عرض مشاركة مفردة
  #43  
قديم 26-05-2001, 05:06 AM
صلاح الدين صلاح الدين غير متصل
Registered User
 
تاريخ التّسجيل: May 2000
المشاركات: 805
Lightbulb

بين الله (عز وجل) في الكتاب العزيز أن اختياره للنبي وللرسول الموحى إليه، المنذر والبشير، من جنس المبعوث إليهم، من بني آدم، أمر محكوم بحكمته تعالى وسننه للبشر، فالقصد من البعث والإرسال إقامة الحجة على الجماعة البشري.

وهؤلاء لا يستطيعون فهم الأمور بشكل مجرد مطلق، وعليهم أن يعايشوا وأن يتلقوا عمن يمثل لهم قدوة عملية في الالتزام والتعبد، بشر مثلهم، يستطيعون فهمه والتفاعل معه، لا يشعرون باختلافه عنهم في التكوين والاستعدادات الفطرية؛ قال تعالى: {قُلْ: لَوْ كَانَ فِي الْأَرْضِ مَلَائِكَةٌ يَمْشُونَ مُطْمَئِنِّينَ، لَنَزَّلْنَا عَلَيْهِمْ مِنْ السَّمَاءِ مَلَكًا رَسُولًا} [الإسراء/95]

قال تعالى: {قل: لو كان في الأرض ملائكة يمشون مطمئنين} أي لو كان أهل الأرض من الملائكة، يعيشون عليها، كما تعيشون أنتم {لنزلنا عليهم من السماء ملكاً رسولاً}، أي من جنسهم، وهذا يفسر الحكمة في بعْث رسول من البشر إلى البشر، رسولاً من جنسهم للحكم والسنن التي ذكرناها آنفاً.
ويخاطب النبي محمداً (صلى الله عليه وسلم) على سبيل التحديد، فيقول سبحانه: {قُلْ: كَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ، إِنَّهُ كَانَ بِعِبَادِهِ خَبِيرًا بَصِيرًا} (الإسراء/96)

فحجة النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) على قومه في صدق ما جاءهم به، إنه (سبحانه وتعالى) شاهد عليه وعليهم، عالم بما جاءهم (صلى الله عليه وسلم) به، وهم الذين عايشوه وسموه (الصادق الأمين) قبل البعث، وما كان له أن يترك الكذب على الناس ليكذب على رب الناس، حاشا وكلا، وفي التنزيل العزيز:

{فَلَا أُقْسِمُ بِمَا تُبْصِرُونَ(38) وَمَا لَا تُبْصِرُونَ(39) إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ(40) وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ قَلِيلًا مَا تُؤْمِنُونَ(41) وَلَا بِقَوْلِ كَاهِنٍ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ(42) تَنزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ(43) وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ(44) لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ(45) ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ(46) فَمَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ(47)} [الحاقة/38-47]

وهو قسم يأتي حجة فوق حجة على صدق النبي المبعوث من البشر (صلى الله عليه وسلم) الذي لا يستطيع التغلب على إرادة الله، ولا مقاومة انتقامه في حال تقوّله على ربه سبحانه.

{وَمَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِي، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِهِ، وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى وَجُوهِهِمْ: عُمْيًا وَبُكْمًا وَصُمًّا، مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ، كُلَّمَا خَبَتْ زِدْنَاهُمْ سَعِيرًا} [الإسراء/97]

وهذا والعياذ بالله جزاء ما كانوا عمياً وصماً وبكماً عن الحق الذي استكبروا عليه وتعتنتوا في الاستجابة إليه، بالرغم من رؤيته رؤية العين وإقرارهم في قرارة أنفسهم بأنه الصدق الذي لا يأتيه الباطل ولا الزيْف.

وعن الإمام أنس بن مالك (رحمه الله) يقول: قيل: يا رسول الله؛ كيف يُحشر الناس على وجوههم؟ قال (صلى الله عليه وسلم): (الذي أمشاهم على أرجلهم قادر على أن يمشيهم على وجوههم)( ).

وعن حذيفة بن أسيد (رحمه الله) قال: قام أبو ذر (رضي الله عنه) فقال: يا بني غفار؛ قولوا ولا تحلفوا، فإن الصادق المصدوق (صلى الله عليه وسلم) حدثني أن الناس يُحشَرون على ثلاثة أفواج: فوج راكبين طاعمين كاسين، وفوج يمشون ويسعون، وفوج تسحبهم الملائكة على وجوههم وتحشرهم إلى النار. فقال قائل منهم: هذان قد عرفناهما، فما بال الذين يمشون ويسعون؟ قال: (يلقي الله (عز وجل) الآفة على الظهر حتى لا يبقى ظهر، حتى إن الرجل لتكون له الحديقة المعجبة فيعطيها بالشارف ذات القتب فلا يقدر عليها)( ).