عرض مشاركة مفردة
  #2  
قديم 02-08-2003, 12:24 AM
لورنس العرب لورنس العرب غير متصل
Registered User
 
تاريخ التّسجيل: May 2003
المشاركات: 39
إفتراضي

ومشكلته انه هرب امام نساء الخوارج وليس امام رجالهم وبذلك عيره عمران بن حطان في ابيات شهيرة تستعيدها الشعوب كلما بطش بها حكامها وجبنوا عن مواجهة العدو القوي كما حدث لاشهر جلاد عربي.ويروي الطبري ان شبيب الشيباني وزوجته غزالة وامه جهيزة وصلوا بوابة قصره بالكوفة ودقته غزالة برمحها وطلبت من الحجاج ان يخرج لمبارزتها فخاف منها وظل متحصنا في قصره، والتقط خيط الرواية الشعراء وصاغ عمران بن حطان من ذلك التحدي ثلاثة ابيات لا تضاهيها في الشهرة الا المعلقات الطوال، وسر ذيوعها انها لم تسجن في اوساط النخبة كبقية الشعر الجيد انما تلقفها العامة ونقلوها بالكثير من التشفي من جيل الى جيل:

أسد علي وفي الحروب نعامة فتخاء تجفل من صفير الصافر
هلا برزت الى غزالة في الوغى بل كان قلبك في جوانح طائر

صدت غزالة قلبه بفوارس تركت مناظره كأمس الدابروكل مستبد اسد على الضعفاء ارنب امام الاقوياء فالحجاج ليس نشازا لكنه في القمة من تلك الارومة التي تقتل عواطفها الانسانية في سبيل السلطة، والبعض يسمي ذلك اجراما في حين يراه آخرون حسن سياسة وان شئت ان تحكم على اسلوب الحجاج بتعريفاته وتوصيفاته للسياسة فقد تضعه الى جانب كبار المنظرين. فقد حفظ لنا ابو حيان في «البصائر والذخائر» نصا يشرح فيه ابن يوسف سياسته لولي نعمته فيقول: «ايقظت رأيي، وأنمت هواي وادنيت السيد المطاع في قومه ووليت الجلد الحازم في امره وقلدت الخراج المؤثر لامانته وجعلت لكل خصم من نفسي خصما يعطيه حظا من نظري ولطف عنايتي وصرفت السيف الى المسيء، فخاف المريب صولة العقاب وتمسك المحسن بحظه من الثواب».ويعزو الباحثون قدرة الحجاج على الصمود سنوات طويلة في الحكم الى جهاز استخبارات قوي وليس الى رؤية سياسية وحصافة وحنكة فالمستبد لا سياسة له غير القمع والذكي من هؤلاء يحتاط للأمر بالطريقة المعروفة القائمة على مراقبة تململ الناس قبل ان يثوروا ويتمردوا ومع قوة جهاز استخباراته قامت في عهده ثلاث ثورات كبرى والعشرات من حركات التمرد والفتن.* الغنم والراعيوكان الحجاج من المقتنعين كما يقول البلاذري في «انساب الاشراف» بالحكمة السياسية القائلة «الفتنة تلقح بالشكوى وتتم بالنجوى» وهذا ما جعله يكثر من العيون والجواسيس، فقد عرف كما زعموا البيت الذي اختفى فيه سعيد بن جبير في مكة بعد ان انضم الاخير الى الثورة ضده، ويحدث الطبري ان جواسيس الحجاج عرفوا مكان يزيد بن المهلب بعد ايام قليلة من فراره من العراق قاصدا بلاد الشام، وهذا يؤكد انه رغم الايحاء بوجود رؤية سياسية ظل يعتمد على الاجهزة كملاذ اخير واول للحكم والتحكم برقاب الناس.ويبدو ان اسلوب الجواسيس وعيون السلطة عبر الايام لم يتغير فهم يورطون الناس بالاسئلة ليعرفوا موقفهم من الحكم القائم ورأيهم بالولاة ولولا تلك الابيات التي حفظها ابن قتيبة الدينوري في «عيون الاخبار» لضحية ذكية من ضحاياهم لغابت عن بعضنا اساليب عصر الحجاج في التجسس على الرعية وتوريطها بالاسئلة «اياها» وتنسب الابيات لشاعر شبه مجهول اسمه حميد الارقط:اذا ما اتانا وارد المصر مرملاتأوب ناري اصفر العقل قافلفقلت لعبدي اعجلا بعشائهوخير عشاء الضيف ما هو عاجلفقال وقد القى المراسي للقرىابن لي ما الحجاج بالناس فاعل فقلت لعمري ما لهذا طرقتنافكل ودع الاخبار ما انت آكلوطبعا كان مخبر الحجاج يتوقع ان يبدأ بالشتم واللعن لكن الرجل الحصيف الذي تعود على تلك الاساليب لوقوعه على مفترق طرق لم يبلع الطعم، والمثير في الابيات وصفه للمخبر بانه اعجف يابس الجلد «اصفر العقل قافل» وهي صفات تتكرر في وصف المخبرين في كل العصور ربما لارتباطها بالعجائز اللواتي كن يشكلن عصب اي جهاز مخابرات في العصور القديمة.واذا كان الحجاج لم يعدل ولم يرحم فلأنه كان ينظر الى الرعية كقطيع غنم على سبيل الواقع لا التورية والمجاز فها هو ينص على تلك الصفة في آخر رسالة منه للوليد بن عبد الملك قبل وفاته في شهر يوليو ـ تموز من عام 714 ميلادية «.. اما بعد فاني كنت ارعى غنمك، احوطها حياطة الناصح الشفيق برعية مولاه، فجاء الأسد، فبطش بالراعي ومزق المرعى كل ممزق..».اما الشهادة بتفوق الاستبداد العربي ممثلا بالحجاج بن يوسف الثقفي على من سواه من رجالات الاستبداد الدولي فتأتي على لسان الخليفة الاموي العادل عمر بن عبد العزيز: «لو جاءت كل امة بفرعونها، وجئنا بالحجاج لغلبناهم، وما كان يصلح لدنيا ولا لآخرة».
__________________
وليس يصح في الأفهام شيء
إذا احتاج النهار إلى دليل