عرض مشاركة مفردة
  #5  
قديم 13-09-2007, 07:41 PM
sbhhbs sbhhbs غير متصل
عضو فعّال
 
تاريخ التّسجيل: Jun 2007
المشاركات: 255
إفتراضي


إثبات نبوَّة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وإقامة البرهان علىإعجاز القرآن

{وَإِنْ كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ(23)فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ(24)}.



ثم ذكر تعالى بعد أدلة التوحيد الحجة على النبوة، وأقام البرهان على إِعجاز القرآن فقال {وَإِنْ كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا} أي وإِذا كنتم أيها الناسُ في شك وارتياب من صدق هذا القرآن، المعجز في بيانه، وتشريعه، ونظمه، الذي أنزلناه على عبدنا ورسولنا محمد صلى الله عليه وسلم {فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ} أي فأتوا بسورةٍ واحدةٍ من مثل هذا القرآن، في البلاغة والفصاحة والبيان {وَادْعُوا شُهَدَاءكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ} أي وادعوا أعوانكم وأنصاركم الذين يساعدونكم على معارضة القرآن غير الله سبحانه، والمراد استعينوا بمن شتئم غيره تعالى، قال البيضاوي: المعنى ادعوا للمعارضة من حضركم أو رجوتم معونته من إِنسكم وجِنكم وآلهتكم غيرَ اللهِ سُبحانه وتعالى، فإِنه لا يقدر أن يأتي بمثله إِلا الله {إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ} أي في أنه مختلق وأنه من كلام البشر، وجوابُه محذوف دلَّ عليه ما قبله.

{فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا} أي فإِن لم تقدروا على الإِتيان بمثل سورةٍ من سوره، وعجزتم في الماضي عن الإِتيان بما يساويه أو يدانيه، مع استعانتكم بالفصحاء والعباقرة والبلغاء {وَلَنْ تَفْعَلُوا} أي ولن تقدروا في المستقبل أيضاً على الإِتيان بمثله، والجملةُ اعتراضيةٌ للإِشارة إِلى عجز البشر في الحاضر والمستقبل كقوله {لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا} أي معيناً، قال ابن كثير: تحداهم القرآن وهم أفصح الأمم ومع هذا عجزوا، و{لَنْ} لنفي التأبيد في المستقبل أي ولن تفعلوا ذلك أبداً، وهذه أيضاً معجزة أخرى وهو أنه أخبر خبراً جازماً قاطعاً، غير خائفٍ ولا مشفق أنَّ هذا القرآن لا يُعارضُ بمثله أبد الآبدين ودهر الداهرين، وكذلك وقع الأمر لم يُعارض من لدنه إِلى زماننا هذا، ومن تدبّر القرآن وجد فيه من وجوه الإِعجاز فنوناً ظاهرة وخفية، من حيثُ اللفظ ومن حيثُ المعنى، والقرآنُ جميعه فصيح في غاية نهايات الفصاحة والبيان عند من يعرف كلام العرب، ويفهم تصاريف الكلام.

{فَاتَّقُوا النَّارَ} أي فخافوا عذاب الله، واحذروا نار الجحيم التي جعلها الله جزاء المكذبين {الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ} أي اتقوا النار التي مادتُها التي تُشعل بها وتُضرم لإِيقادها هي الكفار والأصنام التي عبدوها من دون الله كقوله تعالى {إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ} قال مجاهد: حجارةٌ من كبريت أنتُن من الجيفة يعذبون بها مع النار {أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ} أي هُيّئت تلك النارُ وأُرصدت للكافرين الجاحدين، ينالون فيها ألوان العذاب المهين.

والخلاصة: أن التحدي كان متنوعاً، مرة بالنظم والمعنى، ومرة بالنظم دون المعنى، بافتراء شيء لا معنى له، وفي كل الأحوال ظهر فشلهم.

وأرشدت الآية: {فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا...} على ظهور العجز التام عن المعارضة، وعلى استحقاق الكافرين النار لإنكارهم نبوة النَّبي صلى الله عليه وسلم، ولعدم تصديقهم بالقرآن، وعلى أن من اتقى النار ترك المعاندة، وعلى أن النار حالياً مخلوقة مهيأة موجودة معدّة للعصاة والفسّاق والكفّار.



