عرض مشاركة مفردة
  #19  
قديم 23-02-2001, 10:56 AM
أبو حمزة الخليلي أبو حمزة الخليلي غير متصل
Registered User
 
تاريخ التّسجيل: Dec 2000
المشاركات: 117
Post

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله و الصلاة و السلام على رسول الله
الى التميري،
أولا: كلام المستبصر يناقض الثابت في المذاهب الأربعة من أن الردة ثلاثة أقسام قولي و فعلي واعتقادي. فإن كلامه مؤداه جعل الكفر قسما واحدا وهو الاعتقادي مما يبطل باب الردة و أحكام المرتدين بالكلية.
قال النووي الشافعي في روضة الطالبين ما نصه: " الردة و هي قطع الإسلام، و يحصل ذلك تارة بالقول الذي هو كفر و تارة بالفعل، و تحصل الردة بالقول الذي هو كفر سواء صدر عن اعتقاد أو عناد أو استهزاء" كتاب الردة 10/64
قال الحطاب المالكي في مواهب الجليل شرح مختصر خليل ما نصه: "الردة كفر المسلم بصريح لفظ يقتضيه أو فعل يتضمنه". 6/279
و في منح الجليل شرح مختصر خليل للشيخ محمد عليش المالكي ما نصه: "و سواء كفر - أي المرتد – بقول صريح بالكفر كقوله: كفرت بالله أو برسول الله أو بالقرآن أو الإله اثنان أو ثلاثة أو العزير ابن الله أو بلفظ يقتضيه أي يستلزم اللفظ للكفر استلزاما بينا كجحد مشروعية شيء مجمع عليه معلوم من الدين بالضرورة، فإنه يستلزم تكذيب القرآن أو الرسول، و كاعتقاد جسمية الله أو تحيزه" 9/205
قال ابن عابدين الحنفي في رد المحتار على الدر المختار ما نصه: "قوله: و ركنها إجراء كلمة الكفر على اللسان، هذا على الظاهر الذي يحكم به الحاكم و إلا فقد تكون بدونه كما لو عرض له اعتقاد باطل أو نوى أن يكفر بعد حين" باب المرتد 3/283
و في شرح منتهى الإرادات للبهوتي الحنبلي ما نصه: "باب حكم المرتد و هو لغة الراجع، قال تعالى:"ولا ترتدوا على أدباركم فتنقلبوا خاسرين"، و شرعا من كفر و لو كان مميزا بنطق أو اعتقاد أو فعل أو شك طوعا و لو كان هازلا بعد إسلامه" باب حكم المرتد 3/386
ولا يشترط للوقوع في الكفر انشراح الصدر بالإجماع، فقد قال ملا علي القاري في شرحه على الفقه الأكبر للإمام أبي حنيفة ما نصه: "ففي حاوي الفتاوى: من كفر باللسان - أي طائعا غير مكره - و قلبه مطمئن بالإيمان فهو كافر و ليس بمؤمن عند الله.". الشرح ص/165
و في الفتاوى الهندية ما نصه:" وإذا قيل لرجل: ألا تخشى الله، فقال في حالة الغضب: لا، يصير كافرا. كذا في فتاوى قاضيخان" 2/261

ثانيا:ما ذكرته من ان عمر رضي الله عنه لم يكفّر من استحل الخمر و إنما قال "اجلدوهم ثمانين ثمانين ثم ان عادوا فاقتلوهم" لا ننكره فقد رواه ابن أبى شيبة. بل هذا مثال على ان المتأول باجتهاده في فهم الشرع لا يكفر فإن شاربي الخمر فسروا قوله تعالى :"فهل انتم منتهون" بأنه تخيير و ليس تحريما للخمر. لكن هذه ليست قاعدة عامة تشمل أي اجتهاد، فإن إطلاقها انحلال و مروق من الدين، ألا ترى أن كثيرا من المنتسبين إلى الإسلام و المشتغلين بالفلسفة مرقوا من الدين باعتقادهم القول بأزلية العالم اجتهادا منهم و مع ذلك اجمع المسلمون على تكفيرهم كما ذكر ذلك المحدث الفقيه بدر الدين الزركشي في شرح جمع الجوامع ، قال بعد أن ذكر الفريقين الفريق القائل بأزلية العالم بمادته و صورته و الفريق القائل بأزلية العالم بمادته أي بجنسه فقط:"اتفق المسلمون على تضليلهم و تكفيرهم"، و قد كان هذا مدار الرسالة التي أشرت إليها سابقا و بينت فيها أن الصحيح هو تكفير ملتزمي التجسيم كما بينه الحصني في كفاية الأخيار، فيا ليتك رجعت إليها و هذا عنوانها:
http://www.khayma.net/hewar/Forum2/HTML/001600.html

و بناء على المسئلة المذكورة آنفا أي مسئلة الاجتهاد في الفهم، فإن الصحابة كذلك لم يكفروا مانعي الزكاة في عهد أبي بكر إنما كفروا الآخرين الذين ارتدوا عن الإسلام لطاعتهم لمسيلمة الكذاب الذي ادعى الرسالة، إذ أن مانعي الزكاة تأولوا آية الوجوب بأن الزكاة وجبت في عهد الرسول لأن صلاته عليه السلام كانت عليهم سكنا لهم و طهرة و أن ذلك انقطع بموته، و قد قاتلهم الصحابة لأخذ الحق الواجب عليهم في أموالهم لا لكفرهم، و كذلك البغاة لا يقاتلون لكفرهم و لكن لردهم إلى طاعة الخليفة كالذين قاتلهم سيدنا علي في الجمل و صفين و النهروان، على ان من الخوارج صنفا هم كفار حقيقة فأولئك لهم حكمهم الخاص، و قد قطع الحافظ المجتهد ابن جرير الطبري بتكفيرهم –فتح الباري 12/301- و حمل ذلك على اختلاف أحوال الخوارج.
و الخلاصة أن ليس كل اجتهاد أو تأويل في فهم النص يدفع عن صاحبه الكفر كما بيناه في رسالتنا آنفة الذكر، و أن المجسمة لا شك في كفرهم فإنهم قد عبدوا غير الله.


الأخ الشاذلي،
العبرة بالأحكام الشرعية لا ما تركن إليه نفسك، فما معنى كلامك إذن: "ولكن عندما يصل الأمر لـلـتـكـفـيـر فبصراحه لا أجروء أن أرمي بها أحد من أهل القبله"؟ و قد قال الطحاوي: "ونرى الصلاة خلف كل بر و فاجر من أهل القبلة، و على من مات منهم، و لا ننزل أحدا منهم جنة و لا نارا، و لا نشهد عليهم بكفر و لا بشرك و لا بنفاق ما لم يظهر منهم شيء من ذلك، و نذر سرائرهم إلى الله تعالى". فاحفظ قوله "ما لم يظهر منهم شيء من ذلك"، ومن ذلك إن قال شخص إن نار الآخرة تفنى أو العالم قديم بجنسه أو أفراده فهؤلاء لا شك في كفرهم و إن أتوا بالصلاة صورة و إن كانوا متأولين في فهم النصوص، فإن تأولهم هذا لا يدفع عنهم الكفر لأنه وقع في أصل عظيم قامت عليه الأدلة القاطعة، و إن من الناس من يزعم أن الوحي أخطأ بنزوله على محمد و يأتون مع ذلك بصورة الصلاة، فالحذر الحذر من ترك تكفير هؤلاء إن ثبت عليهم بقول أو فعل.
اما ما نقلته من كلام النبهاني فلهذا أحببت أن أنبه طلاب العلم في هذه الخيمة في رسالتي المشار إليها سابقا إلى أن ملتزمي التجسيم يكفرون كما حكاه الحصني الشافعي موافقة لأصول المذهب و لا عبرة بمن خالف ذلك ممن ليس من أصحاب الوجوه، و ثمة مسائل كثيرة يضيع المرء إن أخذها من الكتب و هو لا يعرف مراتب العلماء.
أما قولك:" ثم أسألك سؤال يا أخي الكريم هل علي اثم لو لم اكفر احدا من أهل القبلة من باب الاحتياط ؟"، فمن قال لك إن الإحتياط هو ترك تكفيرمن نطق بالكفر، بل في ذلك الهلاك المبين لا سيما إن كان كفره صريحا كالقول بفناء النار أو قدم العالم، وهاك مثلا ما جاء في رد المحتار فيمن شك في كفر شاتم الرسول:"قال ابن سحنون المالكي: أجمع المسلمون على أن شاتمه –أي شاتم النبي- كافر و حكمه القتل و من شك في عذابه و كفره كفر" 3/290، إذن فقد كانت السلامة هنا في التكفير و ليس في تركه. و قد كفر نحو سبعة من المجتهدين الحجاج بن يوسف كما ذكر ذلك الحافظ المزي و الحافظ العسقلاني في كتابيهما تهذيب الكمال و تهذيب التهذيب في ترجمة الحجاج، و من جملة الذين كفروه سعيد بن جبير و الشعبي، و كذلك كفر القاضي المالكي تقي الدين محمدا الباجربقي لزندقته و إلحاده، و كان والده من العلماء الأجلاء كما في تاج العروس للزبيدي. وكذلك فعل الشافعي فإنه قال لحفص الفرد بعدما ناقشه في مسئلة الكلام:"لقد كفرت بالله العظيم" رواه البيهقي في مناقب الشافعي 1/407 ، و لا عبرة بمن حمل ذلك على كفر النعمة ممن ليس من أصحاب الوجوه، وللبلقيني تحقيق نفيس لهذه المسئلة في حواشيه على الروضة وهو مخطوط في المكتبة الأزهرية، و كل ذلك مأخوذ من حديث البخاري:"من بدل دينه فاقتلوه" فإنه دليل على جواز الحكم بالتكفير على الشخص بعينه، لأن المرتد لما يقتل يكون ذلك له تكفيرا له بالتعيين.
أما ابن تيمية، فقد أفتى علماء المذاهب الأربعة في عصره بكفره كما نقل تقي الدين الحصني الشافعي في دفع شبه من شبه و تمرد و نسب ذلك إلى الإمام احمد، و إليك نصه:" ثم إن الشاميين كتبوا فتيا أيضا في ابن تيمية لكونه أول من احدث هذه المسئلة –أي كلامه في منع شد الرحل إلى قبر النبي- التي لا تصدر إلا ممن في قلبه ضغينة لسيد الاولين و الآخرين، فكتب عليها الإمام العلامة برهان الدين الفزاري نحو أربعين سطرا بأشياء و آخر القول أنه أفتى بتكفيره و وافقه على ذلك الشيخ شهاب الدين بن جهبل الشافعي و كتب تحت خطه كذلك المالكي و كذلك كتب غيرهم ووقع الاتفاق على تضليله بذلك و تبديعه و زندقته " إلى أن قال"فجمع السلطان لها –أي للفتوى- القضاة فلما قرئت عليهم أخذها قاضي القضاة بدر الدين بن جماعة و كتب عليها: القائل بهذه المقالة ضال مبتدع، ووافقه على ذلك الحنفي و الحنبلي فصار كفره مجمعا عليه". ص/45 طبعة المكتبة الأزهرية. فكيف يدافع هذا بكلام النبهاني و غيره، و إن ثمة طامات منسوبة لابن تيمية من شك في كفر قائلها فهو كافر، و ظنُّنا بمن لم يكفره من متأخري المشايخ من أهل المذاهب كالنبهاني و غيره انهم لم يثبت لهم تلك الطامات عليه أو ثبت لهم توبته و رجوعه عنها، و لكنهم و لا ريب يكفرون من قال بها.
و أخيرا فأختم بفتوى الشيخ محمود محمد خطاب السبكي المتوفى سنة 1352هـ فيمن يعتقد أن الله له جهة و أنه جالس على العرش في مكان مخصوص و يقول ذلك هو عقيدة السلف ، فقال مجيبا بعد الحمد و الصلاة على النبي:"أما بعد فالحكم أن هذا الاعتقاد باطل و معتقده كافر بإجماع من يعتد به من علماء المسلمين ، و الدليل العقلي على ذلك قدم الله تعالى و مخالفته للحوادث، و النقلي قوله تعالى ليس كمثله شيء و هو السميع البصير، فكل من اعتقد انه تعالى حل في مكان أو اتصل به أو بشيء من الحوادث كالعرش أو الكرسي أو السماء أو الأرض أو غير ذلك فهو كافر قطعا و يبطل جميع عمله من صلاة و صيام و حج و غير ذلك و تبين منه زوجه ووجب عليه أن يتوب فورا و إذا مات على هذا الاعتقاد – والعياذ بالله تعالى- لا يغسل و لا يصلى عليه و لا يدفن في مقابر المسلمين، و مثله في ذلك من صدقه في اعتقاده أعاذنا الله تعالى من شرور أنفسنا و سيئات أعمالنا" ثم قال في آخر رده: " هذا و قد عرضت هذه الإجابة على جمع من أفاضل علماء الأزهر فأقروها و كتبوا عليها أسماءهم" ثم شرع في بيان أسمائهم. ذكره في اتحاف الكائنات ص/3.
فسبحان الله كيف غير و بدل اليوم كثير ممن تخرج من الأزهر إما لمال أو لشهرة، و قد كنت يوما أدرس العقيدة و بيدي متن السنوسية في أحد المجالس التي فاضت بما يسمى حزب التحرير و على رأسهم شيخ كبير تخرج من الأزهر و هو من مؤسسي الحزب و له صحبة لتقي الدين النبهاني مؤسس الحزب و كان هذا الرجل من أشد المعارضين لما أقول، فرفعت متن السنوسية و قلت له بالله أنشدك ألم تعرف هذا المتن من قبل، فقال بلى قد درسناه في الأزهر و لكن كذا وكذا و مضى في مخالفاته، فلله المشتكى.
و الله من وراء القصد.