عرض مشاركة مفردة
  #14  
قديم 01-08-2006, 03:43 AM
حق وعدل حق وعدل غير متصل
Registered User
 
تاريخ التّسجيل: Jul 2006
المشاركات: 138
إفتراضي

طبعاً حاول «الجرو» طلال الدفاع عن والده «الكلب» عبد العزيز مصنفاً عمله على أنه «دهاء» سياسي، وحسن إدراك لموازين القوى، وأنه لم يقدم للإنجليز أي خدمة تكون في نفس الوقت خيانة لدينه وأمته ووطنه. نعم: من حقه أن يجادل، أما نحن فنشهد ونقطع، مراراً وتكراراً، أن الله جامع الناس ليوم لاريب فيه، ونترك المجادلة والمعاذير لذلك اليوم الذى تأتي كل نفس تجادل عن نفسها وتوفى كل نفس ما كسبت وهم لا يظلمون.

انتهت الحرب الأولى وشاركت فيها عصابة الخيانة والتآمر وهم: الشريف حسين، وأولاده، وعبد العزيز، وآل الصباح، مع بريطانيا في قتل الاتراك المسلمين، والقضاء على دولة الخلافة، وتمكين الكفار من رقاب المسلمين، وقد تم لهم ذلك كله.

وقد تولى كبر تلك الجريمة الشريف حسين، واقتصر دور عبد العزيز على المراقبة والتردد الحذر والحياد الفعال. كما اشتهر بشن الحملات اللفظية على الاتراك إلى الحد الذى استاء منه كثير من الناس، كاستياء أهل الكويت من تصريحاته تلك أثناء زيارته عام 1916م للكويت.

بعد نهاية الحرب، وهزيمة الدولة العثمانية، وأفول نجمها كلية، عادت الشجاعة إلى (أسد الجزيرة) فوالى حملاته على ابن رشيد حتى أحكم سيطرته على نجد.

أما غزو الحجاز الذى يطبل له آل سعود ويزمرون، ويصفونه بأنه عمل «توحيدي» عظيم، فلم يكن لاخلاص عبد العزيز وابداعه، ولكن بموافقة بريطانيا وبتشجيع منها، وذلك لأن الشريف حسين بدأ عشية الحرب الأولى يدرك فداحة غلطته في التحالف مع الانجليز، ومحاربته لتركيا، فبدأت مواقفه في التغير، وعلاقته مع أبناءه فيصل وعبد الله في التدهور، وكان لا يكف عن الشكوى من عمالتهما المطلقة للإنجليز.

وما أن هدمت الخلافة في عام 1924م حتى كان الشريف منازعاً وعدواً للإنجليز، فأوعز الإنجليز إلى عميلهم الخبيث حافظ وهبه مستشار الملك عبد العزيز آنذاك بتوجيه الضربة القاضية إليه، ولكن عبد العزيز ظل مترددا خائفاً حتى أعلنت بريطانيا رسميا وعلى رؤوس الاشهاد في الصحافة الإنجليزية وقوفها على الحياد بين النزاع بين عبد العزيز والشريف حسين.

فكان غزو الحجاز، فمذبحة الطائف، فحصار جدة الطويل الذى احسنت بريطانيا استغلاله لتسوية الحدود بين العراق والاردن، واقتطاع معان والعقبة من الحجاز، وألحاقها بالأردن. ثم كانت دعوة المؤتمر الإسلامي مخططا بريطانياً عبقرياً لنقل السلطة في الحجاز إلى عبد العزيز بموافقة العالم الإسلامي، فتظاهرت بعدم الرغبة، واوعزت لعملائها في الهند بارسال البرقيات التهديدية إليها لمنعها من وضع جدة تحت الحماية (كأن المسلمين في الهند لهم كبير أهمية أو وزن أو خطورة!؟) وإلى الملك فؤاد باعلان نفسه ملك على الحجاز إلى آخر تفاصيل تلك التمثيلية المؤسفة، وإن كانت محبوكة وحسنة الاخراج.

ثم كانت البيعة لعبد العزيز (وضعها عشرون من أهل جدة وثلاثون من أهل مكة) ملكاً للحجاز ولم ينس المبايعون طبعاً أن يضيفوا الأكليشية التقليدية (على كتاب الله وسنة رسوله)، حتى ولو كانت البيعة «ملكا وراثياً» على الحجاز مناقضة تمام المناقضة لكتاب الله وسنة رسوله.

والجدير بالذكر أن اجتياح الحجاز من قبل عبد العزيز لا يختلف في شئ عن اجتياح صدام للكويت، من حيث عدم انسجامه مع «القانون» الدولي، ولكن بريطانيا، سيدة الدنيا آنذاك، أذنت ورضت، في حين أن أمريكا، سيدة الدنيا هذه الأيام، لم تأذن وتدخلت. فما أسهل تحول «الحق» إلى «باطل»، وبالعكس، إذا وافق أهواء الدول الكبرى، وبالأخص الدولة الأولى في العالم!

على كل حال استقرت الأمور لبريطانيا ــ سيدة البحار ــ في بلاد المسلمين ولعبد العزيز بن عبد الرحمن نائباً عنها في جزيرة العرب، سيداً للبادية، وسيفاً يلوح به أمام محاولات ايطاليا للوصول الى نقطة الإرتكاز في الجزيرة العربية بواسطة أمام اليمن، ولكن عبد العزيز نجح في أفشال تلك المخططات وازال الدولة الادريسية من الوجود، وابتلع أراضيها كما فعل بالحجاز من قبل، في خطوة «توحيدية» عبقرية أخرى، كما يؤكد عملاء آل سعود.

في تلك الأثناء بدأ خطر «الإخوان» في إزدياد وظهر أن الصدام بينهم وعبد العزيز واقع لا محالة بالرغم من محاولات عبد العزيز للمراوغة وتجنب الصراع.

و«الإخوان» هو الاسم الذي اختاره أولئك الرجال الأشداء الذين نذروا أنفسه للجهاد في سبيل الله من المنتمين إلى قبائل نجد البدوية، وبالأخص إلى عتيبة ومطير، ثم قحطان وحرب وسبيع والدواسر، للتعبير عن اجتماعهم على الأخوة الإسلامية، وتبنيهم النداء الحربي: (أنا أخو من أطاع الله!)، بدلاً من النداءات القبلية في الحرب التي كان يتنادى بها آباؤهم.


أدركت بريطانيا خطر «الإخوان» فشكلت ادارة خاصة ضمن استخباراتها في العراق لرصد الاخوان وحركتهم، وكما أدركت أن تأخير الصدام فيه خطر شديد على مصالحها لأنه سينتهى حتماً بزيادة قوة الإخوان، وزيادة احتمال سقوط عبد العزيز ونشوء تهديد مباشر لكيانات الاردن والعراق، لذلك قررت بريطانيا القيام بسلسلة من الاعمال الاستفزازية للتعجيل بالصدام: فإن انتصر عبد العزيز فبها ونعمت، وإن كانت الأخرى فحصار الإخوان الذين لم تتح لهم الفرصة لتوسيع قاعدتهم الشعبية، واستكمال استعداداتهم للثورة، المنهكين بعد قتال عبد العزيز واسقاطه، أيسر وأسهل. فليست أعمال الاستفزاز البريطانية تستهدف اسقاط عبد العزيزــ كماتوهم محمد جلال كشك بسذاجة متناهية، أو زعمه، بمكر، عمداً لإضفاء الاستقلالية والأهمية على عبد العزيز ــ ولكنها تستهدف تسهيل القضاء على حركة الإخوان في أسرع فرصة وبأقل كلفة، وحماية مصالح بريطانيا. وما عبد العزيز ولا غير عبد العزيز الا أحجار على رقعة الشطرنج البريطانية وليس لرضائه على بريطانيا أو سخطه عليها أي قيمة في الصراع العالمي على مراكز النفود والمستعمرات!!

ووقع المقدور، وتم تدمير الإخوان، وضاعت فرصة أخرى لرفع رايات الجهاد، وقصم ظهر الكفر، وابعاد بريطانيا سيدة البحارــ العاجزة برياً ــ عن دار الإسلام.

وبالرغم من تآمر عبد العزيز مع الانجليز وعدم مبالاته بالإسلام، إلا إذا كان خادماً لهواه ومقصوده الاسمى وهو طلب الدنيا والملك لنفسه، الا أنه حتى القضاء على الإخوان لم يجسر على اظهار الكفر البواح، ولم يكن يظهر ميوله القومية العنصرية الخبيثة النتنة (التي اظهرها محمد جلال كشك ـ ذو الميول القومية ــ بجلاء، وكال لها الثناء!) لم يكن يظهر تلك الميول الا في أضيق الحدود، وعلى نحو خبيث ماكر، لا يظهر منه تعارضها مع الإسلام.

ولكن بعد القضاء على الإخوان، بدأ العد التنازلي نحو ازالة النظام الشرعي في البلاد، أى ازالة سيادة الإسلام، وادخال أنظمة الكفر البواح.

في/12جمادى الأولى / 1351هــ الموافق /10 9 / 1932م اجتمع لفيف من كبار شخصيات الحجاز بإيعاز من عبد العزيز ــ بطبيعة الحال ــ فرفعوا إلى «جلالته» مطالب «المواطنين» بإعلان الوحدة بين مملكة الحجاز وسلطنة نجد وملاحقاتها نهائيا وتغيير اسمها إلى المملكة العربية السعودية. واستجاب عبد العزيز ــ كعادته! ــ لمطالب الشعب، فاصدر مرسوماً باعتماد التسمية المقترحة وبتكليف مجلس الوكلاء بالشروع في وضع نظام أساسي للمملكة، ونظام لتوارث العرش ونظام لتشكيلات الحكومة.

ولكن أعضاء المجلس ــ العصاة!! ــ اكتفوا في أجتماعهم يوم السادس عشر من محرم 1352هـ الموافق11مايو1933 بمبايعة سعود بن عبد العزيز ولياً للعهد.

ولكنهم كانوا في غاية الطاعة في المسارعة بوضع نظام التابعية القائم على اساس العنصرية القبلية وتمزيق المسلمين إلى أمم متعددة، ودول متعددة، وهو نظام كفري يناقض، في اساسه وجملته وتفصيله، نظام التابعية في الدولة الاسلامية الذى اشرنا إليه في السابق، والذي فصلنا بعض أحكامه في الملحق. وبذلك يكون الكفر البواح قد ظهر، وخرج نظام الدولة عن كونه نظاما اسلاميا، ثم تتابعت نظم المحاكم التجارية والعمل والعمال والمصارف والمحاكم المصرفيه وقوانين الرشوة والتزوير والقضاء المتعلق بها... وغيرها مما لا يعد ولايحصى من النظم التي زادت نظام الكفر رسوخا ونظام الإسلام بعدًا عن التطبيق والواقع، حتى أصبح مجهولاً للغالبية العظمى من الناس، بعيدًا عن تصورهم مشابهًا لعالم الخيالات والأوهام.