المناسبة:

يعقد القرآن عادة مقارنات بين الأشياء المتضادة، فلما ذكر الله جزاء الكافرين والعصاة، أردف ذلك ببيان جزاء المؤمنين الأتقياء الأطهار، ليظهر الفرق بين الفريقين، وليكون ذلك أدعى للعبرة والعظة، والامتثال من مقارنة الأحوال.

ما أعدَّه الله لأوليائه

{وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ كُلَّمَا رُزِقُوا مِنْهَا مِنْ ثَمَرَةٍ رِزْقًا قَالُوا هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِنْ قَبْلُ وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهًا وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَهُمْ فِيهَا خَالِدُونَ(25)}.



ثم لما ذكر ما أعدَّه لأعدائه، عطف عليه بذكر ما أعدَّه لأوليائه، على طريقة القرآن في الجمع بين الترغيب والترهيب، للمقارنة بين حال الأبرار والفجار فقال {وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} أي وبَشِّرْ يا محمد المؤمنين المتقين، الذين كانوا في الدنيا محسنين، والذين جمعوا بين الإِيمان والعمل الصالح {أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ} أي بأن لهم حدائق وبساتين ذاتِ أشجار ومساكن، تجري من تحت قصورها ومساكنها أنهار الجنة .

{كُلَّمَا رُزِقُوا مِنْهَا مِنْ ثَمَرَةٍ رِزْقًا} أي كلما أعطوا عطاءً ورُزقوا زرقاً من ثمار الجنة {قَالُوا هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِنْ قَبْلُ} أي هذا مثلُ الطعام الذي قُدِّم إِلينا قبل هذه المرة.

قال المفسرون: إِن أهل الجنة يُرزقون من ثمارها، تأتيهم به الملائكة، فإِذا قُدّم لهم مرةً ثانية قالوا: هذا الذي أتيتمونا به من قبل فتقول الملائكة: كلْ يا عبد الله فاللونُ واحدٌ والطعم مختلف قال تعالى {وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهًا} أي متشابهاً في الشكل والمنظر، لا في الطعم والمَخْبر، قال ابن جرير: يعني في اللون والمرأى وليس يشبهه في الطعم، قال ابن عباس: لا يشبه شيء مما في الجنة ما في الدنيا إِلا في الأسماء.

{وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ} أي ولهم في الجنة زوجاتٌ من الحور العين مطهَّرات من الأقذار والأدناس الحسية والمعنوية، قال ابن عباس: مطهَّرة من القذر والأذى، وقال مجاهد: مطهَّرة من الحيض والنفاس، والغائط والبول والنخام، وورد أن نساء الدنيا المؤمنات يكنَّ يوم القيامة أجمل من الحور العين كما قال تعالى {إِنَّا أَنشَأْنَاهُنَّ إِنشَاءً* فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَارًا* عُرُبًا أَتْرَابًا} [الواقعة: 35 - 37] {وَهُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} أي دائمون، وهذا هو تمام السعادة، فإِنهم مع هذا النعيم في مقام أمين، يعيشون مع زوجاتهم في هناءٍ خالد لا يعتريه انقطاع.



المنَاسَبَة:

لمّا بينّ تعالى بالدليل الساطع، والبرهان القاطع، أن القرآن كلام الله لا يتطرق إِليه شك، وإِنه كتاب معجز أنزله على خاتم المرسلين، وتحداهم أن يأتوا بمثل سورةٍ من أقصر سوره، ذكر هنا شبهة أوردها الكفار للقدح فيه وهي أنه جاء في القرآن ذكر (النحل، والذباب، والعنكبوت، والنمل) إلخ وهذه الأمور لا يليق ذكرها بكلام الفصحاء فضلاً عن كلام ربّ الأرباب، فأجاب الله تعالى عن هذه الشبهة، وردَّ عليهم بأنَّ صغر هذه الأشياء لا يقدح في فصاحة القرآن وإِعجازه، إِذا كان ذكر المثل مشتملاً على حِكَمٍ بالغة.



