عرض مشاركة مفردة
  #16  
قديم 29-06-2005, 07:03 AM
maher maher غير متصل
رب اغفر لي و لوالدي
 
تاريخ التّسجيل: Sep 2004
الإقامة: tunisia
المشاركات: 2,978
إرسال رسالة عبر MSN إلى maher إرسال رسالة عبر بريد الياهو إلى maher
إفتراضي

وإليك - أيها القارئ الكريم - بعض ما ورد في تحريم الأغاني والمعازف من آيات القرآن الكريم وأحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم .

قال الله تعالى وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُوًا أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ * وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا وَلَّى مُسْتَكْبِرًا كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْهَا كَأَنَّ فِي أُذُنَيْهِ وَقْرًا فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ

قال الحافظ ابن كثير رحمه الله في تفسيره عند هاتين الآيتين ما نصه : ( لما ذكر حال السعداء وهم : الذين يهتدون بكتاب الله وينتفعون بسماعه ، كما قال تعالى : اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ الآية ، عطف بذكر حال الأشقياء الذين أعرضوا عن الانتفاع بسماع كلام الله ، وأقبلوا على استماع المزامير والغناء والألحان وآلات الطرب ، كما قال ابن مسعود في قوله تعالى : وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ قال : هو والله الغناء . وروى ابن جرير ، حدثني يونس بن عبد الأعلى ، أخبرنا ابن وهب ، أخبرني يزيد بن يونس ، عن أبي صخر ، عن أبي معاوية البجلي ، عن سعيد بن جبير عن أبي الصهباء البكري أنه سمع عبد الله ابن مسعود وهو يسأل عن هذه الآية : وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فقال عبد الله بن مسعود : الغناء ، والله الذي لا إله إلا هو ، يرددها ثلاث مرات . حدثنا عمرو بن علي ، حدثنا صفوان بن عيسى ، أخبرنا حميد الخراط ، عن عمار عن سعيد بن جبير ، عن أبي الصهباء ، أنه سأل ابن مسعود عن قول الله وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ قال : الغناء ؛ وكذا قال ابن عباس وجابر وعكرمة وسعيد بن جبير ومجاهد ومكحول وعمرو بن شعيب وعلي بن بديمة ، وقال الحسن البصري : نزلت هذه الآية : وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ ، في الغناء والمزامبر . وقال قتادة : قوله : وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ ، والله ، لعله لا ينفق فيه مالا ، ولكن شراؤه استحبابه بحسب المرء من الضلالة أن يختار حديث الباطل على حديث الحق ، وما يضر على ما ينفع ) انتهى كلامه .

فتأمل - أيها القارئ الكريم - هاتين الآيتين الكريمتين ، وكلام هذا الإمام في تسيرهما ، وما نقل عن أئمة السلف في ذلك ، يتضح لك ما وقع فيه أرباب الأغاني والملاهي من الخطر العظيم ، وتعلم بذلك صراحة الآية الكريمة في ذمهم وعيبهم ، وأن اشتراءهم للهو الحديث ، واختيارهم له من وسائل الضلال والإضلال ، وإن لم يقصدوا ذلك ، أو يعلموه ، وذلك لأن الله سبحانه مدح أهل القرآن في أول السورة ، وأثنى عليهم بالصفات الحميدة ، وأخبر أنهم أهل الهدى والفلاح ، حيث قال عز وجل : 3 الم * تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْحَكِيمِ * هُدًى وَرَحْمَةً لِلْمُحْسِنِينَ * الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ * أُولَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ثم قال سبحانه بعد هذا وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ الآية وذلك يدل على ذم هؤلاء المشترين ، وتعرضهم للضلال بعد الهدى ، وما كان وسيلة للضلال والإضلال فهو مذموم ، يجب أن يحذر ويبتعد عنه ، وهذا الذي قاله الحافظ ابن كثير في تفسير الآية قاله غيره من أهل التفسير كابن جرير والبغوي والقرطبي وغير واحد ، حتى قال الواحدي في تفسيره : أكثر المفسرين على أن لَهْوَ الْحَدِيثِ هو الغناء ، وفسره آخرون بالشرك ، وفسره جماعة بأخبار الأعاجم وبالأحاديث الباطلة التي تصد عن الحق؛ وكلها تفاسير صحيحة؛ لا منافاة بينها ، والآية الكريمة تذم من اعتاد ما يصد عن سبيل الله ويلهيه عن كتابه ، ولا شك أن الأغاني وآلات الملاهي من أقبح لَهْوَ الْحَدِيثِ الصاد عن كتاب الله وعن سبيله ، قال أبو جعفر بن جرير - رحمه الله - في تفسيره - لما ذكر أقوال المفسرين في لَهْوَ الْحَدِيثِ - ما نصه : والصواب من القول في ذلك أن يقال : عني به كل ما كان من الحديث ملهيا عن سبيل الله ، مما نهى الله عن استماعه ، أو رسوله ، لأن الله تعالى عم بقوله لَهْوَ الْحَدِيثِ ولم يخصص بعضا دون بعض ، فذلك على عمومه ، حتى يأتي ما يدل على خصوصه ، والغناء والشرك من ذلك؛ انتهى كلامه .
وقال القرطبي في تفسير قوله تعالى : وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ من في موضع رفع بالابتداء ، لَهْوَ الْحَدِيثِ الغناء في قول ابن مسعود وابن عباس وغيرهما ، ثم بسط الكلام في تفسير هذه الآية ، ثم قال : المسألة الثانية : وهو الغناء المعتاد عند المشتهرين به الذي يحرك النفوس ، ويبعثها على الهوى والغزل والمجون ، الذي يحرك الساكن ويبعث الكامن ، فهذا النوع إذا كان في شعر يشبب فيه بذكر النساء ووصف محاسنهن ، وذكر الخمور والمحرمات ، لا يختلف في تحريمه؛ لأنه اللهو والغناء المذموم بالاتفاق ، فأما ما سلم من ذلك فيجوز القليل منه في أوقات الفرح ، كالعرس والعيد وعند التنشيط على الأعمال الشاقة ، كما كان في حفر الخندق ، وحدو أنجشة وسلمة بن الأكوع ، فأما ما ابتدعته الصوفية اليوم من الإدمان على سماع الأغاني بالآلات المطربة من الشبابات والطار والمعازف والأوتار فحرام ) انتهى كلامه .

