عرض مشاركة مفردة
  #1  
قديم 29-03-2001, 07:35 AM
ساير ساير غير متصل
Registered User
 
تاريخ التّسجيل: Mar 2001
المشاركات: 33
Post كنت قبوريــــــــــــــــــــــــــــا

"الخرافة" عجوز متصابية تتعلق بصاحبها..!

"التوحيد".. يهدم أولا ثم يني من جديد!

ليس سهلا أن يتراجع "القبوري"

"التوحيد" يحتاج إلى إرادة واعية..

ترددت كثيرا في كتابة هذه الاعترافات لأكثر من سبب .. ثم أقدمت على كتابتها لأكثر من سبب. وأسباب الإقدام والإحجام واحدة! فقد خشيت أن يقرأ العنوان يعض القراء ثم يقولون: مالنا ولتخريف أحد معظمي القبور؟! ولكن قد يكون بعض القراء في المنطقة النفسية التي كنت أعيش فيها قبل تصحيح عقيدتي.. فيقرؤن اعترافاتي فيفهمون، ويعبرون من ظلمة الخرافات إلى نور العقيدة، وفي ذلك وحده ما يقويني على الكشف عن ذاتي أمام الناس، وما دام ذلك سوف يكون سببا في هداية بعضهم إلى حقيقة التوحيد.

لقد كنت من كبار معظمي القبور، فلا أكاد أزور أي مدينة بها قبر أو ضريح لشيخ عظيم .. إلا وأهرع فورا للطواف به، سواء كنت أعرف كراماته أو لا أعرفها! أحيانا اخترع لهم كرامات، أو أتصورها أو أتخيلها! فإذا نجح ابني هذا العام، كان ذلك للمبلغ الكبير الذي دفعته في صندوق النذور! وإذا شفيت زوجتي، كان ذلك للسمنة التي كان عليها الخروف الذي ذبحته للشيخ العظيم فلان ولي الله!

وحينما التقيت بالدكتور جميل غازي وكان اللقاء لعمل مجلة إسلامية تقوم بالإعلام والنشر عن جمعية العزيز بالله القاهريةـ والتي تضم مساجد أخرىـ ورسالتها الأولى "التوحيد" وتصحيح العقيدة، وبحكم اللقاءات المتكررة كان لا بد من صلاة الجمعة في مسجد العزيز بالله. وهاجم الدكتور جميل في بساطة وبعقلانية شديدة هذا المنحنى المخيف في العقيدة وسماه شركا بالله، وذلك لأن العبد في غفلة من عقله يطلب المدد والعون من مخلوق ميت..!

أفزعني الهجوم.. وأفزعتني الحقيقة .. وما أفزع الحقيقة للغافلين! ولو أن الدكتور اكتفى بذلك لهان الأمر، لكنه في كل مرة يخطب لا بد أن يمس الموضوع بإصرار. فالضريح لا يضم سوى عبد ميت فقط.. بل قد يكون أحيانا خاليا حتى من العظام التي لا تنفع ولا تضر!

في أول الأمر اهتززت.. فقدت توازني ..! كنت أعود إلى بيتي بعد صلاة كل جمعة حزينا، شيئ ملا يجثم فوق صدري.. يقيد أحاسيسي ومشاعري.. أحاول في مشقة أن أخرج عن هذا الخاطر. هل كنت في ضلالة طوال هذه الأعوام؟! أم أن صديقي الدكتور قد بالغ في الأمر؟! فأنا أعتقد أن كل من نطق بالشهادة لا يمكن أن يكون كافرا لهفوة من الهفوات أو زلة من الزلات. شيئ آخر أشعل في فؤادي لهبا يأكل طمأنينتي في بطء. إن الدكتور يضعني في مواجهة صريحة ضد أصحاب الأضرحة الأولياء والخطباء على المنابر.. صباح مساء يعلنونها صريحة: ‘ن الذي يؤذي وليا فهو في حرب مع الله تعالى. وهناك حديث صحيح في هذا المعنى. وأنا لا أريد أن أدخل في حرب ضد أصحاب القبور والأضرحة لأنني أعوذ بالله من أن أدخل في حرب معه جل جلاله.

