عرض مشاركة مفردة
  #9  
قديم 10-09-2007, 04:20 AM
ابن حوران ابن حوران غير متصل
عضو مميّز
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2005
الإقامة: الاردن
المشاركات: 1,588
إفتراضي

محاولات أمريكية لتكييف الهزيمة


في حالة احتراق متجر أو مخزن أو انقلاب سيارة، يقوم من يملك المحروق من بيع حطام ما أمكن استخلاصه من جراء الخسارة الضخمة، عله يعوض بعض خسارته .. وهذا ما يحصل لمن لا يجد في سنابل حقله قمحا، فإنه سيقنع نفسه ببيع القش و التبن كتعويض لخسارته ..

رأينا كم كان برنامج وأهداف الاحتلال كبيرة وطموحة، ونرى يوميا كم يخرج على شاشات التلفزيون وصفحات الجرائد من كبار القادة العسكريين الغربيين سواء من البريطانيين أو الأمريكان أو غيرهم من يعلن بوضوح أنه لا يمكن تحقيق النصر للقوات الغازية ولا يمكن تحقيق أهداف الغزو .. وقد بادرت دول كثيرة بسحب قواتها مبكرا اقتناعا منها بعدم جدوى بقاءها، مثل إسبانيا وإيطاليا والدنمرك وأخيرا بريطانيا ..

حماقة و غباء سياسي وراء عدم نجاح مشروع الغزو

كان العرب وغيرهم من شعوب العالم ينظرون الى الإدارة الأمريكية على أن حساباتها دقيقة ولا يمكن أن تخطئ في تقدير أي مسألة .. وهذا الاعتقاد هو ما جعل الإدارة الأمريكية تتصرف بغباء من ثقتها المفرطة بتقبل العرب والعالم لما تقوم به، وتجعله من المسلمات. وكان يهمهم في البداية تصديق وتسليم العراقيين بمتانة المشروع الأمريكي ونزاهته .. لكن برزت مظاهر عجلت من فضح الإفلاس في شكل هذا المشروع وهشاشته .. ولو تجاوزنا فكرة معرفة الجميع بحقيقة أن دوافع الغزو لم تكن أسلحة الدمار الشامل ولا تعاون النظام الوطني في العراق قبل الاحتلال مع القاعدة وما تم سوقه من مبررات قبل الحرب، والتي تراجع عنها حتى الساسة الأمريكان أنفسهم، والذين اكتفوا بالقول سننسحب بعد اكتمال مهمتنا في العراق دون الإفصاح عن تلك المهمة .. لكن المظاهر التالية هي ما عرت المشروع الأمريكي الغازي :

أولا: تقسيم العراق طائفيا وعرقيا ..

كيف الاحتلال أهدافه التكتيكية، بأنه جاء لنصرة المظلومين من العراقيين الذين لم يأخذوا فرصتهم في الحكم. فردد ورددت معه وسائل الإعلام الغربية والعربية بحسن وسوء نية .. بأن العراق ينقسم الى (شيعة و سنة وأكراد) وهو تقسيم مضحك يصدقه كل (فطير) لا يعرف شيئا عن العراق أو لا يريد أن يعرف. وحالهم هذه كمن يسأل أحدهم هل تحب أن تستمع الى أم كلثوم أو عبد الوهاب أو تأكل لحم ضأن؟ فالشيعة والسنة هم عرب أهل العراق .. كان من باب عدم الغباء أن يقارن المحتل بين القوميات فيقول (عرب و أكراد وتركمان الخ) وإن كان يريد المقارنة الدينية فيقول (مسلمين ومسيحيين ويزيديين وصابئة الخ) أما أن يقوم بتقسيم العراق الى شيعة وسنة وأكراد فهي مسألة تحتاج وقفة!

لقد كانت جوقة العملاء من انتهازيين من الأكراد والذين شاغلوا العراق لعقود طويلة متعاونين مع كل أعداء العراق من صهاينة وفرس وأمريكان جاهزين للقيام بدور تأليب الشعب الكردي، الذي امتزجت ذاكرته التاريخية مع الذاكرة العراقية بكل ألوانها وارتبطت آمالهم وأحلامهم وأحزانهم مع مثيلاتها عند العرب. كما كانت جوقة العملاء الذين ينطقون بالعربية وهم بالأصل من الفرس الذين يمتلئون بالحقد التاريخي الطويل المنتعش بأسى انهزام إمبراطوريتهم الحالمة في الحرب العراقية الإيرانية.. كما انضم الى تلك الجوقة كل من فقد أمجاده الإقطاعية منذ عام 1958 ..

لم يجري الأمريكان تحسينا على (مسودة) قرارهم بغزو العراق، فأخذوا يكررون ويرددون أباطيل (شيعة سنة كرد) وعندما أحسوا بتفاهة خطابهم وعدم قدرته على الصمود والتغلغل في نفوس العراقيين لجئوا الى التعديلات التالية:

1ـ تسفيه دور المقاومة وحصرها بما أسموه المثلث السني، لإيهام الآخرين بأن من يقاوم المحتل هم من أسموهم (أيتام النظام السابق) في تلك المناطق، ليعززوا أن المقاومة أهدافها استرجاع امتيازات معينة لشريحة سنية في بقعة محدودة .. وعندما انفضحت أمورهم ـ رغم التعتيم الإعلامي ـ بأن خسائر البريطانيين في الجنوب قد فاقت نسبتها نسبة خسائر الأمريكان في مناطق العراق المختلفة .. أصبح عليهم التفكير بنمط جديد من الأكاذيب.

