عرض مشاركة مفردة
  #1  
قديم 11-12-2000, 11:05 AM
المؤيد الأشعري المؤيد الأشعري غير متصل
عضو فعّال
 
تاريخ التّسجيل: Oct 2000
المشاركات: 226
Post التصوف والصوفية

بســــم الله الرحمن الرحيــــم

الحمدلله رب العالمين، الواحد الأحد الفرد الصمد، لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه الهدات الثقات الثقات .

اما بعد .
فأول ما ابدأ به في ذكر الصوفية والتصوّف ونتبرك بقول الإمام محمد بن أدريس الشافعي المطلبي -رضي الله عنه- في ديوانه حيث قال:

فقيهًا وصوفيًا فكن ليــس واحــدًا ... فإنـي وحــق الله إيّــــــاك أنصــحُ

فــذلك قــاسٍ لم يــذق قلبــه تـقى ... وهذا جهول كيف ذو الجهل يصلحُ

يقول شيخنا الكريم سيف الله الصقيل الإمام السيد / طارق بن محمد السعدي الحسني:
" إن التصوّف ركن الدين الثالث وهو الإحسان أُحْدث له اسم واصطلاح كما هو شأن الركنين الآخرين وسائر العلوم، وضبطت مبادئه وطرقه، وليس هو فرقة أو ما شابه، غير أنه لما كان العمل به على مراتب تميّز العاملون بأعلاها من بين الناس فصاروا كالفرقة المستقلة، فهم كذلك من جهة اختصاصهم بذلك المقام لا من جهة افتراقهم عن الحق ."

ثم يتابع الإمام الفاضل قوله: " إن نشأة التصوف أُحْدِثت بنشأة التكليف، لأنه روح التوحيد ووجهها الحقيقي التام، قال تعالى: { إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد } سورة ق
ولذلك قال الإمام مالك -رضي الله عنه-: من تفقه ولم يتصوف فقد تفسق، ومن تصوف ولم يتفقه فقد تزندق، زمن جمع بينهما فقد تحقق ." اهـ .

لنشرح كلامه
إن التشريع والأحكام الإسلامية التي في الكتاب والسنة تنقسم إلى ثلاثة أقسام، قسم يدعوا إلى التوحيد وهو علم التوحيد أو علم الكلام، وقسم يدعوا إلى التفقه في العبادات من الصلاة والزكاة والحج والصيام وعدم أكل الربا والبيوع والإرث وغيره ويسمى بعلم الفقه، أما القسم الثالث فهو يتعلق بالنفس، وبالروحانية وبأخلاق المرء المسلم وتزكتها من الحقد والحسد والكبر والعجب والربا والغيبة والنميمة والفحش والتفحش والبذاءة ومن الأمراض النفسية ومن رذائل الأمور، والحث بالتقوى وذكر الله والمراقبته والإبتعاد عما نهى الله عنه ورسوله واتباع عما أمر الله به ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم وحسن المعاشرة بين المسلمين والمعاملة معهم ومع غيرهم من البشر، يدعون الناس للخير والهدى وهذا يسمى بـ (علم التصوف) وقد أجمع جمهور العلماء على هذا الإسم ومنهم من يسمية بـ ( علم الإحسان) وبعضهم يسميه بـ ( علم تزكية النفس) وقد سماه ابن تيمية بـ (علم السلوك) .

يقول الشيخ الجلال المحلّي:
" واما الصوفي فهو ذو النفس الأبية يربأ بها عن سفاسف الأمور من الأخلاق المذمومة مثل الكبر والغضب والعجب والحقد والحسد وسوء الخلق وقلة الاحتمال إلى غير ذلك، وهذا مأخوذ من قوله عليه الصلاة والسلام: ( إن الله يحب معالى الأمور، ويكره سفاسفها ) .. رواه الطبراني في الأوسط . ومن صفات الصوفي أيضا أنه العارف بما يعرف به الله تعالى من صفاته، والمتصوّر تبعيده لعبده بإضلاله، وتقريب له بهدايته حتى خاف عقابه ورجا ثوابه فأصغى إلى الأمر والنهي فارتكب مأموره واجتنب منهيّه فأحبه مولاه، فكان سمعه وبصره ويده التي يبطش بها واتخذه وليا، إن سأله أعطاه وإن استعاذ به أعاذه، وهذا مأخوذ من قوله عليه الصلاة والسلام فيما رواه البخاري حديثا قدسيا: ( ومازال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التى يمشي بها، وإن سألني أعطيته وإن استعاذ بي لأعيذنّه) " اهـ .

وقذ ذكر سيدي الإمام السيد/ طارق السعدي الحسني -وفقه الله تعالى- بعض من الأحاديث النبوية وقال عنها بأن ذلك هو التصوف منها قوله صلى الله عليه وسلم: ( إنما بعثت لأتمم صــــالح الأخـــــلاق) وفي رواية( لأتمم مكــــــارم الأخـــــلاق) .
وقال صلى الله عليه وسلم: ( إن الله تعالى لا ينظر إلى اجسادكم، ولا إلى أحسابكم، ولا إلى أموالكم، ولكن ينظر إلى قلبوكم، فمن كان له قلب صالح تحنن الله عليه، وأما أنتم بنو آدم فأحبكم إلي أتقاكم) .
وقال صلى الله عليه وسلم: ( إذا طاب قلب المرء طاب جسده، وإذا خبث القلب خبث الجسد) .

وكان من دعائه صلى الله عليه وسلم: ( اللهم آت نفسي تقواها، وزكها أنت خير من زكاها، أنت وليُّها ومولاها، اللهم إني أعوذ بك من علم لا ينفع، ومن قلب لا يخشع، ومن نفس لا تشبع، ومن دعوة لا يستجاب لها) .

