عرض مشاركة مفردة
  #21  
قديم 28-08-2001, 12:50 PM
صالح عبد الرحمن صالح عبد الرحمن غير متصل
عضوية غير مفعلة
 
تاريخ التّسجيل: Jul 2001
المشاركات: 192
Post

التعقيب على ردك قبل الأخير بتاريخ 19\8\2001 :


في تعقيبي بتاريخ 15\8\2001 ورد ما نصه :

(ولتوضيح واقع عملية التفكير وواقع الفكر بمعنى نتيجة عملية التفكير أضع المثال التالي :
لو سألتني ما هذا الشيء - ولنفترض أن هذا الشيء هو كتاب – فإن جوابي يكون : هذا كتاب. هنا يوجد أمران اولهما العملية التفكيرية او العقلية أو الادراكية التي حصلت وثانيهما هي نتيجة عملية التفكير أي الفكر.أما الأمر الأول والذي هو العملية التفكيرية التي حصلت فهي الآتي : انتقل واقع الكتاب الى دماغي بواسطة حاسة البصر على سبيل المثال، وفي دماغي يوجد قدر معين من المعلومات التي تفسر ما هو هذا الشيء الذي سألتني عنه، وبفعل خاصية الربط التي في الدماغ ترتبط صورة الواقع المطبوعة في الدماغ بالمعلومات السابقة التي تفسر الواقع فيحصل من عملية الربط بين الوقع والمعلومات التي تفسره ادراك ما هو هذا الشيء، أي ادراك أنه كتاب، وهذا الادراك لواقع الكتاب هو الحكم الذي يصدره الدماغ على الواقع ، فهذا الحكم هو نتيجة العملية التفكيرية. وكنتيجة لادراك الانسان لواقع الأشياء فإنه يتصرف تجاهها بحسب ادراكه لها ، فليس اطلاق لفظة كتاب هو المقصود بالفكر وإنما المقصود ادراك واقع الكتاب أي معرفة كنه هذا الشيء أو ماهيته. لذلك قد تتعدد اللغة التي يعبر بها عن الكتاب لكن يظل الادراك واحدا ، فسواء استعملت لفظة " كتاب " أو استعملت لفظة " a book " فإني أكون قد قد عبرت عن نفس الواقع المدرك في ذهني. فالفكر بمعنى نتيجة عملية التفكير هو الحكم على الواقع )


وفي ردك على ما ورد في هذا النص جاء ما يلي :


1- قلت : ( ولو تأملنا قولك هذا لوجدنا أن معظم فقراته تعاني من خلل معين أو أنها تحتاج إلى بيان أوضح وأدق .. ) وقلت : (( فأما قولك ( انتقل واقع الكتاب إلى دماغي ) فإني أتصور أنك لو قلت بدلا من ذلك ( انتقلت صورة الكتاب إلى دماغي ) لكان ذلك أدق وأسلم إذ أن واقع الشيء لا ينتقل إلى الدماغ بل تنعكس صورة منه فقط )).

والجواب على ذلك هو :
يقال نقل الواقع لا نقل صورة الواقع لأن الذي ينقل هو الاحساس بالواقع لا صورة الواقع كالصورة الفوتوغرافية. فهي صورة للواقع وهي الواقع احساسا . ولذا كان القول بأنها نقل الواقع ، أدق من القول بأنها نقل صورة الواقع، لأن الصورة المنقولة هي احساس بالواقع لا صورة عنه فقط. ألفت النظر الى اننا نتحدث هنا عن الدقة في التعبير لا عن الصواب أو الخطأ. فلو قلت تنتقل ( صورة الواقع ) فلا يكون التعبير خطأ، بل أني في مثال الكتاب الوارد في النص أعلاه استعملت هذا التعبير ، فقد ورد ما نصه: ( وبفعل خاصية الربط التي في الدماغ ترتبط صورة الواقع المطبوعة في الدماغ بالمعلومات السابقة التي تفسر الواقع فيحصل من عملية الربط بين الوقع والمعلومات التي تفسره ادراك ما هو هذا الشيء)، وأيضا ورد النص التالي في الكتاب الذي أخذت منه التعريف : ( والذي يحصل هو أن الواقع المحسوس تنتقل صورة عنه الى الدماغ بواسطة الحواس، وتكون هذه الصورة بحسب الحاسة التي نقلت الواقع. فإن كانت البصر، نقلت صورة الجسم، وان كانت السمع نقلت صورة صوته، وان كانت الشم نقلت صورة رائحته، وهكذا . فيرتسم الواقع كما نقل في الدماغ، أي حسب الصورة التي نقلت ). فالذي ينتقل هو " صورة الواقع " و " الواقع احساسا " فلو قلت نقل الواقع بالحس أو قلت صورة الواقع أو قلت صورة الواقع احساسا فإن التعبير لا مشكلة فيه. على أي حال ليس المقصود نقل ذات الواقع، بل يستحيل ان ينتقل ذات الواقع الى الدماغ.

