عرض مشاركة مفردة
  #9  
قديم 27-03-2007, 09:07 PM
السيد عبد الرازق السيد عبد الرازق غير متصل
مشرف
 
تاريخ التّسجيل: Apr 2004
الإقامة: القاهرة -- مصر
المشاركات: 1,254
إفتراضي

والسلام كانوا أذل الناس ذلا ، وأشقاهم عيشا ، وأجوعهم بطونا وأعراهم ظهورا ، وأبينهم ضلالا، يؤكلون ولا يأكلون . والله ما نعلم من حاضر أهل الأرض ، شر منزلة منهم ، حتى جاء الله بالإسلام ، فمكن به في البلاد ، ووسع به في الرزق ، وجعلهم به ملوكا على رقاب الناس فبالإسلام أعطى الله ما رأيتم ، فاشكروا الله على نعمه ، فإن ربكم منعم يحب الشكر .

ولد النبي صلى الله وعليه وسلم في ربيع الأول على القول الصحيح . فقيل لثمان ، وقيل لاثنتي عشرة ليلة خلت ، وهو الشهر الذي توفى فيه على القول الصحيح ، ولم يشرع الرسول صلى الله عليه وسلم لأمته تعظيم مولده ، ولا مثل هذا الاحتفال ، والتجمع فيه ، بل ثبت ما يدل على النهي عنه . فقال في الحديث الصحيح : » لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم إنما أنا عبد ، فقولوا عبد الله ورسوله « (1) . وقال : » إياكم والغلو في الدين فإنما هلك من كان قبلكم بالغلو في الدين « (2) . ولم يثبت عن الخلفاء الراشدين ، ولا عن الصحابة والتابعين ، ولا عن أئمة سائر المذاهب ولا عن سائر سلف العلماء الصالحين ، أنهم يعظمون مولد الرسول صلى الله عليه وسلم ، أو يجتمعون فيه ، أو يلقون الخطب والشعر في تشييد مولده كما يفعل بعض البلدان في هذا الزمان ، ولو كان خيراً لسبقونا إليه .

وكان النبي صلى الله عليه وسلم يقول في خطبته : » إن خير الحديث كتاب الله ، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم ، وشر الأمور محدثاتها « . فتعظيم المولد هو من محدثات الأمور ، وتعظيم النصف من شعبان ، هو من محدثات الأمور ، وكل محدثة بدعة ، وكل بدعة ضلالة ، فاتبعوا ولا تبتدعوا .

________________________

(1) رواه البخاري ومسلم .

(2) رواه أحمد في مسنده النسائي وابن ماجة والحاكم عن ابن عباس وإسناده صحيح .



وذكر صاحب كتاب الإبداع في مضار الابتداع : أن أول من أحدث بدعة المولد هم الفاطميون أهل مصر ، لما رأوا النصارى يعظمون مولد المسيح ويجعلونه عيداً لهم ، بحيث يعطلون فيه الأعمال والمتاجر ، أرادوا أن يضاهوهم على بدعتهم بتعظيم مولد الرسول صلى الله عليه وسلم وتعطيل الأعمال والمتاجر فيه ، فقابلوا بدعة ببدعة ، ومنكراً بمنكر ، فعلى من سنها وزر من عمل بها إلى يوم الحشر والنشور . فتعظيم المولد هو من تقليد النصارى ، والتشبه بهم، وليس من الإسلام ، ولا من عمل سلف الصالح الكرام في شيء . وقد قيل :

ثلاث تشفى بهن الدار



المولد والمأتم والزار




ولما أراد الصحابة الكرام أن يضيفوا تاريخاً للإسلام يعرفون به حوادث الزمان عدلوا عن التاريخ بمولد الرسول صلى الله وسلم لكونه من صنيع النصارى والتشبه بهم ، وأجمعوا على بداية التاريخ بهجرة الرسول صلى الله وعليه وسلم ، لأنه الزمان الذي أعز الله به الإسلام ونصر، وأذل به الباطل وكسر .

وقد يحسنه للناس بعض المنتسبين إلى العلم ، بحيث يقولون أنه بدعة حسنة تبرهن عن محبة الرسول صلى الله عليه وسلم وتعظيمه في قلوب العوام ، وهذا القول باطل قطعاً ، فإن كل بدعة ضلالة ، وبالاستمرار عل فعله كل عام يصير عند العوام بمثابة السنة ، ومتى غيّر قيل غيّرت السنة ، وقد عملوا فيه ما يستدعي إقبال الناس إليه ، فكانوا يقولون إن من يحضر المولد فإنه يحصل له من الربح كذا ، أو يعافي في جسمه أو أهله وعياله ، أو من تغيب عنه فإنه يخسر كذا، أو يصاب بالمرض وموت أولاده ، ونحو ذلك من الإرهاصات الناشئة عن هذه البدعة، وهكذا البدعة تجر إلى ما هو أكبر منها ، ونحمد الله أن كنا في عافية من هذه البدعة ، فلا نسمع بها عندنا ، و لا تعمل في بلداننا ، لأنها من محدثات الأمور التي نهى عنها رسول الله صلى عليه وسلم .