وقلت إن أسلم وسيلة للدفاع هي الهجوم! واستعدت قراءة بعض الصفحات من كتاب الغزالي (إحياء علوم الدين) وصفحات أخرى من كتاب (لطائف المنن) لابن عطاء الاسكندري، وحفظت عن ظهر قلب الكرامات وأسماء أصحابها ومناسبات وقوعها وذهبت الجمعة الثانية وكظمت غيظي وأنا استمع إلى الدكتور، فلما انتهى من الدرس أصر على أن يدعوني لتناول طعام الغداء، وبعد الغداء تسلمته هجوما بلا هوادة، معتمدا على عاملين. الأول هو أنني حفظت كمية لا بأس بها من الكرامات، والثانية أنني على ثقة من أنه لا يتهور فيداعبني بكفيه الغليظتين، لأنني في بيته! وتناولت طعامه فأمنت غضبه. وقلت له (والآتي هو المعنى وليس نص الحوار): إن الأولياء لا يدرك درجاتهم إلا من كان على درجتهم من الصفاء والشفافية، وإنهم رجال أخلصوا لله فجعل لهم دون الناس ما خصهم به من آيات، .. وأن .. وأن .. وأن… وانتظر الدكتور حتى انتهيت من هجومي، وأحسست أنه لن يجد ما يقوله، وإذا به يقول: هل تعتقد أن أي شيخ منهم كان أكرم على الله من رسوله؟ قلت مذهولا: لا! إذن كيف يمشي بعضهم على الماء؟! أو يطير في الهواء ؟ أو يقطف ثمار الجنة وهو على الأرض ورسول الله لم يفعل ذلك؟! كان يمكن أن يكون ذلك كافيا لإقناعي أو تراجعي، لكنه التعصب، قاتله الله! كبر علي أن أسلّم بهذه البساطة! كيف القي ثقافة إسلامية عمرها في حياتي أكثر من ثلاثين عاما؟! قد تكون مغلوطة؟ غير أني فهمتها على أنها الحقيقة ولا حقيقة سواها! وعدت أقرأ من جديد في الكتب التي تملأ مكتبتي. وأعود إلى الدكتور ويستمر الحوار بيننا إلى ساعة متأخرة من الليل، فقد كنت من كبار عشاق الصوفية. لماذا؟ لأني أحب أشعارهم وأحب موسيقاهم وألحانهم التي هي مزيج من التراث الشعبي وخليط من ألحان قديمة متنوعة، شرقية وفارسية ومملوكية وطبلة إفريقية أحيانا تدق وحدها! أو ناي مصري حزين ينفرد بالأنين مع بعض أشعارهم التي تتحدث عن لقاء الحبيب بمحبوبه وقت السحر. لهذا ولأسباب أخرى أحببت الصوفية. وكنت أعشقها وأحفظ عن ظهر قلب الكثير من شعر أقطابها، لا سيما ابن الفارض. وكل حجتي التي أبسطها في معارضة الدكتور أنه وأمثاله من الذين يدعو إلى التوحيد لا يريدون للدين روحا، وإنما يجردونه من الخيال، وأنهم لا بد أن يصلوا إلى ما وصل إليه أصحاب الكرامات، لكي يدركوا ما هي الكرامات. فلن يعرف الموج إلا من شاهد البحر، ولا يعرف العشق إلا من كابد الحب. وهذا أسلوب صوفي أيضا في الاستدلال. ولهم بيت شهير في هذا المعنى. وحتى لا يضطرب وجداني وتتمزق مشاعري حاولت أن أنقطع عن لقاء الدكتور، ولكنه لم يتركني.

فوجئت به


عبد المنعم الجداوي