وأما تعبير ( الانعكاس ) فخطأ وذلك لأن " الدماغ عضو كسائر الأعضاء لا يحصل منه أي انعكاس ، ولا يحصل عليه أي انعكاس. لأن الانعكاس هو تسليط الضوء على الشيء وارتداده عنه ، وتسليط الشيء على جسم فيه قابلية الانعكاس وارتداده عنه مع وجود الضوء. وذلك كتسليط مصباح كهربائي على جسم ثم ارتداد الضوء عن هذا الجسم فيرى الجسم ويرى الضوء. أو تسليط الشمس او القمر أو أي ضوء من أي جهة . وكتسليط جسم على مرآة مع وجود الضوء ، يرتد الضوء، وترتد صورة الجسم عن المرآة ، فيرى كما هو. إذ ترتد صورة الجسم كأنها ارتسمت خلف المرآة فرؤيت، وهي في حقيقتها لم ترتسم، وانما انعكست كما ينعكس الضوء على أي جسم. فهذا هو الانعكاس . وفي عملية الفكر لا يحصل أي انعكاس ، فلا يحصل فيها ولا أي انعكاس من الواقع على الدماغ . فالانعكاس من حيث هو لم يحصل. وأما العين التي يتوهم أنه يحصل بواسطتها انعكاس ، فلا يحصل فيها، ولا منها انعكاس، وانما الذي يحصل هو انكسار، فالشيء المرئي لا ترتد صورته للخارج، وإنما يحصل بتسلطه على العين انكسار، إذ تنكسر صورة الشيء المرئي وتستقر في الداخل فيرى الشيء، ولا يمكن أن ترتد إلى الخلف ، ولا يمكن أن يحصل انعكاسا منها ولا بها مطلقا ".

2- قلت : (( واما قولك : ( وفي دماغي يوجد قدر معين من المعلومات التي تفسر ما هو هذا الشيء الذي سألتني عنه ) فيفهم منه أن المعلومات السابقة هي التي تفسر الواقع وهذا ما لا يمكن قبوله فليس لأي معلومة أي قدرة على فعل أي شيء بل ينحصر دورها في أنها تكون أحد المرتكزات التي يعتمد عليها العقل في فهم الواقع فعندما يكون لدينا معلومتان على الشكل الآتي : المعلومة الأولى وهي أن ( أ ) أكبر من ( ب ) والمعلومة الثانية هي أن ( ب ) أكبر من ( ج ) ثم نسأل أيهما أكبر ( أ ) أو ( ج ) فإن العقل باستخدامه هاتين المعلومتين كمعطيات أولية أو كمقدمات أو كمعلومات سابقة يستطيع أن يدرك أيهما أكبر وبذلك تتكون لدينا معلومة ثالثة وهي أن ( أ ) أكبر من ( ج ) .. وهنا نلاحظ أننا بالعقل استطعنا أن نصل إلى المعلومة الثالثة وأدركنا العلاقة بين ( أ ) و ( ب ) وذلك بالاعتماد على المعلومتين السابقتين لا أن المعلومتين السابقتين هما اللتان توصلتا للمعلومة الثالثة أي أن المعلومتين السابقتين هما من العناصر التي اعتمد عليها العقل للوصول للمعلومة الثالثة لا أنهما بنفسهما قد توصلتا إلى المعلومة الثالثة. لذلك فإن قولك في هذه الفقرة بأن المعلومات السابقة هي التي تفسر الواقع قول خاطئ )).

