عرض مشاركة مفردة
  #26  
قديم 05-06-2007, 12:39 AM
جهراوي جهراوي غير متصل
عضو فعّال
 
تاريخ التّسجيل: May 2006
المشاركات: 309
إفتراضي

من السجان ومن المسجون؟
كان الجنود يقضون نهارهم وليلهم في اللهو ومعاقرة الخمر والنساء والرقص والملذات التي يظنون أنها ستخفف عنهم ما يقاسون من ضغط نفسي، فقد كانوا في حكم المنفيين مثلنا تماما أو أكثر. فلقد ترك الجنود بيوتهم وديارهم وأسرهم إلى هذا المكان النائي، وواجهوا ظرفا لم يكونوا يتوقعونه من قسوة الحياة وصعوبة التعامل معنا، لذا فقد كانوا يعدون الأيام والليالي للعودة إلى بيوتهم لأن الوقت يمر عليهم ببطء شديد. كان الجنود يمارسون أساليب الضغط المختلفة علينا كجزء من برنامج الترفيه النفسي، ففي الوقت الذي كانوا يشعرون بكل هذا العذاب، كانوا يشاهدون المعتقلين وهم في أحسن حال يصلّون ويقرؤون القرآن ويضحكون وينشدون ويقيمون البرامج الترفيهية ويحتفلون بالمناسبات الإسلامية كالأعياد. وعندما يبدأ الأخوة في التمرد والصراخ والضرب على الشبك كان الجنود يفرون كالمجانين أو كالفريسة التي تفر من الوحش الكاسر، فألقى الله الرعب في قلوبهم من أناس مأسورين في الزنازين ولا حول لهم ولا قوة لهم.
أدى كل هذا إلى رد فعل عكسي على الجنود، وأصبحنا كأننا نحن السجانين وهم المساجين، رغم ما كان يقدم لهم من تسهيلات وتسلية للتخفيف عنهم مما يمرون به، ولكن السر الذي لم يكونوا يستوعبونه ولا يستطيعون فهمه هو أننا في معيّة الله وهم في معيّة الشيطان. تحول الوضع مع الزمن إلى تجلد وقوة وهمة عالية للمعتقلين، وأمراض نفسية واكتئاب وتعب شديد للجنود، وبدؤوا ينهارون ويبكون ويأتون إلى بعض الأخوة عند الزنازين يشتكون من إدارة السجن، وكانوا يقولون بأنهم يتمنون الموت من سوء الوضع النفسي الذي يمرون به وأنهم نادمين لموافقتهم على العمل في هذا المعسكر. كان الجنود يدّعون بأن إدارة السجن تفرض عليهم التعامل معنا بهذا الأسلوب، وكان بعضهم يحاول أن يتجنب التصادم مع المعتقلين واستفزازهم. وكان رئيس النوبة عندما يأتي لاستلام نوبة العمل، يأتي إلى المعتقلين يرجوهم أن يكونوا هادئين خلال فترة نوبته في مقابل أن يقدم لهم كل عون ومساعدة لأي طلب يريدونه من زيادة كمية الطعام وإطفاء الأنوار أثناء النوم، وإعادة الأغراض الشخصية للمعتقلين الذين عوقبوا بمصادرتها كالفرش وغيره. وقد أدى هذا الموقف إلى رفع معنويات الأخوة المعتقلين لأن السحر قد انقلب على الساحر وأن الله قد أذل أعداءه وثبّت أولياءه. وبدلاً من أن يتعب الأخوة وينهاروا فإن الجنود هم الذين تعبوا وانهاروا فعلاً. وكنا نذكّر بعضنا بعضاً بأن هذا كله من فضل الله وحده وليس بسبب قوتنا وتحملنا، ولا شك بأن التزام الإخوة بأداء الصلوات المكتوبات والسنن وقيام الليل وصيام النوافل والالتزام بالأذكار في أوقات الصباح والمساء والمداومة على قراءة القرآن وحفظه، كان له أكبر الأثر في تثبيتنا على مبادئنا الإسلامية.

مدير السجن الجديد يهودي
في أكتوبر 2002م تم تغيير مدير السجن إلى الجنرال اليهودي هود ميللر الذي جاء بكل غطرسة وتجبر وكانت لديه أجندة خاصة لإجبارنا على الانصياع إلى أوامره، ولكن المعتقلين قابلوا هذا الجنرال بمزيد من العناد والتصلب وعدم التنازل أو الرضوخ إلى مطالبه. وعادت الأساليب الرخيصة من الاستهزاء بالدين والشد على المعتقلين واستفزازهم، وكنا نرد عليهم بالرش بالماء والقاذورات من خلف الزنازين ورفع الصوت عليهم والتكبير، وهكذا كنا في كر وفر معهم، هم في الفضاء الفسيح ولكن أرواحهم مهزومة، ونحن في الزنازين الضيقة ولكن أرواحنا محلقة في الأعالي.

الزنازين الانفرادية
الزنزانة الانفرادية عبارة عن سجن من الحديد المصمت وهي محكمة الإغلاق من جميع الجهات ولا يوجد بها نوافذ. ويوجد بالزنزانة سرير حديدي ومغسلة ومرحاض، بالباب الحديدي للزنزانة فتحة صغيرة عليها شبك وفتحة أخرى لإدخال الطعام وكلا الفتحتين مغلقتين معظم الوقت، أبعاد الزنزانة مترين في متر وثمانين سنتيمتراً. فإذا ما نقّصنا المساحة التي يوضع بها السرير والمغسلة فإن المساحة المتبقية للمعتقل في الزنزانة الانفرادية للمشي والحركة والصلاة عبارة عن متر مربع واحد فقط. وأما فعبارة عن مكيف، فإذا ما أرادوا مضايقة المعتقل فإنهم يرفعون درجة البرودة بالزنزانة لتصبح كالثلاجة أو كالفريزر، فتتجمد جدران الزنازين الحديدية حتى أن راحة اليد قد تلتصق بالجدران من شدة البرودة، أو يقومون بإغلاق المكيف لتصبح الزنزانة كالتنور من شدة الحرارة.

محاولات الانتحار كانت إدارة السجن تشيع بأن بعض المعتقلين قد حاول الانتحار وكانت تسرب هذه الإشاعات للخارج، وقد تكون لهذه الإشاعات مآرب متعددة منها كسر معنويات الأخوة ورفع معنويات الجنود، ومنها تشويه سمعة المعتقلين وأنهم لم يعودوا قادرين على الصمود والصبر، ومنها وهو الأهم أن أي معتقل يموت تحت التعذيب سيقولون بأنه قد حاول الانتحار عدة مرات، وأنهم فشلوا هذه المرة في إنقاذ حياته. والحقيقة أنه لم يحاول أي من المعتقلين الانتحار ولم يفكر حتى بذلك، فكيف يعكف المعتقل على حفظ كتاب الله، بل إن غالبية المعتقلين أتم حفظ كتاب الله في المعتقل، مما يدل على الهمة العالية عند المعتقلين، ثم يقدم على الانتحار وهو يعلم أن المنتحر جزاؤه الخلود في النار. وعلى العكس فقد كان الأطباء يعالجون مرضاهم النفسيين من الجنود الأمريكان ويقدمون لهم العقاقير المهدأة، وكانوا يحاولون جاهدين إقناعهم بالعدول عن فكرة الانتحار، وبالفعل فقد أقدم العديد من الجنود على الانتحار ونجح بعضهم في ذلك.