يقول التكتور أحمد علوش: " قد يتسائل الكثيرون عن سبب في عدم انتشار الدعوة التصوف في صدر الإسلام، وعدم ظهور هذه الدعوة إلا بعد عهد الصحابة والتابعين
والجواب عن هذا

إنه لم تكن من حاجة إليها في العصر الأول، لأن أهل هذا العصر كانوا أهل تقوى وورع، وأباب مجاهدة وإقبال على العبادة بطبيعتهم، وبحكم قرب أتصالهم برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فكانوا يتسابقون ويتبارون في الإقتداء به في ذلك كله، فلم يكن ثّمة ما يدعو إلى تلقيهم علما يرشدهم إلى أمر هم قائمون به فعلا، وإنما مثلهم في ذلك كمل العربي القح، يعرف اللغة العربية بالتوارث كابرا عن كابر حتى إنه ليقرض الشعر البليغ بالسليقة والفطرة دون أن يعرف شيئا من قواعد اللغة والإعراب والنظم والعروض والقريض، فمثل هذا لا يلزم تعلمة النحو ودروس البلاغية، ولكن علم النحو والقواعد اللغة والشعر تصبح لازمة عند تفشي اللحن، وضعف التعبير أو لمن يريد من الأجانب أن يتفهمها ويتعرف عليها ."

ثم يتابع الدكتور أحمد علوش قوله: " فالصحابة والتابعون وإن لم يتسموا باسم المتصوفين - وكانوا صوفيين فعلا وإن لم يكونوا كذلك اسمًا - وماذا يراد من التصوف إلا أن يعيش المرء لربه ونفسهن ويتحلى بالزهد وملازمة العبودية والإقبال على الله بالروح والقلب في جميع الأوقات ." اهـ

لما تقدم العهد وتوالت السنين والأيام ودخل في حظيرة الإسلام أمم شتى وأجناس عديدة ودائرة أتسعت وتقسمت وتوزعت بين أرباب الإختصاص قام كل فريق بتدوين الفن والعلم الذي يجيده أكثر من غيره، فنشأ ـ بعد تدوين النحو في الصدر الأول ـ علم الفقه، وعلم التوحيد، وعلم الحديث، وأصول الدين، والتفسير، والمنطق، وعلم مصطلح الحديث ..الخ .

وأخذ بعد فترة أن أخذ التإثير الروحي يتضائل شيئا فشيئا، وأخذ الناس يتناسون ضرورة الإقبال على الله بالعبودية، وبقلب وهمة عالية مما دعا أرباب الرياضة والزهد إلى أن يعلمواهم من ناحيتهم أيضا على تدوين علة التصوف، وإثبات شرفه وجلاله وفضله على سائر العلوم، ولم يكن ذلك منهم احتجاجا على انصراف الطوائف الأخرى إلى تدوين علومهم بل كان يجب أن يكون سدًا للنقص واستكمالا لحاجات الدين في جميع نواحي النشاط مما لابد منه لحصول التعاون على تمهيد أسباب البر والتقوى .

أما تاريخ التصوف فيظهر من خلال كلام الإمام المحدث السيد/ محمد بن الصديق الغماري -قدس الله روحه واعلى منزلته- قد سئل عن أول من أسس التصوف فقال:
" أما أول من أسس الطريقة، فلتعلم أن الطريقة أسسها الوحي السماوي في جملة ما أسس من الدين المحمدي، إذ هي بلا شك مقام الإحسان الذي هو أحد أركان الدين الثلاثة جعلها النبي صلى الله عليه وآله وسلم بعد ما بينها واحدًا واحدًا دينا بقوله: ( هذا جبريل عليه السلام أتاكم يعلمكم دينكم) وهو الإسلام والإيمان والإحسان ."

فالإسلام طاعة وعبادة، والإيمان نور العقيدة، والإحسان مقام مراقبة ومشاهدة هو أن تعبد الله كانك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك .

ففي كشف الظنون في حديث عن علم التصوف كلاما للإمام القشيري-رحمه الله قال:
" اعلموا أن المسلمين بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يتسم أفاضلهم في عصرهم بتسمية علم سوى صحبة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذ لا فضيلة فوقها فقيل لهم الصحابة، ثم اختلف الناس وتباينت المراتب فقيل لخواص الناس -ممن لهم شدة عناية بأمر الديم- الزهاد العباد، ثم ظهرت البدعة وحصل التداعي بين الفرق فكل فريق ادعوا أن فيهم زهادا، فانفرد خواص أهل السنة المراعون أنفسهم مع الله سبحانه وتعالى، الحافظون قلوبهم عن طوارق الغفلة باسم التصوف واشتهر هذا الإسم لهؤلاء الأكابر قبل المأتين من الهجرة" اهـ ص 414 جزء الأول ...

إذن فالتصوف ليس أمرا مستحدثا جديدا، وليس فيه ما يتهمه البعض أن نشأته من الفلاسفة القديمة الضالة ولكن الإنسان المؤمن لا ينساق بتياراتهم الفكرية ولا يقع بأحابيلهم الماكرة ويتبين الأمور ويتثبت في البحث عن الحقيقة، فيرى أن التصوف هو التطبيق العملي الفعلي للإسلام، وأنه ليس هناك إلا التصوف الإسلامي فحسب .

------------------
قال تعالى: { قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني } الآية .

للتواصل مع الإخوة أهل التوحيد والتنزية عبر الماسنجر:-
funway100@hotmail.com