وهذا الذي قاله القرطبي كلام حسن ، وبه تجتمع الآثار الواردة في هذا الباب ، ومن ذلك ما ثبت في الصحيحين عن عائشة - رضي الله عنها - قالت : دخل علي النبي وعندي جاريتان تغنيان بغناء بعاث ، فاضطجع على الفراش وحول وجهه ، ودخل أبو بكر رضي الله عنه ، فانتهرني ، وقال : مزمار الشيطان عند النبي ، فأقبل عليه رسول الله ، فقال : " دعهما " فلما غفل غمزتهما فخرجتا وفي رواية لمسلم فقال رسول الله : يا أبا بكر ، إن لكل قوم عيدا ، وهذا عيدنا . وفي رواية له أخرى ، فقال : " دعهما يا أبا بكر ، فإنها أيام عيد " وفي بعض رواياته أيضا " جاريتان تلعبان بدف " فهذا الحديث الجليل يستفاد منه أن كراهة الغناء وإنكاره وتسميته مزمار الشيطان أمر معروف مستقر عند الصحابة رضي الله عنهم ولهذا أنكر الصديق على عائشة غناء الجاريتين عندها ، وسماه مزمار الشيطان ، ولم ينكر عليه النبي تلك التسمية ، ولم يقل له : إن الغناء والدف لا حرج فيهما وإنما أمره أن يترك الجاريتين ، وعلل ذلك بأنها أيام عيد ، فدل ذلك على أنه ينبغي التسامح في مثل هذا للجواري الصغار في أيام العيد ، لأنها أيام فرح وسرور ، ولأن الجاريتين إنما أنشدتا غناء الأنصار الذي تقاولوا به يوم بعاث ، فيما يتعلق بالشجاعة والحرب ، بخلاف أكثر غناء المغنين والمغنيات اليوم ، فإنه يثير الغرائز الجنسية ، ويدعو إلى عشق الصور ، وإلى كثير من الفتن الصادة للقلوب عن تعظيم الله ومراعاة حقه ، فكيف يجوز لعاقل أن يقيس هذا على هذا ، ومن تأمل هذا الحديث علم أن ما زاد على ما فعلته الجاريتان منكر ، يجب التحذير منه حسما لمادة الفساد ، وحفظا للقلوب عما يصدها عن الحق ، ويشغلها عن كتاب الله وأداء حقه .

وأما دعوى أبي تراب أن هذا الحديث حجة على جواز الغناء مطلقا ، فدعوى باطلة ، لما تقدم بيانه ، والآيات والأحاديث والآثار الواردة في هذا الباب ، كلها تدل على بطلان دعواه . وهكذا الحديث الذي رواه سفيان الثوري عن أبي إسحاق السبيعي ، عن عامر بن سعد البجلي ، أنه رأى أبا مسعود البدري وقرظة بن كعب وثابت بن يزيد ، وهم في عرس وعندهم غناء ، فقلت لهم : ( هذا وأنتم أصحاب رسول الله ، فقالوا : إنه رخص لنا في الغناء في العرس ، والبكاء على الميت من غير نوح ) فهذا الحديث ليس فيه حجة على جواز الغناء مطلقا ، وإنما يدل على جوازه في العرس ، لإعلان النكاح ، ومن تأمل هذا الحديث عرف أنه دليل على منع الغناء ، لا على جوازه ، فإنه لما رخص لهم " في الغناء " في العرس لحكمة معلومة ، دل على منعه فيما سواه ، إلا بدليل خاص ، كما أن الرخصة للمسافر في قصر الرباعية يدل على منع غيره من ذلك ، وهكذا الرخصة للحائض والنفساء في ترك طواف الوداع يدل على منع غيرهما من ذلك ، والأمثلة لهذا كثيرة ، وأيضا فإنكار عامر بن سعد على هؤلاء الصحابة الغناء وإقرارهم له على ذلك ، دليل على أن كراهة الغناء والمنع منه أمر قد استقر عند الصحابة والتابعين وعرفوه عن النبي . والله المستعان .
__________________


و جعلنا من بين أيديهم سدا ً من خلفهم سدا ً فأغشيناهم فهم لا يبصرون

قال صلى الله عليه وسلم:

ما من عبد مسلم يدعو لأخيه بظهر الغيب إلا قال الملك: ولك بمثل
ً

كن كالنخيل عن الاحقاد مرتفعاً *** ترمى بحجرٍ فترمي اطيب الثمر
الموسوعة الكبرى للمواقع الإسلامية