وقلت أيضا : (( وأما قولك : ( وبفعل خاصية الربط التي في الدماغ ترتبط صورة الواقع المطبوعة في الدماغ بالمعلومات السابقة التي تفسر الواقع ) فإنك قد كررت قولك بأن المعلومة هي التي تقوم بالتفسير ولا أدري هل للمعلومات أي عقل أو إحساس أو أي قدرة تمكنها من تقديم أي نوع من التفاسير ؟ )).

وأما التوضيح فهو الآتي:
المعلومات السابقة تستخدم في تفسير الواقع أي ان الواقع يفسر بواسطتها، فلا بد من وجود معلومات سابقة عن الواقع حتى نتمكن بواسطتها من ادراكه، ونص التعريف كما هو عند منتجه هو الآتي: ( نقل الواقع بواسطة الحواس إلى الدماغ مع معلومات سابقة يفسر بواسطتها هذا الواقع ) ، فالواقع يفسر بواسطة المعلومات السابقة بمعنى أن المعلومات المتعلقة بالواقع تستخدم في تفسيره، فلا بد من أن توجد معلومات سابقة عن الواقع في الدماغ ، فحين تقترن المعلومات السابقة بالواقع يدرك الانسان حقيقة الواقع، وبدون هذه المعلومات لا يمكن ادراك الواقع، هذا هو المقصود وليس المقصود أن المعلومات السابقة هي التي تقوم بتفسير الواقع أو أن المعلومات عقل يدرك ويفسر. فحتى يوجد الفكر وحتى يحصل التفكير لا بد من وجود معلومات سابقة ولو أولية عن الواقع الذي يراد التفكير فيه. أما بدون أية معلومات فلا يمكن التفكير، فلا يوجد الفكر.
هذا من جهة ، ومن جهة أخرى، صحيح ان الانسان يستطيع ان يتوصل من معلومة مع معلومة الى معلومة ثانية أو حتى من معلومة واحدة الى معلومة ثانية أو أكثر، لكن بشرط ان يكون واقع هذه المعلومات السابقة مدركا في ذهن الشخص، أي بشرط ان تكون المعلومة فكرا لا مجرد ألفاظ يكررها. فإذا كانت مجرد ألفاظ يكررها فإنه لا يستطيع ان يتوصل منها إلى أية معلومة اخرى أي لا يستطيع ان ينشأ منها فكرا. وهذا ما تم شرحه تفصيليا في مقدمة هذا التعقيب.


3- قلت : ( كما أننا من خلال هذه العبارة نفهم أنك تعتبر وجود معلومات سابقة شرطا لابد منه كي تتم عملية الفهم وهنا أتساءل ما هي المعلومات التي ينبغي أن تتوفر في الدماغ لكي ندرك أن النقيضان لا يجتمعان ؟ بل لو كان وجود المعلومات السابقة شرطا لما أمكننا معرفة أي شيء لأننا قد خرجنا من أمهاتنا وليس لدينا أي معلومة فكيف أمكننا أن ندرك تلك الأمور التي أدركناها في بداية طفولتنا ولم يكن لدينا أي معلومات سابقة ؟ كما أن اشتراط وجود معلومات سابقة كي نستطيع أن نفهم يعني أننا لا نستطيع أن ندرك أي شيء جديد لا يرتبط بالمعلومات التي في حوزتنا. والحال أننا قادرين على تعلم ونفهم أموراً كثيرة غير متعلقة بأي معلومة سابقة. فمثلا نستطيع أن نتعلم لغة جديدة حتى لو لم يكن لدينا أي معرفة سابقة بها ) .

