عرض مشاركة مفردة
  #2  
قديم 31-05-2003, 03:34 AM
المناصر المناصر غير متصل
Registered User
 
تاريخ التّسجيل: Apr 2003
المشاركات: 396
إفتراضي مواصلة الحلقة..

ثالثاً: ومن الحوادث التي يستدل بها على إقامة الحدود بدون إذن الإمام: قطع ابن عمر يد عبده الآبق الذي سرق.

كما روى نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما، قال:
"إن عبداً لابن عمر سرق وهو آبق، فبعث به إلى سعيد بن العاص - وهو أمير المدينة - ليقطع يده، فقال سعيد: لا تقطع يد الآبق، فقال له ابن عمر: في أي كتاب وجدت هذا؟ فأمر به ابن عمر فقطعت يده".. [الموطأ (2/833) قال المحشي على جامع الأصول: وإسناده صحيح].

ويجاب عن الاستدلال بهذا الأثر بأن ابن عمر أقام الحد على مملوكه، وقد سبق أن بعض العلماء يرون أن للسيد أن يقيم على مملوكه الحدود كلها، جلداً كانت أو قطعاً، أو قتلاً، فلا حجة فيه على المطلوب هنا، وهو استيفاء الآحاد الحدود دون الإمام.

رابعاً: ومن الحوادث التي يستدل بها على إقامة الحدود بدون إذن الإمام، قتل حفصة رضي الله عنها جارية لها سحرتها.

كما روى ذلك ابن عمر رضي الله عنهما، قال:
"إن جارية لحفصة سحرتها واعترفت بذلك، فأمرت بها عبد الرحمن بن زيد فقتلها، فأنكر ذلك عليها عثمان رضي الله عنه، فقال ابن عمر: ما تنكر على أم المؤمنين من امرأة سحرت واعترفت؟ فسكت عثمان رضي الله عنه".. [مصنف عبد الرازق (10/180)].

وجواب هذا:

أن حفصة قتلت جاريتها، ويمكن أن تكون ممن يرى أن للسيد إقامة الحد على عبده، ولو كان الحد هو القتل، وحد الساحر القتل. [المغني لابن قدامة (9/8 ،30)]..

والظاهر من إنكار عثمان على حفصة، أنه لا يرى للسيد إقامة الحد على عبده إذا كان القتل، وابن عمر وحفصة أخته يريان ذلك، وسكوت عثمان سببه أن المسألة اجتهادية والمسائل الاجتهادية لا تنكر.. [أعلام الموقعين عن رب العالمين (3/288)] وبخاصة إذا كان الاجتهاد من الفقيه ابن عمر وأخته أم المؤمنين رضي الله عنهم.

خامساً: ومن الحوادث التي يستدل بها على إقامة الحدود بدون إذن الإمام، حديث ابن عباس رضي الله عنهما..

"أن أعمى كانت له أم ولد تشتم النبي صلى الله عليه وسلم وتقع فيه، فينهاها فلا تنتهي، ويزجرها فلا تـنـزجر، قال: فلما كانت ذات ليلة، جعلت تقع في النبي صلى الله عليه وسلم وتشتمه، فأخذ المغول، فوضعه في بطنها واتكأ عليها فقتلها، فوقع بين رجليها طفل، فلطخت ما هناك بالدم..

فلما أصبح ذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فجمع الناس فقال: ( أنشد الله رجلاً فعل ما فعل لي عليه حق إلا قام )..

فقام الأعمى يتخطى الناس وهو يتزلزل، حتى قعد بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم، فقال:
يا رسول الله أنا صاحبها، كانت تشتمك وتقع فيك فأنهاها فلا تنتهي، وأزجرها فلا تنـزجر، ولي منها ابنان مثل اللؤلؤتين وكانت بي رفيقة، فلما كان البارحة، جعلت تشتمك وتقع فيك، فأخذت المغول فوضعته في بطنها واتكأت عليه حتى قتلتها..

فقال النبي صلى الله عليه وسلم:
( ألا اشهدوا أن دمها هدر ) [أبو داود (4/528) والنسائي (7/99) والمغول بالكسر شبه سيف قصير].

قال شمس الحق عظيم آبادي:
"أم ولد" أي غير مسلمة، ولذلك كانت تجترئ ذلك الأمر الشنيع. وقال: ( إن دمها هدر ) لعله صلى الله عليه وسلم علم بالوحي صدق قوله، وفيه دليل على أن الذمي إذا لم يكف لسانه عن الله ورسوله فلا ذمة له فيحل قتله".. [عون المعبود شرح سنن أبي داود (12/15ـ16)].

ويجاب عن هذا:

إن استدل به مستدل على جواز إقامة غير السلطان الحد بدون إذنه – أنه من إقامة السيد الحد على عبده، وهو مأذون فيه شرعاً كما ذهب إلى ذلك كثير من العلماء وبخاصة الشافعية في الحدود عموماً، ولو كان قتلاً.

وبهذا يعلم أنه لا يوجد دليل على جواز استيفاء الآحاد شيئاً من الحدود، ولا القصاص دون إذن من الإمام ما دام موجوداً، إلا ما أذن فيه الشارع، وهو إقامة السيد الحد على مملوكه، حسب ما يراه أهل كل مذهب كما سبق.

ولو فرض أن وجدت بعض الحوادث خارجة عن هذه القاعدة، فهي حوادث فردية اجتهد فيها فاعلوها واخطأوا، وللإمام الحق في تأديب من فعل شيئاً من ذلك ما دام ليس بمأذون فيه شرعاً.

ومن هذا القبيل ما نقل عن جندب بن كعب بن عبد الله، رضي الله عنه من قتله الساحر الذي كان يلعب بين يدي الوليد بن عقبة، أمير عثمان رضي الله عنه بالعراق.

كما قال ابن كثير رحمه الله:
"وقد روى من طرق متعددة أن الوليد بن عقبة، كان عنده ساحر يلعب بين يديه، فكان يضرب رأس الرجل، ثم يصيح به فيرد إليه رأسه، فقال الناس: سبحان الله ! يحيي الموتى، ورآه رجل من صالحي المهاجرين..

فلما كان الغد جاء مشتملاً على سيفه وذهب يلعب لعبه ذلك، فاخترط الرجل سيفه فضرب عنق الساحر، وقال: إن كان صادقاً فليحي نفسه، وتلا قوله تعالى: (( أَفَتَأْتُونَ السِّحْرَ وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ )) [الأنبياء: 3].

فغضب الوليد إذ لم يستأذنه في ذلك فسجنه، ثم أطلقه.

ثم ذكر ما رواه الخلال بسنده، عن حارثة قال:
كان عند بعض الأمراء رجل يلعب فجاء جندب مشتملاً سيفه فقتله، قال: أراه كان ساحراً. [تفسير القرآن العظيم (1/144) السنن الكبرى للبيهقي (8/136) والمصنف لعبد الرازق (10/181)، والإصابة في تمييز الصحابة (1/511)].
__________________
إرسال هذه الحلقات تم بتفويض من الدكتور عبد الله قادري الأهدل..
سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك..