عرض مشاركة مفردة
  #29  
قديم 07-07-2006, 06:03 PM
Ali4 Ali4 غير متصل
عضو مميّز
 
تاريخ التّسجيل: May 2003
الإقامة: الوطن العربي - ومن القطر الفلسطيني تحديدا !
المشاركات: 2,299
إرسال رسالة عبر بريد الياهو إلى Ali4
إفتراضي

وقد دل سياق القصة على نبوته من وجوه:

أحدها: قوله تعالى: {فَوَجَدَا عَبْداً مِنْ عِبَادِنَا آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْماً}.

الثاني: قول موسى له: {قَالَ لَهُ مُوسَى هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِي مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْداً، قَالَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِي صَبْرً، وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَى مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْراً، قَالَ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ صَابِراً وَلا أَعْصِي لَكَ أَمْراً، قَالَ فَإِنْ اتَّبَعْتَنِي فَلا تَسْأَلْنِي عَنْ شَيْءٍ حَتَّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْراً}.

فلو كان ولياً وليس نبياً لم يخاطبه موسى بهذه المخاطبة، ولم يرد على موسى هذا الرد، بل موسى إنما سأل صحبته لينال ما عنده من العلم الذي اختصه الله به دونه؛ فلو كان غير نبي، لم يكن معصوماً، ولم تكن لموسى - وهو نبي عظيم ورسول كريم واجب العصمة - كبير رغبة ولا عظيم طلبة في علم ولي غير واجب العصمة، ولما عزم على الذهاب إليه والتفتيش عنه، ثم لما اجتمع به تواضع له وعظَّمه، واتبعه في صورة مستفيد منه فدل على أنه نبي مثله يوحى إليه كما يوحى إليه، وقد خص من العلوم اللدنية والأسرار النبوية بما لم يطلع الله عليه موسى الكليم، نبي بني إسرائيل الكريم. وقد احتج بهذا المسلك بعينه الرماني على نبوة الخضر عليه السلام.

الثالث: أن الخضر أقدم على قتل ذلك الغلام، وما ذلك إلا للوحي إليه من الملك العلام. وهذا دليل مستقل على نبوته، وبرهان ظاهر على عصمته، لأن الولي لا يجوز له الإقدام على قتل النفوس بمجرد ما يلقى في خلده، لأن خاطره ليس بواجب العصمة، إذ يجوز عليه الخطأ بالاتفاق. ولما أقدم الخضر على قتل ذلك الغلام الذي لم يبلغ الحلم، علماً منه بأنه إذا بلغ يكفر، ويحمل أبويه على الكفر لشدة محبتهما له فيتابعانه عليه، ففي قتله مصلحة عظيمة تربو على بقاء مهجته صيانة لأبويه عن الوقوع في الكفر وعقوبته، دل ذلك على نبوته، وأنه مؤيد من الله بعصمته.

وقد رأيت الشيخ أبا الفرج ابن الجوزي طرق هذا المسلك بعينه في الاحتجاج على نبوة الخضر وصححه وحكى الإحتجاج عليه الرماني أيضاً.



الرابع: أنه لما فسر الخضر تأويل الأفاعيل لموسى ووضح له عن حقيقة أمره وجلى، قال بعد ذلك كله: {رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي}. يعني ما فعلته من تلقاء نفسي بل أمر أمرت به وأوحي إليَّ فيه.

فدلت هذه الوجوه على نبوته. ولا ينافي ذلك حصول ولايته، بل ولا رسالته، كما قاله آخرون وأما كونه ملكاً من الملائكة فقول غريب جداً، وإذا ثبتت نبوته - كما ذكرناه، لم يبقى لمن قال بولايته وأن الولي قد يطلع على حقيقة الأمور دون أرباب الشرع الظاهر، مستند يستندون إليه، ولا معتمد يعتمدون عليه.‏

وأما الخلاف في وجوده إلى زماننا هذا، فالجمهور على أنه باق إلى اليوم، قيل لأنه دفن آدم بعد خروجهم من الطوفان فنالته دعوة أبيه آدم بطول الحياة، وقيل لأنه شرب من عين الحياة فحيي وذكروا أخباراً استشهدوا بها على بقاءه إلى الآن وسنوردها مع غيرها إن شاء الله تعالى وبه الثقة.‏


وهذه وصيته لموسى حين: {قَالَ هَذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ مَا لَمْ تَسْتَطِعْ عَلَيْهِ صَبْراً}. روى في ذلك أثار منقطعة كثيرة قال البيهقي: أنبأنا أبو سعيد بن أبي عمرو، حدثنا أبو عبد الله الصفار، حدثنا أبو بكر بن أبي الدنيا، حدثنا إسحاق بن إسماعيل، حدثنا جرير، حدثني أبو عبد الله الملطي قال: لما أراد موسى أن يفارق الخضر قال له موسى: أوصني، قال: كن نفاعاً ولا تكن ضراراً، كن بشاشاً ولا تكن غضبان، إرجع عن اللجاجة ولا تمش في غير حاجة. وفي رواية من طريق أخرى زيادة: ولا تضحك إلا من عجب.

وقال وهب بن منبه قال الخضر: يا موسى إن الناس معذبون في الدنيا على قدر همومهم بها!.

وقال بشر بن الحارث الحافي: قال موسى للخضر: أوصني، فقال: يسر الله عليك طاعته.

وقد ورد في ذلك حديث مرفوع رواه ابن عساكر من طريق زكريا بن يحيى الوقاد - إلا أنه من الكذابين الكبار - قال قرئ على عبد الله بن وهب وأنا أسمع، قال الثوري، قال مجالد، قال أبو الوداك قال أبو سعيد الخدري، قال عمر بن الخطاب، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "قال أخي موسى: يا رب وذكر كلمته - فأتاه الخضر وهو فتى طيب الريح حسن بياض الثياب مشمرها، فقال: السلام عليك ورحمة الله يا موسى بن عمران، إن ربك يقرأ عليك السلام. قال موسى: هو السلام وإليه السلام، والحمد لله رب العالمين، الذي لا أحصي نعمه، ولا أقدر على أداء شكره إلا بمعونته.

ثم قال موسى: أريد أن توصيني بوصية ينفعني الله بها بعدك، فقال الخضر: يا طالب العلم إن القائل أقل ملالة من المستمع، فلا تمل جلسائك إذا حدثتهم، واعلم أن قلبك وعاء فانظر ماذا تحشو به وعائك، واعزف عن الدنيا وانبذها وراءك؛ فإنها ليست لك بدار ولا لك فيها محل قرار، وإنما جعلت بلغة للعباد والتزود منها ليوم المعاد، ورض نفسك على الصبر تخلص من الإثم.

يا موسى.. تفرغ للعلم إن كنت تريده، فإنما العلم لمن تفرغ له، ولا تكن مكثاراً للعلم مهزارا فإن كثرة المنطق تشين العلماء وتبدي مساوئ السخفاء. ولكن عليك بالإقتصاد، فإن ذلك من التوفيق والسداد وأعرض عن الجهال وماطلهم، وأحلم عن السفهاء، فإن ذلك فعل الحكماء مزين العلماء. وإذا شتمك الجاهل فاسكت عنه حلماً، وجانبه حزماً، فإن ما بقي من جهله عليك بسبه إياك أكثر وأعظم.

يا ابن عمران ولا ترى أنك أوتيت من العلم إلا قليلاً، فإن الإندلاث والتعسف من الإقتحام والتكلف. يا بن عمران لا تفتحن باباً لا تدري ما غلقه، ولا تغلقن باباً لا تدري ما فتحه. يا بن عمران من لا تنتهي من الدنيا نهمته، ولا تنقضي منها رغبته ومن يحقر حاله، ويتهم الله فيما قضى له كيف يكون زاهداً؟ هل يكف عن الشهوات من غلب عليه هواه؟ أو ينفعه طلب العلم والجهل قد حواه؟ لأن سعيه إلى آخرته وهو مقبل على دنياه.

يا موسى تعلم ما تعلمت لتعمل به، ولا تعلمه لتحدث به، فيكون عليك بواره، ولغيرك نوره. يا موسى بن عمران أجعل الزهد والتقوى لباسك، والعلم والذكر كلامك، واستكثر من الحسنات فأنك مصيب السيئات، وزعزع بالخوف قلبك فإن ذلك يرضي ربك، وأعمل خيراً فإنك لابد عامل سوءاً، قد وعظت إن حفظت. قال: فتولى الخضر وبقي موسى محزوناً مكروباً يبكي.

لا يصح هذا الحديث، وأظنه من صنعة زكريا بن يحيى الوقاد المصري وقد كذبه غير واحد من الأئمة والعجب أن الحافظ بن عساكر سكت عنه.

يتبع...
__________________


إن حرية الكلمة هي المقدمة الأولى للديمقراطية - جمال عبد الناصر


* ما اخذ بالقوة لا بد ان يسترد بالقوة

*وما نيل المطالب بالتمني ... ولكن تؤخذ الدنيا غلابا
وما استعصى على قوم منال ... اذا الاقدام كان لهم ركابا

Ali_Anabossi@hotmail.com


اضغط هنا