عرض مشاركة مفردة
  #8  
قديم 12-05-2003, 06:19 AM
الصورة الرمزية لـ الوافـــــي
الوافـــــي الوافـــــي غير متصل
عضو جديد
 
تاريخ التّسجيل: Apr 2003
الإقامة: saudia
المشاركات: 24,409
إفتراضي

تكملة ( الخطبة الأولى )

عن ابن عباس رضي الله عنه قال : لما نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم ( إذا جاء نصر الله والفتح )- إلى آخرها - قال صلى الله عليه وسلم : " نُعِيتْ إلي نفسي " ، فأقبل إلى منزل عائشة والحمى عليه . قال بلال رضي الله عنه فلما أصبحتُ أتيت إلى حجرة النبي صلى الله عليه وسلم فناديت : السلام عليكم يا أهل بيت النبوة .. الصلاة . - جاء بلال يؤذِن النبي بالصلاة ليقم بلال الصلاة ليؤم النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال صلى الله عليه وسلم لفاطمة : " مُري بلالاً يقرئ أبا بكر السلام ويقول له يصلي بالناس " ، قال بلال : فرجعت باكيا وأنادي : وا سيداه ..وا نبياه وا سوء منقلباه ليت بلال لم تلده أمه . ثم أتيت المسجد فوجدت أبا بكر محتبسا بالناس ، فبلّغت أبا بكر السلام والرسالة قال بلال : فأقمت الصلاة فلما بلغت ( أشهد أن محمدا رسول الله ) غلبني البكاء ، فبكيت وبكى الناس فتقدم أبا بكر رضي الله عنه فأم الناس ، واستفتح الفاتحة ثم قرأ ، فلما نظر إلى موضع أقدام النبي صلى الله عليه وسلم خنقته العبرة فبكى وبكى الناس من خلفه ، فلما سمع النبي صلى الله عليه وسلم ضجة الناس بالبكاء قال لفاطمة : " ما هذه الضجة التي في المسجد ؟ " ، فالت فاطمة : إن المسلمين فقدوك وقت الصلاة . ثم وجد النبي صلى الله عليه وسلم خفةً في بدنه ، فتوضأ وخرج متوكئاً على الفضل بن عباس وأسامة بن زيد علي بن أبي طالب فلما رأى المسلمون نبيهم .. لما رأى المسلمون حبيبهم .. لما رأى المسلمون نوراً تدفق إلى المسجد في إقبال النبي صلى الله عليه وسلم وأحسوا بمجيئه جعلوا ينفرجون حتى وصل النبي ، فوقف بإزاء أبي بكر وصلى بالناس ، فلما فرغ رقى المنبر يخطب في الناس ، فحمد الله وأثنى عليه ثم أقبل للناس بوجهه الكريم كالمودع لهم فقال : " ألم أبلغكم الرسالة ، وأؤدي الأمانة والنصيحة ؟ " ، قالوا : بلى يا رسول الله قد بلّغت الرسالة ، وأديت الأمانة ونصحت الأمة وعبدت الله حتى أتاك اليقين ، فجزاك الله أفضل ماجزى نبي عن أمته . ثم نزل فودع أصحابه ، وعاد إلى عائشة .

وذكر القسطلاني ( في المواهب اللدنية ) قال : نعي إلى النبي صلى الله عليه وسلم نفسه قبل موته بشهر فلما دنا الفراق يقول الراوي : دخلنا على النبي صلى الله عليه وسلم - والراوي هو عبد الله بن مسعود - في بيت أمنا عائشة فنظر إلينا ودمعت عيناه ، فقال : " مرحبا بكم ، حيّاكم الله ، آواكم الله ونصركم الله ، أوصيكم بتقوى الله وأستخلفكم الله عليكم وأحذركم الله إني لكم منه نذير مبين ألا تعلوا على الله في عباده وبلاده فإنه قال لي ولكم ( تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علواً في الأرض ولا فساداً والعاقبة للمتقين ) . وكان عنده صلى الله عليه وسلم سبع دنانير فأمر عائشة رضي الله عنها أن تتصدق بها ، ثم قال بعد أن وضعها في كفه وهو ينظر إلى سبعة دنانير يقول : " وما ظن محمد بربه لو لقي الله محمداً ربه وهذه عنده " . ثم تصدق بها كلها .