وسميت البدعة بدعة لكونها زيادة في الدين لم يشرعها الله و لا رسوله .

ومثله ما يفعله الناس في رجب بإسم » الإسراء والمعراج « . وكذا » ليلة النصف من
شعبان « . كل هذه البدع التي تقود إلى الأعمال السيئة لكون البدع بريد الشرك ، والعبادات الشرعية مبنية على التوقيف والإتباع لا على الاستحسان والابتداع ، ( وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا ) (1) . فليس كل ما يستحسنه الناس يكون صحيحاً في نفس الأمر والواقع ولهذا يقول بعض السلف : » كل عبادة لم يتعبدها رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا أصحابه فلا تتعبدوها ، فإن الأول لم يترك للآخر مقالاً « ، وقالوا : » إنه ما ظهر في الناس بدعة إلا رفع مقابلها من السنة ، فتمسك بسنة خير من إحداث بدعة « .

ولقد علمنا أن هؤلاء الذين يحتفلون بالمولد ويتجمعون فيه ، وينفقون النفقات في سبيله ، أن قصدهم محبة الرسول صلى الله عليه وسلم وتعظيم أمره ، بإحياء ذكرى مولده كل عام ، لكن حسن المقاصد لا يبيح فعل البدع ، والمحبة الطبيعة لا تغنى عن المحبة الدينية شيئاً .

فهذا أبو طالب عم الرسول صلى الله عليه وسلم كان يحب رسول الله أشد الحب ، وقد تربى رسول الله في حجره وبالغ في حمايته ونصرته ، وشهد بصدق نبوته ، لكنه لما لم يطع رسول الله صلى الله عليه وسلم في أمره ، ولم يجتنب نهيه ، ولم يدخل في دينه ،

________________________

(1) 7 – الحشر .



حشر يوم القيامة في ضحضاح من نار يغلى منها دماغه جزاء على كفره . وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يستغفر له . ولما ادعى الناس محبة الله ورسوله أنزل الله عليه آية المحنة ( قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم ) (1) ومن المشاهد بالاعتبار والتجربة ، أن البدع ينبوع كل شر ، يقود بعضها إلى بعض ، حتى تكون الآخرة شر من الأولى.

فهذه الموالد في الأمصار ، يفعل فيها أشياء : من اجتماع الرجال بالنساء ، والضرب بالمعازف والدفوف ، وشرب الخمور ، وغير ذلك من المفاسد والفجور ، ويسندون هذه الأفعال إلى محبة الرسول صلى الله عليه وسلم وهي تنافي محبته وطاعته وقد قيل :

لو كان حبك صادقاً لأطعته



إن المحب لمن يحب مطيع




إن الذي يحب الرسول صلى الله عليه وسلم محبة حقيقية ، يجب عليه أن يطيعه في أمره ، فيحافظ على الصلوات الخمس في أوقاتها جماعة ، ويؤدي الزكاة الواجبة ، ويصوم رمضان ، ويجتنب الربا ، والزنا ، وشرب الخمر ، وسائر الرذائل المحرمة .

إذ أن حق الرسول صلى الله عليه وسلم على أمته ، طاعته فيما أمر ، وتصديقه فيما أخبر ، واجتناب ما عنه نهى وزجر ، وأن لا يعبد الله إلا بما شرع ، وأن يكثروا من الصلاة والتسليم عليه في كل حالاتهم وسائر أوقاتهم . فإن كثرة الصلاة عليه من أفضل الطاعات ، وأجل القربات ومن صلى عليه مرة ، صلى الله عليه عشراً ، وأخبر أن صلاة

________________________

(1) 31 - آل عمران .



أمته تعرض عليه ، وقد أمر أمته أن يسألوا الله له الوسيلة ، والفضيلة ، وأن يبعثه المقام المحمود الذي وعده .

فالرسول صلى الله عليه وسلم حمى حمى التوحيد ، وسد طرق الشرك . فانتبهوا من غفلتكم، وتوبوا من زللكم ، وحافظوا على فرائض ربكم ، وأطيعوا الله ورسوله إن كنتم مؤمنين
__________________
السيد عبد الرازق
الرد مع إقتباس