نعم المعلومات السابقة شرط في التفكير، حتى لو كانت معلومات أولية تساعد في فهم الواقع او تفسيره، فمثلا لو سألت أحدهم : هل يجتمع النقيضان ؟ فلا يمكن له أن يدرك الجواب إذا لم تكن عنده معلومات سابقة عن النقيض ، أي عن الشيء ونقيضه، ومعلومات عن الاجتماع، وعن عدم الاجتماع ، وعن الامتناع. فهذه معلومات سابقة لا بد من توفرها حتى يدرك الجواب بأن النقيضين لا يجتمعان. وأما أننا خرجنا من بطون امهاتنا لا نعلم شيئا فهذا صحيح لكن ما ليس بصحيح هو قولك: ( كيف أمكننا أن ندرك تلك الأمور التي أدركناها في بداية طفولتنا ولم يكن لدينا أي معلومات سابقة) إذ أننا لو لم نحصل على المعلومات عن الأشياء التي حولنا لما تمكنا من التفكير فيها، وبالتالي لعجزنا عن ادراكها، والمثال الموجود في بداية هذا التعقيب يوضح ذلك اتم توضيح، فلو لم يحصل الطفل من ذويه على معلومات مقترنة بالأشياء التي يقع عليها حسه لما أمكن له أن يدرك حقيقة هذه الأشياء أي لما أمكن له أن ينشأ فكرا. وسيدنا آدم عليه السلام لم يكن له ليفكر أو يدرك ماهية الأشياء التي في الكون لولا أن الله سبحانه وتعالى أعطاه معلومات عن كل شيء، قال تعالى : { وعلم آدم الأسماء كلها }. فلا بد من توفر معلومات ولو أولية عن الواقع الذي يراد التفكير فيه، ومن ربط هذه المعلومات بالواقع بواسطة قوة الربط الموجودة في الدماغ يدرك الواقع أي ينتج الفكر، وهذا الفكر الجديد هو نفسه يصبح معلومة جديدة تستخدم في تفسير وقائع جديدة وهكذا .

وأما قولك : ( والحال أننا قادرين على تعلم ونفهم أموراً كثيرة غير متعلقة بأي معلومة سابقة. فمثلا نستطيع أن نتعلم لغة جديدة حتى لو لم يكن لدينا أي معرفة سابقة بها ) ، فإن عملية تعلم اللغة هي عملية أخذ المعلومات عن اللغة التي يراد تعلمها مقترنة بواقع اللغة، سواء اكان هذا بالنسبة لتعليم الطفل لغته الأم أم بالنسبة لمن يريد أن يتعلم لغات أخرى. فتعلم اللغة يبدأ بتعلم الأحرف وكيفية لفظها من خلال اطلاق الكلمات على الأشياء، فكلمة بابا أو ماما مثلا وهي الكلمات الأولى التي يبدا الطفل بتعلمها عن طريق أبويه، فمن خلال ترديده لهاتين الكلمتين يتعلم نطق الأحرف، ونطق الكلمة، ومعناها الذي تدل عليه. فالطفل يأخذ الكلمة مقترنة بالمعلومة عنها. وفي المدرسة تتم عملية تعليم اللغة بحسب أصولها وقواعدها. وهي عملية تتكون من اعطاء المعلومات مقرونة بواقعها. فيعطى معلومات عن الأحرف ، وعن كيفية لفظها وكيفية كتابتها، وكيف تكوين الكلمة منها، وعن الكلمة وأقسامها، وعن الجملة وأقسامها، وعن قواعد اللغة من نحو وصرف... إلخ، فهذه كلها معلومات تعطى للطالب مقترنة بالواقع، فمثلا حرف الألف، يعطى له لفظا وكتابة ومكان خروجه ، وهكذا . ونفس الشيء بالنسبة للشخص الذي يريد أن يتعلم لغة غير لغته ، فإنه يأخذ المعلومات عن اللغة الجديدة مقترنة بواقعها، إلى جانب أنه يستخدم معلوماته السابقة عن اللغة بوصفها لغة، كالمعلومات المتعلقة بالحروف والكلمات والهجاء وتركيب الجمل والقواعد.