وعن فاطمة رضي الله عنها قالت - لما صار يتغشاه الكرب -: وا كرب أبتاه . قال صلى الله عليه وسلم : "ليس على أبيك كرب بعد اليوم " .
وجاء عنه أنه صلى الله عليه وسلم قال : " لا إله إلا الله إن للموت لسكرات ، اللهم أعني على سكرات الموت ، اللهم أعني على كُرَب الموت " ، ولم يزل صلى الله عليه وسلم في مرضه هذا ، ثم هبط جبريل عليه السلام وجلس عند رأسه وقال إن الله يقرئك السلام ويقول : ( كيف تجد نفسك - وربك أعلم بالذي تجد منك - فقال صلى الله عليه وسلم : " أجدني يا جبريل مغموما ..أجدني يا جبريل مكروبا ثم أتاه جبريل عليه السلام في اليوم الثاني فقال له مثل ذلك ، فقال :" يا جبريل إن ملك الموت قد استأذن وأخبرني بالخبر، قال : ( يا محمد إن ربك مشتاق ، وأنت تعلم ما أراد منك ربك ) ". ثم إنه صلى الله عليه وسلم لما قُبضت روحه ... وصعدت روحه الشريفة إلى الملأ الأعلى ، والرفيق الأعلى إلى ربنا عز وجل ... لما صعدت روحه الشريفة دخل عليه الناس وكان قبل موته صلى الله عليه وسلم قد استأذنت فاطمة فأذن لها ، وقال : " ادني مني يا فاطمة " فانكبت عليه تبكي بكاءً طويلا وعيناها تذرفان وما تطيق الكلام ، ثم أدنت رأسها فانكبت على والدها صلى الله عليه وسلم فأكبت تقبله ثم عاد صلى الله عليه وسلم يناديها ، فرفعت رأسها وهي تبتسم ، قال الذين شهدوا : فرأينا عجبا ، أكبت فاطمة على أبيها تبكي ثم رفعت رأسها تبتسم . فكان آنذاك أن النبي صلى الله عليه وسلم أخبرها بدنو أجله وفراقه الدنيا فبكت ، ثم دعا النبي صلى الله عليه وسلم ربه أن يجعلها أول أهله لحوقا به وأن يجعلها معه في منزلته ودرجته صلى الله عليه وسلم فتبسمت ، فقال جبريل حينئذ : عليك السلام يا رسول الله هذا آخر ما أنزل به إلى الأرض فقد طوي الوحي ، وما كان لي حاجة بال دنيا إلا حضورك إنما كنت صاحبي في الدنيا .

وعن عائشة رضي الله عنها أنه قالت : أُغمي على رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجري ، فجعلتُ أمسح وأدعو له بالشفاء فلما أفاق قال : " أسأل الله الرفيق الأعلى مع جبريل والملائكة " .

وذكر الواقدي أن بعض الصحابة قالوا : يا نبي الله من الذي يلي غُسلك ؟ - من يغسلك؟ - قال : " رجل من أهل بيتي " ، قالوا : ففيما نكفنك ؟ قال : " ففي ثيابي هذه " ، قالوا : كيف الصلاة عليك منا ؟ وبكينا قال : " غفر الله لكم وجزاكم عن نبيكم خيرا ، إذا غسلتموني وكفنتموني فضعوني على سريري في بيتي هذا على شفير قبري ثم اخرجوا عني ساعة ، فإن أول من يصلي علي جبريل عليه السلام ، ثم ميكائيل ، ثم ملك الموت ومعه جنود من الملائكة بأجمعِهم ، ثم ادخلوا عليّ فوجا فصلوا علي وسلموا تسليما ويبدأ بالصلاة عليّ رجال من أهل بيتي ، ثم نسائهم ثم أنتم " ، ثم اشتد به الأمر صلى الله عليه وسلم ، حتى أن وجهه الشريف ليرشح بالعرق .

قالت عائشة رضي الله عنها : ما رأيتُ رشحا من أحد قط مثلما رأيت من النبي صلى الله عليه وسلم ، وما وجدتُ لذلك رائحة أطيب منه ، فكنت أقول : بأبي أنت وأمي ما تلقاه من الرشح ؟ فقال :" يا عائشة إن نفس المؤمن تخرج في الرشح وإن نفس الكافر تخرج كالحمار " ، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم بين يديه ركوة من ماء فجعل يدخل يديه ويقول : " لا إله إلا الله إن للموت لسكرات ، لا إله إلا الله إن للموت لسكرات " ، ثم لفظ صلى الله عليه وسلم يديه وهو يقول :" اللهم الرفيق الأعلى " حتى قضى نحبه .

وكان آخر ما قال صلى الله عليه وسلم : " لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد " - من عنايته بالتوحيد صلى الله عليه وسلم - وكان وهو يعالج سكرات الموت يحرض ويؤكد على التوحيد ، ثم قال : " اشتد غضب الله على قوم جعلوا قبور أنبيائهم مساجد " ، وكان من آخر ما قال صلى الله عليه وسلم : " الصلاة الصلاة .. الصلاة الصلاة ، وما ملكت أيمانكم " .
-هذه الصلاة يا عباد الله التي ضيعها كثير من المسلمين فلا يشهدونها ، ويؤخرونها عن وقتها هي من أواخر ما قال صلى الله عليه وسلم -.

