رجل بفرس، فلا يصح أضحية؛ لأنه خالف الشريعة في الجنس، فالأضاحي لا تكون إلا من بهيمة الأنعام، الإبل، البقر، الغنم‏.‏


* الثالث‏:‏ القدر فلو أراد إنسان أن يزيد صلاة على أنها فريضة فنقول‏:‏ هذه بدعة غير مقبولة لأنها مخالفة للشرع في القدر، ومن باب أولى لو أن الإنسان صلى الظهر مثلاً خمساً فإن صلاته لا تصح بالاتفاق‏.‏


* الرابع‏:‏ الكيفية فلو أن رجلاً توضأ فبدأ بغسل رجليه، ثم مسح رأسه، ثم غسل يديه، ثم وجهه فنقول‏:‏ وضوءه باطل؛ لأنه مخالف للشرع في الكيفية‏.‏


* الخامس‏:‏ الزمان فلو أن رجلاً ضحى في أول أيام ذي الحجة فلا تقبل الأضحية لمخالفة الشرع في الزمان‏.‏ وسمعت أن بعض الناس في شهر رمضان يذبحون الغنم تقرباً لله تعالى بالذبح وهذا العمل بدعة على هذا الوجه لأنه ليس هناك شيء يتقرب به إلى الله بالذبح إلا الأضحية والهدي والعقيقة، أما الذبح في رمضان مع اعتقاد الأجر على الذبح كالذبح في عيد الأضحى فبدعة‏.‏ وأما الذبح لأجل اللحم فهذا جائز‏.‏


* السادس‏:‏ المكان فلو أن رجلاً اعتكف في غير مسجد فإن اعتكافه لا يصح؛ وذلك لأن الاعتكاف لا يكون إلا في المساجد ولو قالت امرأة أريد أن أعتكف في مصلى البيت‏.‏ فلا يصح اعتكافها لمخالفة الشرع في المكان‏.‏ ومن الأمثلة لو أن رجلاً أراد أن يطون فوجد المطاف قد ضاق ووجد ما حوله قد ضاق فصار يطوف من وراء المسجد فلا يصح طوافه لأن مكان الطواف البيت قال الله تعالى لإبراهيم الخليل‏:‏ ‏{‏وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ‏}‏‏.‏