عرض مشاركة مفردة
  #6  
قديم 15-01-2002, 11:25 PM
محمد ب محمد ب غير متصل
Registered User
 
تاريخ التّسجيل: Oct 2001
المشاركات: 1,169
إفتراضي

الأديب العزيز مخلص النوايا

شكراً على كلماتك اللطيفة عن شخصي المتواضع التي صدرت عن رقة شعور ونوايا مخلصة..
يبدو لي أن كثيراً من الخلاف بين أنصار اللفظ وأنصار المعنى عائد إلى عدم تحرير المسألة واختلاف المصطلح كخلاف أصحاب الشافعي من جهة وأصحاب أبي حنيفة ومالك من جهة أخرى حول الاستحسان فبينما يقول المطلبي رضي الله عنه:"من استحسن فقد شرع!" يقول عالم المدينة رضي الله عنه وعلى ساكنها السلام: "الاستحسان تسعة أعشار العلم!" والفرق بين القولين عظيم، لكنك لو حررت المسألة لأدركت أن الخلاف في المصطلح..وأن كلاً منهما يتكلم عن موضوع مختلف.
وقد رأيت في قراءاتي لعبد القاهر أنه هو نفسه لا يحافظ على معنى واحد يستعمله لكل من مصطلحي "اللفظ" و "المعنى".
وفي أمثلة مثل الآية التي استشهد بها الأستاذ قطب"اثاقلتم في الأرض" والآية التي كانت مثالك "رب أرجعون" ثمة جمال في القدرة الإيحائية للفظ فاللفظ هنا خدم المعنى بصورة كاملة ومعجزة في إيجازها في الوقت نفسه ولم يتعلق الأمر بجمال في الجرس وتميز للفظ على لفظ بل في استعمال للفظ لإكمال الإيحاء بالمعنى وهذا لا يخرج على كل حال عن النظرية النفعية في علم الجمال التي ترى أن جمال الشيء في نفعه وجمال اللفظ في كمال قدرته على توصيل المعنى!
على أن للفظ بذاته جوانب لا تنكر في الفصاحة كما رأيناهم يستنكرون الألفاظ العسيرة النطق الوحشية كما نجد في أبيات صفي الدين:إنما الحيزبون والدردبيس..
ونظرية النظم لا تخرج في رأيي عن النظرية النفعية المذكورة ولكن عبد القادر خرج عن هذه النزعة النفعية في البيان حين تطرق إلى المحسنات البديعية فثمة لهو في استعمال الألفاظ واضح في قوله:ناظراه في ما جنى ناظراه..
ولكن اللفظ والمعنى متصاحبان لا يفترقان ومن هنا كان رأيك بأنهما يسيران في خطين متوازيين رأياً وجيهاً بلا شك..
ولم أعرف بدقة ما قصد "أبو عثمان" في تعبيره الشهير"المعاني مطروحة على الطريق" ولعله قصد معاني من نوع" هو جواد كالبحر، شجاع كالأسد.."أي المعاني المتداولة فيما يسمى أغراض الشعر العربي على أن هذا لا يصح على إطلاقه حتى في شعرنا القديم إذ أن أبياتاً من نوع:
من يهن يسهل الهوان عليه..ما لجرح بميت إيلام
أو من نوع:
إذا ما تقاضى المرء يوم وليلة ..تقاضاه شيء لا يمل التقاضيا
هي أبيات جليلة القدر بمعناها بلا شك..ولا شك أن هذه المعاني غير "مطروحة في الطريق" ولا يتوصل إلى مثلها إلا عبقري ملهم!
وبالعودة إلى تمييز عبد القاهر بين"المعنى" و "معنى المعنى" فقد نجد مؤيدي اللفظ يقصدون به "المعنى" ويقصدون بالمعنى "معنى المعنى" وهو "الغرض".
ولو جئنا إلى الغرض بالذات لما جاز لنا برأيي أن نحرمه من كل حصة من الجمال كما بدا لنا أن أستاذ الكتابة العربية الجاحظ يرى..
انظر إلى الأدب الحديث: ألا ترى أن الفرق بين الفنية الهائلة لروايات دستويفسكي والفنية المعدومة لروايات أجاثا كريستي مرتبط بالقضايا الإنسانية الكبرى التي تطرحها وتحللها روايات الأول والقضايا التافهة ووجهة النظر السطحية لروايات الثانية؟
لماذا استبعدت الروايات البوليسية و"الروايات" المزعومة التي تكون عادة الأكثر مبيعاً مثل "الروايات" عن المشاهير في السينما والمجتمع من ساحة الفن الرفيع؟
لا شك أن الغرض يلعب دوراً في تحديد القيمة..
وبعد فهي خواطر أثارتها ملاحظاتك القيمة ومع الشكر لاهتمامك وبانتظار المزيد منك تقبل تحيات أخيك..
الرد مع إقتباس