وروى ثابت عن أنس رضي الله عنه أنه قال : لما ثقل النبي صلى الله علبه وسلم جعل يتغشاه الكرب فقالت فاطمة : وا كرب أبتاه ، فقال صلى الله عليه وسلم : " ليس على أبيك كرب بعد اليوم " ، فلما مات صلى الله عليه وسلم قالت : يا أبتاه إلى جبريل ننعاه ...، فلما دفن قالت : كيف طابت أنفسكم أن تحثوا التراب على نبيكم - صلى الله عليه وسلم -.

وقد تولى غسله صلى الله عليه وسلم أهل بيته ومنهم عمه العباس وعلي والفضل وأسامه بن زيد وصالح مولاه رضي الله عنهم وتولى على رضي الله عنه غسل وجهه بنفسه وأسنده إلى صدره وعليه قميصه وهو يقول : بأبي أنت وأمي ما أطيبك حيّا وما أطيبك ميتا . وأنزله عمه العباس في قبره وعلي وقثم بن العباس .
وكانت وفاته صلى الله عليه وسلم يوم الاثنين ، فلما مات صلى الله عليه وسلم أظلم ذلك اليوم في المدينة ، وعلت الأصوات ، وبكى الناس ، واضطرب المسلمون اضطرابا شديدا فكان منهم من دُهش ومنهم من خلّطَ في كلامه وخَلَط ، أما عمر رضي الله عنه فإنه قال : إن رسول لم يمت وإنما وعده ربه كما وعد موسى عليه السلام ، وهو آتيكم . وقيل قال عمر رضي الله عنه : أيها الناس كفوا ألسنتكم عن رسول الله - من هول الفاجعة .. من شدة المصيبة ،لم يصدق أن نبيه مات - فإنه لم يمت ، والله لا أسمع أحدا يذكر أن رسول الله قد مات إلا علّمته بسيفي .

ومنهم من أخرس فلم يطق الكلام ، وسكت عثمان بن عفان فلم يطق الكلام أبدا ، وجعل يأخذ بيده فيجيء ويذهب ، ومنهم من أقعده فلم يطق القيام كعلي بن أبي طالب رضي الله عنه إلا أبا بكر فقد ثبّته الله فأقبل مسرعا رضي الله عنه وكان في بني الحارث بن الخزرج فدخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم والنبي صلى الله عليه وسلم ميّتٌ مسجى فكشف عن وجهه الشريف واكبّ عليه وجعل يقبّل وجهه مرارا ويقول وهو يبكي : إنا لله و إنا إليه راجعون مات والله رسول الله ، مات والله رسول الله ثم قال : بأبي أنت وأمي ما كان الله ليذيقك الموت مرتين أما الموتة التي كتبت عليك فقد متها .
ثم دخل المسجد وعمر يتكلم والناس مجتمعون على عمر فتكلم أبو بكر وشهد أن لا إله إلا الله ثم حمد الله وأقبل الناس إلى أبي بكر وتركوا عمر رضي الله عنه ، قال أبو بكر من كان يعبد محمدا فإن محمدا قد مات ومن كان يعبد رب محمد فإن الله حيّ لا يموت ثم تلا قول الله ( وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل ..) فاستيقن الناس كلهم بموته وكأنهم لم يسمعوا هذه الآية إلا ذلك اليوم فتلقاه الناس منه فما سُمع أحد إلا يتلوها .

فيا عباد الله من عظمت عليه مصيبته فليتذكر مصيبة المسلمين في موت نبيهم وفراق إمامهم محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم ، إن الجمادات تصدعت من ألم فراق الحبيب فكيف بقلوب المؤمنين ، أليس الجذع الذي كان يخطب عليه صلى الله عليه وسلم قبل أن يُعَدَّلَه المنبر لما ترك النبي الخطابة عليه وانتقل إلى المنبر لما فقد الجذع قدم النبي صلى الله عليه وسلم صاح صياحا وحنّ حنينا - وهو جماد - حتى نزل النبي صلى الله عليه وسلم من منبره واعتنق الجذع فجعل يهدأ كالصبي الذي يُسكّن عنه بكاؤه وقال صلى الله عليه وسلم : " والذي نفسي بيده لو لم ألتزمه لحن إلى يوم القيامة "، فكيف بأعين لا تدمع وقلوب لا تتألم حينما تذكر فراق النبي صلى الله عليه وسلم .
عباد الله ..
أعدوا لما لقيه نبيكم ، ولو نجا منه أحد لجا منه خير البريّة محمد صلى الله عليه وسلم ( كل نفس ذائقة الموت وإنما توفون أجوركم يوم القيامة )
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم .
أقول ما تسمعون وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه من كل ذنب إنه هو الغفور الرحيم


يتبــــع ..
__________________


للتواصل .. ( alwafi_248@hotmail.com )

{ موضوعات أدرجها الوافـــــي }