سبب النزّول:

لما ذكر الله تعالى الذباب والعنكبوت في كتابه، وضرب للمشركين به المثل ضحكت اليهود وقالوا: ما يشبه هذا كلام الله، وما أراد بذكر هذه الأشياء الخسيسة؟ فأنزل الله الآية.



الحكمة من ضرب الأمثال في القرآن

{إِنَّ اللَّهَ لا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلاً مَا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَيَقُولُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا مَثَلاً يُضِلُّ بِهِ كَثِيرًا وَيَهْدِي بِهِ كَثِيرًا وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلا الْفَاسِقِينَ(26)الَّذِينَ يَنقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ أُوْلَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ(27)}.



يقول تعالى في الرد على مزاعم اليهود والمنافقين {إِنَّ اللَّهَ لا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلاً مَا} أي إِن الله لا يستنكف ولا يمتنع عن أن يضرب أيَّ مثلٍ كان، بأي شيءٍ كان، صغيراً كان أو كبيراً {بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا} أي سواء كان هذا المثل بالبعوضة أو بما هو دونها في الحقارة والصغر، فكما لا يستنكف عن خلقها، كذلك لا يستنكف عن ضرب المثل بها.

{فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ} أما المؤمنون فيعلمون أن الله حق، لا يقول غير الحق، وأن هذا المثل من عند الله {وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَيَقُولُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا مَثَلاً}؟ وأما الذين كفروا فيتعجبون ويقولون: ماذا أراد الله من ضرب الأمثال بمثل هذه الأشياء الحقيرة؟

قال تعالى في الرد عليهم {يُضِلُّ بِهِ كَثِيرًا وَيَهْدِي بِهِ كَثِيرًا} أي يضل بهذا المثل كثيراً من الكافرين لكفرهم فيزيد به، ويهدي به كثيراً من المؤمنين لتصديقهم به، فيزي أولئك ضلالة، وهؤلاء هدىً {وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلا الْفَاسِقِينَ} أي ما يضل بهذا المثل أو بهذا القرآن إِلا الخارجين عن طاعة الله، الجاحدين بآياته.

ثم عدّد تعالى أوصاف هؤلاء الفاسقين فقال {الَّذِينَ يَنقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ} أي ينقضون ما عهده إِليهم في الكتب السماوية، من الإِيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم من بعد توكيده عليهم، أو ينقضون كل عهد وميثاق من الإِيمان بالله، والتصديق بالرسل، والعمل بالشرائع {وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ} من صلة الأرحام والقرابات، واللفظ عام في كل قطيعة لا يرضاها الله كقطع الصلة بين الأنبياء، وقطع الأرحام، وترك موالاة المؤمنين {وَيُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ} بالمعاصي، والفتن، والمنع عن الإِيمان، وإِثارة الشبهات حول القرآن {أُوْلَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ} أي أولئك المذكورون، الموصوفون بتلك الأوصاف القبيحة هم الخاسرون لأنهم استبدلوا الضلالة بالهدى، والعذاب بالمغفرة، فصاروا إِلى النار المؤبدة.



المناسبة:

بعد أن ذكر الله صفات الفاسقين وموقف الكفار من القرآن، وجّه الخطاب إلى الكفار فيهاتين الآيتين على طريق الإنكار والتعجب والتوبيخ على موقفهم وصفة كفرهم، بذكر البراهين الداعية إلى الإيمان: وهي النعم الدالة على قدرته تعالى من مبدأ الخلق إلى منتهاه، من إحيائهم بعد الإماتة، ثم الإماتة والإحياء، وخلق جميع الخيرات المكنونة في الأرض ليتمتعوا بجميع ما في ظاهرها وباطنها، وخلق سبع سماوات مزينة بمصابيح، ليهتدوا بها في ظلمات البر والبحر، أفبعد هذا كله يكفرون بمحمد وبرسالته صلى الله عليه وسلم؟!