عرض مشاركة مفردة
  #42  
قديم 23-05-2001, 06:21 PM
صلاح الدين صلاح الدين غير متصل
Registered User
 
تاريخ التّسجيل: May 2000
المشاركات: 805
Lightbulb

ويبين لنا الله تعالى في محكم التنزيل بعض نماذج المعاندين الذين ينحرفون بالتفكير فينحرفون بالنتائج:
{وَمَا مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جَاءَهُمْ الْهُدَى إِلَّا أَنْ قَالُوا: أَبَعَثَ اللَّهُ بَشَرًا رَسُولًا} [الإسراء/94]
فبعض التفكير يذهب بصاحبه إلى الاتجاه المعاكس، لأنه بني على أسس غير صحيحة، وما بني على اعوجاج، كانت نتيجته الاعوجاج، وما أسس على الخطأ لا يمكن أن يعطي نتيجة صحيحة. فهؤلاء الممتنعون عن الإيمان، إنما حجبوا أنفسهم بسبب تفكيرهم القائم على أسس منحرفة وخاطئة، ما منعهم سوى استعجابهم من بعثه (سبحانه وتعالى) البشر رسلاً، كما قال تعالى:

{أَكَانَ لِلنَّاسِ عَجَبًا أَنْ أَوْحَيْنَا إِلَى رَجُلٍ مِنْهُمْ أَنْ أَنْذِرْ النَّاسَ وَبَشِّرْ الَّذِينَ آمَنُوا أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِنْدَ رَبِّهِمْ قَالَ الْكَافِرُونَ إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ مُبِينٌ} [يونس/2]

وقوله عز من قائل:
{ذَلِكَ بِأَنَّهُ كَانَتْ تَأْتِيهِمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَقَالُوا أَبَشَرٌ يَهْدُونَنَا فَكَفَرُوا وَتَوَلَّوْا وَاسْتَغْنَى اللَّهُ وَاللَّهُ غَنِيٌّ حَمِيدٌ} [التغابن/6]

وقد قال فرعون وملؤه تبريراً لكفرهم بموسى وهارون:
{فَقَالُوا أَنُؤْمِنُ لِبَشَرَيْنِ مِثْلِنَا وَقَوْمُهُمَا لَنَا عَابِدُونَ} [المؤمنون/47]

ومثلهم قالت الأمم الكافرة السابقة في تبرير كفرها بأنبيائها ورسلها:
{قَالَتْ رُسُلُهُمْ أَفِي اللَّهِ شَكٌّ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَدْعُوكُمْ لِيَغْفِرَ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُؤَخِّرَكُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى قَالُوا إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنَا تُرِيدُونَ أَنْ تَصُدُّونَا عَمَّا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُنَا فَأْتُونَا بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ} [إبراهيم/10]

وحجتهم التي ساقوها في غاية البعد عن قول العقلاء، فالله تعالى اختار الأنبياء والرسل من بني البشر ليفقه الناس ما يقولون، وليروا بأم العين عبادته وعمله فيقتدوا به، وبشريته تقربه منهم ومن مجتمعهم وتيسر له ولهم سبل التخاطب والإيضاح والتعلم والتعليم، ولو كان من غير جنسهم كالجن أو الملائكة لتعذر عليهم فهمه أو التقرب منه، لاختلاف الجنسين ووقوع الإيحاش بينهما واختلاف الطبائع والقابليات والقدرات، واقرأ قوله تعالى في ذلك لتفهم الحكمة من كون الأنبياء والرسل بشراً:

ففي دعوة إبراهيم (عليه السلام) لذريته: {رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ، يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ، وَيُعَلِّمُهُمْ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ، إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [البقرة/129]

وبشرية المبعوث الموحى إليه تعينه على تعليم الناس وتعين الناس على التعلم منه: {كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولًا مِنْكُمْ، يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا، وَيُزَكِّيكُمْ، وَيُعَلِّمُكُمْ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ، وَيُعَلِّمُكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ} [البقرة/151]

والتعلم والتعليم تخرج الناس من الضلال إلى الهدى، ومن العمى إلى البصيرة: {لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ، يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ، وَيُزَكِّيهِمْ، وَيُعَلِّمُهُمْ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ، وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ} [آل عمران/164]

والنبي عندما يكون من الناس، يتفاعل معهم ويتفاعلون معه، ويدرك مواطن الضعف والقوة فيهم، وهو واحد منهم: {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنفُسِكُمْ، عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ، حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ، بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} [التوبة/128]

وسنة الله تعالى أن يكون نبي كل قوم منهم حتى تتحقق الحكم المرجوة من فهمه للبيئة وأهلها في دعوته وهدايته وإنذاره وبشارته: {وَيَوْمَ نَبْعَثُ فِي كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيدًا عَلَيْهِمْ مِنْ أَنفُسِهِمْ، وَجِئْنَا بِكَ شَهِيدًا عَلَى هَؤُلَاء، وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ، وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ} [النحل/89]

ومن لم يستجب لابن بيئته وقد عرفه وخبره عن كثب، فهل سيتفاعل مع من هو من خارجها: {فَأَرْسَلْنَا فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ: أَنْ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ، أَفَلَا تَتَّقُونَ} [المؤمنون/32]

والنبي الخاتم (صلى الله عليه وسلم) جاء على مقتضى حكمة الله وسنته في أن يكون أحد أبناء بيئته: {هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ، يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ، وَيُزَكِّيهِمْ، وَيُعَلِّمُهُمْ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ، وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ} [الجمعة/2]

والذين استكبروا وطلبوا أن يكون النبي من غير جنس الناس، ترفعاً عن اتباع أحد بني البشر، عليهم أن يدركوا أن مقتضى سنن الله في خلقه أن يكون الداعية قدوة يستطيعون رؤيتها والتعايش معها ومعرفة أخلاقها وتصرفاتها عن كثب، ليكون حجة على المدعوين، قال تعالى: {وَلَوْ جَعَلْنَاهُ مَلَكًا، لَجَعَلْنَاهُ رَجُلًا، وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِمْ مَا يَلْبِسُونَ} [الأنعام/9]



[ 26-05-2001: المشاركة عدلت بواسطة: صلاح الدين ]