عرض مشاركة مفردة
  #20  
قديم 29-08-2005, 02:24 PM
amatollah amatollah غير متصل
Registered User
 
تاريخ التّسجيل: Mar 2005
الإقامة: maroc
المشاركات: 126
إفتراضي السلام عليكم و رحمة الله و بركاته

بسم الله الرحمان الرحيم
الحمد لله حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه كما يحب ربنا ويرضى وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الحمد في الآخرة والأولى وأشهد أن محمداً عبده ورسوله المصطفى وخليله المجتبى صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن بهداهم اهتدى وسلم تسليماً كثيرا

ملخص الخطبة

1- من أصلح ما بينه وبين ربه أصلح الله له أخرته ودنياه. 2- من صدق مع الله صدق الله معه. 3- فضل الدعاء. 4- الآثار المترتبة على انعقاد الولاية. 5- شكر النعم.


الخطبة الأولى


أما بعد:

فاتقوا الله ـ أيها المسلمون ـ بامتثال ما أَمَرَ، والبعد عما نهى عنه وزجر؛ فإن تقوى الله صلاح الأعمال وحُسن المنقلب والمآل.

عباد الله، إن من أصلح ما بينه وبينه ربه أصلح الله له آخرته ودنياه، وأصلح له ما بينه وبين الناس. وإصلاح العبد ما بينه وبين الله؛ هو بتوحيد الله عز وجل، بأن يعبد الله تعالى وحده لا يشرك به شيئًا، بدعائه ورجاءه والتوكل عليه وخوفه ومحبته وتعظيمه، والاستعانة به وطاعته، والإيمان بأسمائه وصفاته والثناء على الله بها، وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وصيام رمضان وحج بيت الله الحرام، وبر الوالدين وصلة الأرحام، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، واجتناب المظالم وترك ما نهي الله عنه من المحرمات والموبقات، إلى غير ذلك مما أمر الله به أو نهى عنه، مع التمسك بالسنة والإخلاص لله في كل عمل، فمن أصلح ما بينه وبين خالقه بالتمسك بالإسلام، أصلح الله له أموره كلها، وأحسن له العاقبة في أخرته. قال الله تعالى: يَا بَنِي آدَمَ إِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِي فَمَنْ اتَّقَى وَأَصْلَحَ فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ [الأعراف:35]، أي: لا خوف عليهم في مستقبل أمرهم، ولا هم يحزنون على ما مضى من شأنهم. وقال تعالى: وَمَا نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلاَّ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ فَمَنْ آمَنَ وَأَصْلَحَ فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ [الأنعام:48]، وقال تعالى: إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمْ الْمَلائِكَةُ أَلاَّ تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ [فصلت:30]، وقال تعالى: وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَآمَنُوا بِمَا نُزِّلَ عَلَى مُحَمَّدٍ وَهُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ كَفَّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَأَصْلَحَ بَالَهُمْ [محمد:2].

وإصلاح الناس ما بينهم وبين ربهم بالعمل الصالح يصلح الله به الأمور، ويحفظ الله به الأمة من الشرور، قال الله تعالى: مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ وَكَانَ اللَّهُ شَاكِرًا عَلِيمًا [النساء:147]، أي: لا يعذبكم الله تعالى إن آمنتم وشكرتم. وقال تعالى: وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ [هود:117]، وقال تعالى: وَالَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِالْكِتَابِ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُصْلِحِينَ [الأعراف:170]، وفي الحديث عن النبي : ((لا تزال طائفة من أمتي على الحق ظاهرين لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم حتى يأتي أمر الله تبارك وتعالى))[1].

عباد الله، إن ربكم تبارك وتعالى أَجَلُّ وأَكَرم وأوفى من أن يتخلى عن عبده ويضيعه إذا صدق معه، وخاف من اتباع هوى النفس، وعمل بما يحب ربه من الطاعات فرائضها ونوافلها، وجانب المحرمات. فمن كان لربه على ما يحب الرب كان الله له على ما يحب، قال الله تعالى: وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ [البقرة:40]، وقال تعالى: وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنْ اللَّهِ [التوبة:111]، وقال تعالى: وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوْا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنْ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الأُمُورِ [الحج:40، 41].

وأحسن أحوال العبد أن يتولى اللهُ تعالى أموره كلها، ويحفظه في دينه ودنياه، ويسدده ويوفقه في أقواله وأفعاله وعاقبة أمره، ولا يُنال ما عند الله إلا بطاعته، وهل شقي بطاعة الله أحد، أو سَعِدَ بمعصية الله أحد؟!. عن أنس عن النبي ، عن جبريل عليه السلام عن ربه تعالى قال: ((من أهان لي وليًا فقد بارزني بالمحاربة، وما ترددت عن شيء أنا فاعله، ما ترددت في قبض نفس عبدي المؤمن؛ يكره الموت وأكره مسأته ولا بد له منه. وإن من عبادي المؤمنين من يريد بابًا من العبادة فأكفه عنه لا يدخله عجب فيفسده ذلك، وما تقرب إلي عبدي بمثل أدى ما افترضته عليه، ولا يزال عبدي يتنفل إلي حتى أحبه، ومن أحببته كنت له سمعًا وبصرًا ويدًا ومؤيدًا، دعاني فأجبته، وسألني فأعطيته، ونصح لي فنصحت له. وإن من عبادي من لا يصلح إيمانه إلا الغناء، ولو أفقرته لأفسده ذلك. وإن من عبادي من لا يصلح إيمانه إلا الفقر، وإن بسطت له أفسده ذلك. وإن من عبادي من لا يصلح إيمانه إلا الصحة، ولو أسقمته لأفسده ذلك. وإن من عبادي من لا يصلح إيمانه إلا السقم، ولو أصححته أفسده ذلك، إني أدبر عبادي بعلمي بما في قلوبهم، إني عليم خبير)) رواه الطبراني[2]. ولهذا الحديث شاهد في صحيح البخاري من حديث أبي هريرة رضي الله عنه في بعض ألفاظه[3]. وعن عائشة رضي الله عنها قالت: سمعت رسول الله يقول: ((من الْتَمَسَ رضا الله بسخط الناس كفاه مُؤْنَةَ الناس، ومن الْتَمَسَ رضا الناس بسخط الله وَكَلَهُ الله إلى الناس)) رواه الترمذي[4].

عباد الله، إن من أعظم العبادات وأجمعها للخير الدعاء؛ فالدعاء ينزل الله به الخيرات، ويدفع به البلاء والشرور والمكروهات، قال الله تعالى: وَقَالَ رَبُّكُمْ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ [غافر:60]، وفي الحديث: ((ما من مسلم يدعوا الله تعالى إلا أتاه الله مسألته، أو ادخرها له في الآخرة، أو صرف عنه من السوء مثل دعوته))، قالوا: يا رسول الله، إذًا نكثر؟! قال: ((الله أكثر!))[5]. والدعاء مضطر إليه كل أحد، قال عمر بن الخطاب : (إني لا أحمل هَمَّ الإجابة ولكن أحمل هَمَّ الدعاء، فإذا أُلهمت الدعاء كانت الإجابة ووقعت)[6]. فالدعاء يصلح الله به الأمور ويدفع الله به الشرور.

بسم الله الرحمن الرحيم: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيدًا يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا [الأحزاب:70، 71].

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، ونفعنا بهدي سيد المرسلين وبقوله القويم. أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.



--------------------------------------------------------------------------------


[1] أخرجه البخاري في المناقب (3641)، ومسلم في الإمارة (1037) من حديث معاوية رضي الله عنه بنحوه، وورد عن غيره من الصحابة.

[2] عزاه الهيثمي للطبراني في الأوسط (10/270)، وقال: "وفيه عمر بن سعيد أبو حفص الدمشقي وهو ضعيف". وذكره الألباني في الضعيفة (1775).

[3] صحيح البخاري، كتاب الرقاق (6502).

[4] سنن الترمذي كتاب الزهد (2414)، وأخرجه أيضا القضاعي في مسند الشهاب (499)، والبغوي في شرح السنة (4214). وأورده الألباني في الصحيحة برقم (2311).

[5] أخرجه أحمد (3/18)، والبزار (3144الزوائد)، والبخاري في الأدب المفرد(710) من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه. قال الحاكم (1/493): "هذا حديث صحيح الإسناد، إلا أن الشيخين لم يخرجاه عن علي بن علي الرفاعي". وقال المنذري في الترغيب والترهيب: " رواه أحمد والبزار وأبو يعلى بأسانيد جيدة". وقال الهيثمي في المجمع (10/224): "رواه أحمد وأبو يعلى بنحوه والبزار والطبراني في الأوسط، ورجال أحمد وأبي يعلى وأحد إسنادي البزار رجاله رجال الصحيح، غير علي بن علي الرفاعي وهو ثقة". وأورده الألباني في صحيح الترغيب (1633). وللحديث شاهد من حديث أبي هريرة وعبادة بن الصامت رضي الله عنهما.

[6] ينظر: مجموع الفتاوى (8/193)، واقتضاء الصراط المستقيم (1/359)، والفوائد، لابن القيم (ص97).




الخطبة الثانية


الحمد لله العليم القدير، غافر الذنب وقابل التوب، شديد العقاب ذي الطول لا إله إلا هو إليه المصير. أحمد ربي وأشكره على فضله الكثير، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له العلي الكبير، وأشهد أن نبينا وسيدنا محمدًا عبده ورسوله، البشير النذير والسراج المنير. اللهم صل وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

أما بعد:

فاتقوا الله حق التقوى، وراقبوه في السر والنجوى.

عباد الله، لقد مَنَّ الله عليكم فأصلح لكم برحمته وحكمته، وجمع كلمتكم على إمامكم وولي أمركم، فَعَمِلْتُم بما أمر الله تعالى به من الاجتماع والإتلاف، وحَذِرتم مما نهى عنه من الفرقة والاختلاف، حيث قال تعالى: وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا [آل عمران:103].

ألا وإن انعقاد الولاية قوة في الدين، وانتظام لمصالح الدنيا، وحفظ للجماعة والحوزة، تقام بها الحدود، ويقمع بها المفسدون المجرمون، ويرغم العدو ويستتب الأمن، فاشكروا الله على الأحوال السارة، والأرزاق الدارة، فما حفظت النعم إلا بطاعة الله تعالى والاحتراز عن المحرمات، ولن يؤتى العبد إلا من قبل نفسه، ولا يضره إلا عمله ومخالفة ربه، قال الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ فَإِنْ زَلَلْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْكُمْ الْبَيِّنَاتُ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ أَنْ يَأْتِيَهُمْ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنْ الْغَمَامِ وَالْمَلائِكَةُ وَقُضِيَ الأَمْرُ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الأُمُورُ سَلْ بَنِي إِسْرَائِيلَ كَمْ آتَيْنَاهُمْ مِنْ آيَةٍ بَيِّنَةٍ وَمَنْ يُبَدِّلْ نِعْمَةَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ [البقرة:208-211]، وعن تميم الداري قال: قال رسول الله : ((الدين النصيحة، الدين النصيحة، الدين النصيحة))، قلنا: لمن يا رسول الله؟ قال: ((لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم)) رواه مسلم[1].

عباد الله، إن الله أمركم بأمر بدأ فيه بنفسه، فقال تبارك وتعالى: إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا [الأحزاب:56]، وقد قال : ((من صلى علي صلاة واحدة صلى الله عليه بها عشرًا))[2]. فصلوا وسلموا على سيد الأولين والآخرين وإمام المرسلين. اللهم صل على محمد وعلى آل محمد...



--------------------------------------------------------------------------------

[1] صحيح مسلم كتاب الإيمان (55).

[2] أخرجه مسلم في الصلاة (408)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه