الموضوع: هى .. والبحر
عرض مشاركة مفردة
  #1  
قديم 08-08-2006, 10:31 AM
rasha rasha غير متصل
مصـــ التي فى خاطري ــــر
 
تاريخ التّسجيل: Dec 2001
المشاركات: 193
Smile هى .. والبحر

ليلة شتوية, السحاب يجرى بسرعة من خلف زجاج النافذة المكسو بالضباب. كوب شاى سيكون مناسباً جداً فى هذا الجو البارد. اشعلت الموقد ووضعت الماء وأخذت اتأمل الفقاعات الصغيرة تصعد متجاورة إلى السطح بفعل تيارات الماء. كم كانت تحب الماء!

عامان مرا ولم استطع أن انسى رحلتنا الأخيرة, كل شىء من حولى يذكرنى بها بشدة . كانت تعشق البحر, ترسمه فى كل لوحاتها, كانت تقول إنه أصل الحياة, ولكم اخبرتنى أنى اشبه البحر فى ثورتى وصفائى وأنها تحبنى هكذا متقلبا مثل البحر.

اللون الأزرق لونها المفضل, لمساتها من حولى تذكرنى وتذكرنى. فتلك لوحة رسمتها فى الغردقة وأخرى بشرم الشيخ , والبحر دائما سيد الموقف.. والشمس فى خلفية الغروب. وهذا حوض السمك به اصداف ومحارات جلبتها من البحر لتغازل أسماكه النادرة الجمال.

ذوقها رائع فى كل شىء, فمنذ تزوجنا تركت التفاصيل الدقيقة من حياتى للمساتها الماهرة .

كان طلبها بعد عام من العمل الشاق أن تكون زيارتنا هذا العام لجنوب سيناء, وبالفعل ذهبنا هناك وكانت الرحلة ممتعة . ورغم عدم اجادتها للسباحة كانت تصر على مصاحبتى للغطس فى الأماكن العميقة للتمتع بهذا العالم الساحر المتربع تحت الماء. يومها لم يكن معنا اسطوانات الاكسجين فاستخدمنا معدات الغطس الخفيفة لعمق متوسط, استمتعنا بمشاهدة أسراب الأسماك الملونة والقواقع والأصداف والشعاب النارية وبعض أسماك القرش الصغيرة. كان كل شىء مستقراً عندما لاحظنا فرار الأسماك وانسحابها إلى المغارات الصخرية بسرعة, وقتها اشتممت رياح العاصفة.. صعدنا الى أعلى فلم يخب ظنى , بالفعل قرر البحر إهداءنا أحدى ثوراته , لكن لم يكن الوقت بالمناسب أبداً.

أخذنا طريق العودة وكان الخوف يتلبسنى اما هى فلم ترغب فى المغادرة بسرعة إنما طلبت أن نتمهل لنشاهد العاصفة عن قرب. جذبتها من بدلة الغطس معطى ظهرى لبداية العاصفة, لكن التيار كان عنيفا .. والسباحة فى وقت كهذا مستحيلة. انهكنى التحرك لأكتشف أنى مازلت فى مكانى , يبدو أنها كانت دوامة, لم ادر إلا وهى تسحبنى للأسفل .. ففقدت يدى يدها , لم اجدها بجوارى .. أخذت احرك نفسى عشوائيا فقد انُهكت تماما وفقدت حركات السباحة المنتظمة وكادت اطرافى تتشنج. بعد فترة وجدت نفسى خارج الدوامة .. لكن بدونها, العاصفة هبت وأخذت تدفعنى للخارج, لم اجدها حولى , غطست للأسفل فلم أر شيئا... كانت العاصفة تثير الرمال والموج عال وصاخب.

فردت ذراعىّ فطفت فوق الماء وتركت نفسى للموج الثائر يدفعنى أنى شاء... بعد فترة من الوقت لا أعرف مداها خفّت العاصفة وقلّت زمجرة الموج... فسبحت حتى وصلت ا لشاطىء وانا الهث واتجمد برداً .

افقت على حرارة الشمس وتجمع الناس من حولى وبعضهم يضرب كفا بكف, فى لحظة استعدت كل تفاصيل الأمس ونهضت قفزاً متذكراً أنى عدت للشاطىء دونها.. حاول الناس من حولى تهدئتى عندما سألتهم عنها, اخبرتهم أنى يجب أن أعود لأنقذها .. فأنا من ضيعها, جريت نحو البحر لكنهم لحقوا بى واوقفونى.. لمحت غير بعيد على الشاطىء تجمعا آخر ملتفا حول سيارة إسعاف, وهمس لى أحدهم " البقية فى حياتك".

اغمضت عينىّ عن دمعة لم تنزل من وقتها إلا الأن, عامين والدمع متحجر والقلب يأبى أن يصدق.. متأكد أنها ستخرج من أحدى تلك اللوحات المعلقة على الحائط حيث البحر.... والشمس دائما فى خلفية الغروب.
__________________
وطنى لوشغلت بالخلد عنه**** نازعتنى اليه في الخلد نفسى
الرد مع إقتباس