عرض مشاركة مفردة
  #1  
قديم 31-05-2003, 03:31 AM
المناصر المناصر غير متصل
Registered User
 
تاريخ التّسجيل: Apr 2003
المشاركات: 396
إفتراضي د.الأهدل: الحدود والسلطان (15) تابع.. إقامة الحدود من دون السلطان..

الحدود والسلطان (15)

تابع المبحث الثاني: رأي من يقول بجواز إقامة الحدود من دون السلطان..

حوادث اسْتُدِلَّ بها على جواز إقامة الحدود بدون إذن الإمام

ومن تلك الحوادث ما يأتي:

أولا: ما ذكر ابن كثير رحمه الله بسند ابن أبي حاتم من طريق ابن لهيعة..

عن أبي الأسود، قال:
اختصم رجلان إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقضى بينهما فقال المقضي عليه: ردنا إلى عمر بن الخطاب، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( نعم انطلقا إليه )

فلما أتيا إليه.. فقال الرجل: يا ابن الخطاب قضى لي رسول الله صلى الله عليه وسلم على هذا، فقال: ردنا إلى عمر بن الخطاب، فردنا إليك، فقال: أكذاك؟ قال: نعم، فقال عمر: مكانكما، حتى أخرج إليكما فأقضي بينكما، فخرج إليهما مشتملاً على سيفه، فضرب الذي قال: ردنا إلى عمر فقتله وأدبر الآخر.. فأتى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله قتل والله عمر صاحبي، ولولا أني أعجزته لقتلني..

فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
( ما كنت أظن أن يجتريء عمر على قتل مؤمن )..

فأنزل الله: (( فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً )) [النساء:65]، فهدر دم ذلك الرجل، وبريء عمر من قتله.

قال ابن كثير رحمه الله بعد ذكره:
"وكذا رواه ابن مردوية من طريق ابن لهيعة عن أبي الأسود به، وهو أثر غريب مرسل، وابن لهيعة ضعيف، والله أعلم".. [تفسير القرآن العظيم (1/531)، وراجع تاريخ الخلفاء للسيوطي رحمه الله ص123].

والجواب عن هذا من وجوه:

الوجه الأول: أن الحديث ضعيف، لكونه مرسلاً، ولضعف أحد رواته وهو ابن لهيعة وهذا وحده كافٍ لإبطال الاحتجاج به.

الوجه الثاني: أن من عادة الرسول صلى الله عليه وسلم إذا حكم بالحق ولم يرض المحكوم عليه أن يغضب غضباً شديداً ويزجر من فعل، وهو يخالف ما تضمنه هذا الحديث الضعيف.

كما روى عروة، عن عبد الله بن الزبير رضي الله عنهما، أنه حدثه:
أن رجلاً من الأنصار خاصم الزبير عند النبي صلى الله عليه وسلم في شراح الحرة التي يسقون بها النخل، فقال الأنصاري: سرح الماء يمر، فأبى عليه، فاختصما عند النبي صلى الله عليه وسلم..

فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم للزبير:
( اسق يا زبير ثم أرسل الماء إلى جارك ) فغضب الأنصاري، فقال: أن كان ابن عمتك؟

فتلون وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم قال:
( اسق يا زبير ثم احبس الماء حتى يرجع إلى الجدر )

فقال الزبير: والله إني لأحسب هذه الآية نزلت في ذلك (( فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً )) [البخاري (3/76) ومسلم (4/1829ـ1830) والآية في سورة النساء: 65].

فهذه الآية التي يُدَّعى أنها نزلت في قصة عمر ألصق بقصة الزبير وخصمه، وقد اشتد غضب الرسول صلى الله عليه وسلم على الأنصاري كما هو واضح، فكيف لا يشتد غضبه من طلب المحكوم عليه منه أن يحيله إلى غيره من الصحابة ليحكم له؟

الوجه الثالث: قول المحكوم له: إن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان يريد قتله، مع أنه فيما يبدو لا ذنب له، لأن الذي طلب الرد إلى عمر هو خصمه وليس به، ولأنه – لو صح الحديث – أحيل هو وخصمه من قبل الرسول صلى الله عليه وسلم، وقد يقال: إنه ظن أن عمر أراد قتله لشدة رعبه وعلى كل فلا حجة في هذا الحديث لما ذكر.

وقد دلت سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم أن كبار الصحابة رضي الله عنهم كانوا يستأذنون رسول الله صلى الله عليه وسلم في قتل من رأوا أنه يستحق القتل، ومنهم عمر بن الخطاب نفسه..

كما في قصة حاطب عندما كتب إلى المشركين ببعض أمر النبي صلى الله عليه وسلم، وفيهما:
فقال عمر، رضي الله عنه: "يا رسول الله دعني أضرب عنق هذا المنافق، قال: ( إنه شهد بدراً.. ) [البخاري (4/18ـ19) ومسلم (4/1941ـ1942)].

وكذلك كان الصحابة بعد موت رسول الله صلى الله عليه وسلم يستأذنون الخلفاء في مثل ذلك..

كما استأذن أبو برزة أبا بكر رضي الله عنهما في قتل رجل تغيظ عليه أبو بكر فلم يأذن له. [راجع سنن أبي داود (4/530ـ531)].

ثانياً: ومن الحوادث التي يستدل بها على إقامة الحدود بدون إذن الإمام: قطع عائشة رضي الله عنها يد عبد سرق..

كما روت ذلك عمرة بنت عبد الرحمن رضي الله عنها، قالت:
خرجت عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم إلى مكة، ومعها مولاتان، ومعهما غلام لبنى عبد الله ابن أبي بكر الصديق، فبعث مع المولاتين بِبُرد مُرَجَّل، قد خيط عليه خرقة خضراء، قالت: فأخذ الغلام البرد ففتق عنه فاستخرجه وجعل مكانه لبداً أو فروة، وخاط عليه..

فلما قدمت المولاتان المدينة دفعتا ذلك إلى أهله، فلما فتقوا عنه وجدوا فيه اللبد ولم يجدوا البرد، فكلموا المرأتين، فكلمتا عائشة وكتبتا إليها واتهمتا العبد، فسُئِل عن ذلك فاعترف..

فأمرت عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم، فقطعت يده، وقالت عائشة: "القطع في ربع دينار فصاعداً". [الموطأ (2/832ـ833) قال المحشي على جامع الأصول (وإسناده صحيح).

وهذا الحديث يرد عليه ثلاثة احتمالات:

الاحتمال الأول: أن يكون سادة الغلام، وهم أبناء أخي عائشة، فوضوا الأمر إليها فأمرت بقطعه، وقد يكونون قصاراً، وهي الوصية عليهم فيكون حكمها حكم السيد.

الاحتمال الثاني: أن تكون رفعت أمره إلى السلطان، فاعترف لديه فقطعه بطلب منها، وقد أشار إلى هذا الاحتمال القاضي أبو الوليد سليمان بن خلف الباجى رحمه الله.. [في كتاب المنتقي، شرح الموطأ (7/162)].

الاحتمال الثالث: أن تكون عائشة رضي الله عنها تصرفت اجتهاداً منها ولكن ذلك بعيد إن لم يكن بإذن من سادة الغلام.
__________________
إرسال هذه الحلقات تم بتفويض من الدكتور عبد الله قادري الأهدل..
سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك..