عرض مشاركة مفردة
  #2  
قديم 03-07-2002, 01:56 PM
الكثيري الكثيري غير متصل
Registered User
 
تاريخ التّسجيل: Jun 2000
المشاركات: 193
إفتراضي

مولد النبى (صلى الله عليه وسلم):
وفــى يـوم الاثنين الموافق (12 من شهر ربيع الأول سنـة 570م) (عـام
الفـيــل) ولدت «آمـنـة» وليدهـا، يتـلألأ النور من وجهه الكريم، أكحـل
أدعج مختونًا، يرنو ببصره إلى الأفق، ويشير بسبـابته إلى السمـاء،
فـهرولت قــابــلتـه، وهــى «أم عبد الرحمن بن عوف» إلى جده «عبد
المـطــلب» تـزف إليـه البـشرى، وتـنقـل إليه ذلك الخبر السعيد، فكـاد
الرجل الوقور يطير من الفرحة،وفرح الهاشميون جميعًا، حتى إن عمه
«أبـالهب» أعتق الجـارية «ثويبة» التى أبلغته الخبر، وكانت أول من
أرضعت خير البشر.
سـمَّى «عـبدالمـطــلب» حـفيده «محمدًا»، وهو اسم لم يكن مـألوفًا أو
مـنتشرًا فـى بـلاد العرب، ولمـا سُئـل عن ذلك، قـال: رجوت أن يكون
محمودًا فى الأرض وفى السماء.
طفولته وصباه:
فـى اليوم السـابع لميلاد النبى (صلى الله عليه وسلم) أمر جده بجزور
فـنحـرت، وأقـام حفـلا دعـا إليه كبـار رجـالات «قريش» احتفـاءً بهذا
الوليد الكريم، وانتظرت «آمنة» المرضعات اللائى كن يأتين من البادية
إلى «مكـة»، ليـأخذن الأطفـال إلى ديـارهن لإرضـاعهم بأجر، وكانت
عــادة أشـراف «مـكــة» ألا تـرضـع الأم أطفـالهـا، مفضـلين أن تكون
المرضعـة من البـاديـة؛ لتـأخذ الطفـل معهـا، حيث يعيش فـى جو ملائم
لنموه، من سمـاء صـافية، وشمس مشرقة، وهواء نقى، وكانت هناك
قبائل مشهورة بهذا العمل مثل «بنى سعد».
وكــان محمد من نصيب واحدة منهن تُدعَى «حـليمـة السعديـة» لم تكن
تـدرى حـين أخـذتـه أنهـا أسعد المرضعـات جميعًا، فقد حـلَّت عـليهـا
الخيرات، وتوالت عـليهـا البركـات، بفضـل هذا الطفل الرضيع، فسمنت
أغنامها العجاف، وزادت ألبانها وبارك الله لها فى كل ما عندها.
مكث «محمد» عند «حـليمـة» عامين، وهو موضع عطفها ورعايتها، ثم
عــادت بـه إلى أمه، وألحت عـليهـا أن تدعه يعود معهـا، ليبقـى مدة
أخرى، فوافقت «آمنة» وعادت به «حليمة» إلى خيام أهلها.
حادث شق الصدر:
بقـى «محمد» عند «حـليمة السعدية» بعد عودتها ثلاثة أعوام أخرى،
حدثت له فـى آخرهـا حـادثـةُ شقِّ الصدر، ومـلخصها كما ترويها أوثق
مصـادر السيرة: أن «محمدًا» كـان يـلعب أو يرعى الغنم مع أترابه من
الأطفـال، خـلف مساكن «بنى سعد» فجاءه رجلان عليهما ثياب بيض،
فـأخذاه فـأضجعـاه عـلى الأرض، وشقا صدره وغسلاه، وأخرجا منه
شيئًا، ثم أعاداه كما كان.
ولمـا رأى الأطفـال مـا حدث، ذهب واحد منهم إلى «حـليمة» فأخبرها
بمـا رأى، فخرجت فزعـة هـى وزوجهـا «أبو كبشة» فوجدا «محمدًا»
ممتقعًا لونه، فسـألته «حليمة» عما حدث فأخبرها، فخشيت أن يكون
مـا حدث له مسٌ من الجن، وتخوفت عـاقبـة ذلك عـلى الطفل، فأعادته
إلى أمه، وقصت عليها ماحدث لطفلها.
موت آمنة بنت وهب:
لما بلغ «محمد» السادسة من عمره أخذته أمه فى رحلة إلى «يثرب»؛
ليـزور مـعهــا قـبر أبـيه، ويـرى أخوال جده «عبدالمطـلب» من «بنـى
النجار».
وفـى طريق العودة مرضت «آمنـة» واشتدَّ عليها المرض، وتُوفيت فى
مكـان يُسمـى «الأبواء» بين «مكـة» و«المدينـة». وهكذا شاءت إرادة
الله أن يفقد «محمد» أمه، وهو فى هذه السن الصغيرة، وهو أشد ما
يكون احتيـاجًا إليهـا، فتضاعف عليه اليتم، ولكن للهِ فى خلقهِ حِكم لا
يعـلمهـا إلا هو تعـالى، فإن كان «محمدٌ» قد حُرِمَ من أبويه. فإن الله
هو الذى سيتولى رعايته وتعليمه.
ضم «عبد المطـلب» حفيده «محمدًا» إلى كفـالته؛ لأن ابنه «عبدالله» لم
يـترك ثـروة كبيرة، وكـل مـا تركه كـان خمسـة من الإبـل، وبعضًا من
الأغنـام، و«أم أيمن» (بركـة) التـى أصبحت حـاضنـة «محمد» وراعيته
بعد فقد أمه، وقد عوضته كثيرًا عن حنان الأم.
لكن كفـالة «عبدالمطـلب» لمحمد لم تدم طويـلا، إذ استمرت عامين بعد
وفـاة «آمنـة»، كـان خـلالهمـا نعم الأب الحنون، فحزن «محمد» عـلى
فقده حزنًا شديدًا، وبكاه بكاءً مرا وهو يودعه إلى مثواه الأخير.
وبـعد وفــاة «عـبدالمـطــلب» انـتقــل «محمد» إلى كفـالة عمه «أبـى
طـالب»، ومع أنه لم يكن أكثر أعمـامه مـالا وأوسعهم ثراءً، بـل كان
أكـثرهـم أولادًا وأثـقــلهـم مــؤونــة؛ فـإنه كـان شديد العطف عـليه،
والرعاية له، فضمه إلى عياله، وكان يفضله عليهم فى كل شىء.
اشتغاله برعى الغنم:
لم يـرض «مـحمدٌ» أن يكون عـالة عـلى عمّه، وبخـاصـة أنه يرى ضيق
ذات يده، فـأراد أن يعمـل ليعول نفسه، ويكسب قوته، ويسـاعد عمه
إن أمكن ذلك، فـاشتغل برعى الأغنام، وهو عمل يناسب سنه، وهذه
كـانت حرفـة الأنبياء من قبله، لقول النبى (صلى الله عليه وسلم): «ما
من نبى إلا ورعى الغنم»، قيل: وأنت يا رسول الله ؟ قال: «وأنا».
رحلته الأولى إلى الشام:
وجـد «مـحمـد» فـى عمه «أبـى طـالب» عطفًا وحنـانًا عوَّضه عن فقد
جـدِّه، فـكـان يـؤثره عـلى أولاده، ولا يكـاد يردُّ له طـلبًا، فـلمـا رغب
«محمد» فـى أن يصحب عمه فى رحلة إلى «الشام»، أجابه إلى ذلك،
رغـم أنه كـان يخشـى عـليه من طول الطريق، ومشقـة السفر، وهو لم
يزل غلامًا صغيرًا لم يتجاوز الثانية عشرة من عمره.
انطـلق «محمد» مع عمه فى تلك الرحلة إلى «الشام»، وهناك حدثت له
قـصــة عـجيـبـة لفتت أنظـار القـافـلة كـلهـا، لكنهم لم يستطيعوا لهـا
تـفسـيرًا، وذلك أن راهـبًا نـصرانيـا، يدعـى «بحيرا» كـان يتعبَّد فـى
صومعته فـى بـاديـة «الشـام»، عـلى طريق القوافـل، ولم يكن يحفـل
بـأحدٍ يمرُّ عـليه، لكنه فى هذه المرة نزل من صومعته لما رأى القافلة
القـرشـيـة وذهب إليهم، ودعـاهم إلى طعـام، وطـلب منهم أن يحضروا
جميعًا ولا يتركوا أحدًا يتخلف.
ولمـا حضر «محمد» مع القوم سـأل الراهبُ «أبا طالب»: من يكون منك
هذا الغـلام ؟ فقـال: ابنـى، فقـال له: مـا ينبغـى لهذا الغلام أن يكون
أبوه حيـا، فقـال: ابن أخـى، قـال: صدقت. ثم رأى خاتم النبوة على
كتف النبى (صلى الله عليه وسلم)، وقال لأبى طالب: ارجع بابن أخيك
هذا فسوف يكون له شـأن عظيم، واحذر عـليه اليهود، فلو عرفوا منه
الذى أعرف ليمسنه منهم شر.
وقعت كـلمـات الراهب من «أبـى طـالب» موقعًا جميـلا، فشكر الراهب
على هذه النصيحة الغالية التى لا تصدر إلا عن رجلٍ صالح، وعاد بابن
أخيه إلى «مكة». ولسيرة بقية