4- قلت : ( وهنا لابد أن نفرق بين إدراكنا القانون أو القاعدة وبين تطبيقاتنا لتلك القاعدة فمثلا إدراكنا لاستحالة أن يطالبنا الله بالصوم والإفطار في يوم واحد يعتبر تطبيقا للقانون العقلي الذي يقرر استحالة اجتماع النقيضين فلو قلنا لأي إنسان عاقل عليك أن تصوم غدا نهارا وعليك أيضا أن تفطر غدا نهارا فإنه سيدرك أن ذلك مستحيل وسيظل مدركا لهذه الاستحالة حتى لو فشل في التعبير عنها .. كذلك لو قلنا لطفل يدرس في الصف الأول الابتدائي عليك أن تذهب غداً إلى المدرسة ولكن عليك أن لا تذهب غداً إلى المدرسة فإنه سوف يدرك أن الجمع بين الذهاب وعدم الذهاب في آن واحد مستحيل لأنه يدرك بعقله أن الجمع بين النقيضين مستحيل حتى لو لم تسعفه قدراته على التعبير بأن يوضح لماذا الذهاب وعدم الذهاب لا يجتمعان وحتى لو لم يسمع بكلمة ( النقيض ) أو بعبارة ( النقيضان لا يجتمعان ). إذن فالقوانين العقلية الأولية نستطيع إدراكها تلقائيا ودون الاستعانة بأي معلومات سابقة ).

والجواب على ذلك هو أن هذا الطفل يوجد عنده معلومات أولية وهي المعلومات التي يتمكن بواسطتها من ادراك معنى الذهاب الى المدرسة، ومعنى عدم الذهاب الى المدرسة، فالطفل يوجد عنده معلومات أولية عن المدرسة بأنها مكان غير بيته الذي يقيم فيه ، وعن الذهاب بأنه انتقال جسمه من مكان الى مكان ، وعن جسمه أو عن شخصه بأن جسمه واحد، فإذا انتقل الى المدرسة فإنه لا يكون في البيت بل يكون في المدرسة، وإذا لم ينتقل فإنه يبقى في بيته ولا يكون في المدرسة، فيدرك من ذلك كله أن القيام بتنفيذ الأمرين معا وفي وقت واحد مستحيل .

وأيضا ادراك أن الصوم والافطار في نفس الوقت مستحيل يحتاج الى معلومات سابقة، والمعلومات السابقة هي المعلومات التي نفسر بواسطتها معنى الأمر بالصوم، ومعنى الأمر بالافطار، فالصوم معناه أن نمتنع عن الأكل والشرب ، فإذا أكلت او شربت أكون قد ارتكبت اثما بمعصية الله تعالى، وأما الافطار فمعناه أن نأكل ونشرب ، فإذا أكلت أو شربت لا شيء في ذلك، فليس هو معصية فلا اثم يترتب على فعله، بل هو تنفيذ لأمر الله تعالى لأن المطلوب هو أن آكل وأن أشرب. فالأكل يتعارض مع الامتناع عن الأكل ، والاثم يتعارض مع عدم الاثم، فإذا نفذت الأمر بالصوم وجب الامتناع عن الطعام والشراب، وإذا نفذت الأمر الثاني وجب القيام بفعل الأكل أو الشرب، فإذا نفذت الأمر الأول أكون قد خالفت الأمر الثاني، وإذا نفذت الأمر الثاني أكون قد خالفت الأمر الأول، فو لم يوجد معلومات عن الصوم وعن الافطار لما أمكن ان ندرك أن تنفيذ الأمرين معا وفي نفس الوقت مستحيل، والله سبحانه وتعالى لا يكلفنا بالمستحيل ، قال تعالى : { لا يكلف الله نفسا إلا وسعها } وهذه الآية أيضا معلومة نستعملها في ادراك أن الله سبحانه وتعالى لا يطلب منا الصيام وفي نفس الوقت يطلب منا الافطار.