2ـ استثمار بعض المحتقنين طائفيا و الاستعانة بمنظمات إقليمية لتجنيدهم ودفعهم الى إشعال فتنة، مرة في ضرب الحسينيات للشيعة ومرة في المس بالأبنية الدينية، معتمدين على أن هناك جاهزية لدى الفرس في الرد السريع على تلك الأعمال لتستمر عمليات الذبح علها تعمق التأشير على الفواصل الطائفية!
ولم ينس المحتل ومن يتعاون معه بوضوح أو (بالنتيجة ) من التحرش بالمسيحيين و االيزيديين و غيرهم .. وهي خطة مفضوحة .. يُراد استثمارها في صفحة أخرى من تكييف المخطط .

3ـ تجيير كل أعمال المقاومة في العراق، الى تنظيم القاعدة، وهي لعبة واضح منها أن المبرر للغزو ما زال قائما، لأن عدونا (المفترض) الذي (هدم برجي التجارة!) لا زال يقاتلنا في العراق ..

ثانيا: تضخيم الدور الإيراني في العراق ..

نحن نعلم أن مبررات التدخل الإيراني في العراق ـ من وجهة نظر إيرانية ـ موجودة وتتمثل في إضعاف الجار الذي أذاقهم الويلات وعطل عليهم تنمية أحلامهم في الخليج (العربي وليس الفارسي) .. فكان كلصوص الزلازل .. يرى الناس ملتهين في التعامل مع الزلزال وهو يسرق و ينهب ويقتل كل من سبب له أذى!

لكن إفساح الأمريكان المجال للإيرانيين أن يعيثوا فيه فسادا، وراءه سبب آخر هو جعل العراقيين والدول العربية تبقي فكرة إطالة عمر تواجد الأمريكان مقبولة في العراق، بحجة (إذا خرج الأمريكان سنكون ضحية الفرس) ..

لقد اتضح فقر تلك الحجة، والتي تبين أن الإيرانيين يستحلونها كما أفصح عن ذلك رئيسهم في معرض الحديث عن ملئ الفراغ في العراق بعد خروج الأمريكان. ولكن الرموز التي يستعين بها رئيس إيران هي نفس الرموز التي يستعين بها الأمريكان (من عملاء ) وبمجرد خروج الأمريكان، سيكون مصيرهم كمصير الفيتناميين الجنوبيين عندما حملتهم البواخر من (سايغون) وكما كان مصير حكومات الجزائر المتعاونة مع الاحتلال الفرنسي .. فبمن يستعينون؟

ثالثا : محاولة التهرب من تبعيات الغزو

إن الإدارة الأمريكية وهي تفتش بشكل محموم عن مخارج لها بأقل الخسائر تريد أن تجعل لها بعض الغطاء القانوني الذي يحميها من ملاحقات تاريخية على ما ألحقته في العراق من تدمير على الصعيد الوطني وما ألحقته من أذى على الصعيد الفردي لأفراد قد تكون أعدادهم بالملايين .. فإنهم ببحثهم هذا وتصريحاتهم المتضاربة يريدون الوصول الى حكم وطني يتصالح معهم بدون دفع تلك التكاليف ..

الخيارات المطروحة

سيفر الأمريكان من ساحة العراق مهزومين ـ لا محالة ـ . لكن كيف وبأي سرعة ومتى ؟

إن كان هناك عراك بين عشرة أشخاص مع عشرة أشخاص آخرين، فاعترفت المجموعة الأولى أنها قد خسرت العراك، فإنها إن انسحبت بالتدريج في كل مرة ينسحب اثنان منها .. فإن العراك سيكون بين ثمانية (من المهزومين) ضد عشرة، فكيف إذا كانت عينة من الوقت ستجعل المتبقين أربعة أو اثنين ؟ وإذا قررت المجموعة المهزومة أن تخرج بعشرتها دفعة واحدة، فإن ظهرها سيصطلي بضربات الملاحقين لها ..

ما الحل (الأقل سوءا)؟ .. لقد فرغت القوات الأمريكية الساحة العراقية من الكثير من عرباتها المدرعة ونقلتها الى خارج العراق (هناك من يتحدث عن سحب 7 آلاف عربة) .. وأعدت في بعض الدول المجاورة للعراق، لنقل قواتها جويا وفي أقصى سرعة ..

ثم تقوم بضرب إيران جويا والتوكيل للصهاينة بضرب سوريا .. فتكون ضربات إيران القوية المركزة تدفع الإيرانيين لمحاولة الانتقام من القوات الأمريكية في العراق، فينكشف المشهد عن أن الخطر الإيراني سيصبح قد غطى إعلاميا على محور الأحداث في المنطقة، وسيوعز للأكراد بإعلان انفصالهم. ستكون تلك الأحداث بمثابة قنابل دخان غطت على فداحة الهزيمة الأمريكية، وستنشغل قيادات عراقية وعربية في الاستعانة بالأمريكان للتخلص من الورطة الإيرانية .. فتكون أمريكا بهذا العمل قد خرجت من الباب وفاتت من الشباك..

هذا ما يمكن قراءته من الطريقة التي تتعامل بها أمريكا مع حالتها المضطربة ليس في العراق فحسب بل في المنطقة كلها .. وعندها سيكون هناك تحرك دولي سره أن يكسر حدة التفرد الأمريكي ليبدأ عهد جديد في تعدد القطبية الدولية ..

انتهى
__________________
ابن حوران