عرض مشاركة مفردة
  #2  
قديم 29-04-2006, 09:29 AM
أبو إيهاب أبو إيهاب غير متصل
مشرف
 
تاريخ التّسجيل: Mar 2004
المشاركات: 1,234
إفتراضي

هذا في الجانب الفكري التصوُّري، أمَّا في الجانب الفقهي التشريعي، وهو المتعلِّق بما يجب على المسلم تجاه أخيه المسلم في مسائل الاختلاف، فإنَّ أهمَّ ما يجب أن يُراعى هو:
1- أنَّ الاجتهاد في طلب الحقِّ فرض عينٍ على كلِّ مسلمٍ حسب الاستطاعة وفي نطاق الأهليَّة الاجتهاديَّة بمعناها الواسع.

2- أنَّ المجتهد ملزمٌ بما أدَّاه إليه اجتهاده وإن كان مخالفًا لكثيرين غيره، فإن كان مجتهدًا مطلقًا فلا يجوز له التقليد بأيِّ حالٍ من الأحوال، وإلزامه بمقتضى اجتهاده أشدُّ من غيره، وإن كان مرجِّحًا فهو ملزمٌ بترجيحه، وإن كان مقلِّدًا فهو ملزمٌ بفتوى من يُقلِّد.
قال الشاطبي رحمه الله في الموافقات: "فأمَّا المجتهد الناظر لنفسه، فما أدَّاه إليه اجتهاده فهو الحكم في حقه"، وقال ابن حزم رحمه الله في الإحكام في أصول الأحكام: "فإذا قام البرهان عند المرء على صحَّة قولٍ ما –قيامًا- فحقُّه التديُّن به، والفتيا به، والعمل به، والدعاء إليه، والقطع أنَّه الحق عند الله عز وجل"، ولا يستثنى من ذلك إلا الحالات التي يرى الحاكم المسلم فيها حمل الأمة على أحد الآراء في مسألةٍ من المسائل لمصلحةٍ عامَّة، فعندئذ يسقط عنه الإلزام خاصةً إذا كان الأمر متعلقًا بعبادةٍ جماعيَّةٍ أو معاملةٍ عامَّة.

3- لا يجوز الإنكار ولا التشنيع على المخالف فيما يجوز الاختلاف فيه مهما كان واضحًا للآخرين خطأ المخالف، ذلك أنَّ الخطأ في الاجتهاد لا يستدعي المفارقة ولا التفسيق ولا التكفير مهما كان ذلك الخطأ، لعموم النصوص الواردة في ذلك، ومنها قول الله عز وجل: (وليس عليكم جناحٌ فيما أخطأتم به ولكن ما تعمَّدت قلوبكم)، وقول الرسول عليه أفضل الصلاة والسلام: (رُفِع عن أمَّتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه)، قال ابن حزم: (فمن حكم بقول ولم يعرف أنه خطأ، وهو عند الله تعالى خطأ، فقد أخطأ ولم يتعمَّد الحكم بما يدري أنه خطأ، فهذا لا جناح عليه في ذلك عند الله تعالى؛ وهذه الآية عمومٌ دخل فيه المفتون والحكام والعاملون والمعتقدون، فارتفع الجناح عن هؤلاء بنصِّ القرآن فيما قالوه أو عملوا به، مما هم مخطئون فيه، وصحَّ أنَّ الجناح إنَّما هو على من تعمَّد بقلبه الفتيا أو التدين أو الحكم أو العمل بما يدري أنَّه ليس حقًا، أو بما لم يَقُدْهُ إليه دليلٌ أصلاً.

4- أنَّ الحكم على المسلمين هو على ظواهرهم فقط، أمَّا النيَّات فعلمها عند الله عزَّ وجلَّ وهو الوحيد المطَّلع عليها، وليس من واجب المسلم ولا من حقِّه أن يسعى لاستكشافها.

أخيرًا؛ إنَّ من فقه الاختلاف معرفة الآداب الإسلاميَّة الواجبة في الحوار والجدل، وليس من المبالغة القول أنَّ جزءًا كبيرًا من اختلاف المسلمين وفرقتهم إنَّما نشأ بسبب عدم أو قلة التزامهم بأدب الحوار والجدل، وإنَّ مستقبل المسلمين -في نظري- مرهونٌ إلى درجةٍ كبيرةٍ بمدى قدرتهم على إدارة خلافاتهم بالأسلوب الذي يرتضيه ويقرِّره الإسلام وعلى الأسس الشرعيَّة المعتبرة.