5- قلت : ( ولزيادة توضيح ذلك نتساءل ماذا لو أنك قد نسيت تلك الكلمة والتي هي ( كتاب ) ولم تستطع الإجابة على ذلك السؤال فهل ذلك يعني أنك لم تعرف هذا الشيء الذي أمامك ؟ بالتأكيد أننا نستطيع أن نحتمل أنك استطعت التعرف على هذا الذي أمامك ولكنك نسيت تلك الكلمة التي تدل عليه وتعبر بها عن معرفتك ؟ والعكس أيضا صحيح فقد تجيب على السؤال وتقول أنه كتاب ولكنك لا تفهم معنى الكتاب مطلقا. وهذا يحصل في كثير من الأحيان فهناك من الأجهزة الطبية مثلا لا نعرف عنها أي شيء سوى أننا نعرف أسماءها فقط فهل ذلك يعتبر فهما ؟
من ذلك يتضح أن التعرف على الأشياء لا يعتبر فهما لذلك نقول أن هذا المثال غير صالح لتوضيح عملية الفهم .. أما الفهم الذي هو إدراك معنى الشيء ( لا التعرف عليه فقط ) فإن مثالك لم يأت به مطلقا وخير مثال للتفريق بين الاسترجاع والفهم هو أن نقارن بين من يحفظ القرآن وبين من يفهمه وأرى أن الفرق هنا واضح ).


كل ما ورد في تعقيبك في هذا النص واستخدمته مادة لنقض مثال الكتاب تجده موضحا في نفس النص الذي طرحت " بضم التاء " فيه مثال التفكير في الكتاب، ففي مداخلتي تلك بتاريخ 15\8\2001 والمذكورة في بداية هذا التعقيب ورد ما نصه :

( فيحصل من عملية الربط بين الوقع والمعلومات التي تفسره ادراك ما هو هذا الشيء، أي ادراك أنه كتاب، وهذا الادراك لواقع الكتاب هو الحكم الذي يصدره الدماغ على الواقع ، فهذا الحكم هو نتيجة العملية التفكيرية. وكنتيجة لادراك الانسان لواقع الأشياء فإنه يتصرف تجاهها بحسب ادراكه لها ، فليس اطلاق لفظة كتاب هو المقصود بالفكر وإنما المقصود ادراك واقع الكتاب أي معرفة كنه هذا الشيء أو ماهيته. لذلك قد تتعدد اللغة التي يعبر بها عن الكتاب لكن يظل الادراك واحدا ، فسواء استعملت لفظة " كتاب " أو استعملت لفظة " a book " فإني أكون قد قد عبرت عن نفس الواقع المدرك في ذهني. فالفكر بمعنى نتيجة عملية التفكير هو الحكم على الواقع ).
فالفكر ليس هو اللغة أو اللفظة التي نعبر بواسطتها عن الشيء وإنما هو الادراك أي ادراك ماهية الشيء : ( فليس اطلاق لفظة كتاب هو المقصود بالفكر وإنما المقصود ادراك واقع الكتاب أي معرفة كنه هذا الشيء أو ماهيته ). وأن اللغة هي فقط وسيلة للتعبير عن هذا الادراك : ( لذلك قد تتعدد اللغة التي يعبر بها عن الكتاب لكن يظل الادراك واحدا ، فسواء استعملت لفظة " كتاب " أو استعملت لفظة " a book " فإني أكون قد قد عبرت عن نفس الواقع المدرك في ذهني ).
وفي النقطة الخامسة من نفس المداخلة فرقت " بضم التاء " بين اللغة والفكر وتوسعت في ذلك.

وأما التفريق بين الحفظ والفهم، فقد سبق بيانه في المقدمة ( طريقة التفكير )، وهو أن المعلومة إذا أخذت مقترنة بواقعها فإنه يحصل منها فكر أي ادراك، وأما إذا لم تقترن بالواقع فتبقى معلومات ولا يحصل منها إدراك للواقع ولا تصور لمدلوله، فلا يفهم الواقع. فأن تحفظ آيات القرآن قطعا غير فهمها وفهم مدلولاتها في الواقع. لأن الحفظ لا يتطلب إدراك الواقع الذي تدل عليه الآية وأما الفهم والادراك فيتطلب تمكين الدارس لآيات القرآن من وضع اصبعه على الواقع الذي تدل عليه الآية. فالذي يحفظ يردد ألفاظا وجملا بغض النظر عن واقعها الذي تدل عليه ، وأما الفاهم فيدرك واقع الآية ويتصور مدلولها.

هذا بالنسبة لما ورد في ردك قبل الأخير ، فيبقى أن أعقب إن شاء الله تعالى على ما ورد في ردك الأخير ولم أعقب عليه.
__________________
لا إله إلا الله محمد رسول الله