عرض مشاركة مفردة
  #2  
قديم 28-06-2006, 03:34 AM
ابن حوران ابن حوران غير متصل
عضو مميّز
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2005
الإقامة: الاردن
المشاركات: 1,588
إفتراضي

أثر حضارة وادي الرافدين في حضارات العالم

أصالة في الفكر :

لم تكن حضارة وادي الرافدين أقدم حضارة فحسب ، بل كانت أكثر الحضارات العالمية اتزانا و أصالة ، وإن الحضارات التي تلتها ، أسست فوقها و عقدت أصالتها في الإضافات .. ولم يتح للبشرية التخلص من هذا التعقيد إلا مع بداية الفكر المعاصر .. لذا فإن الانتباه واجب من أخذ ما يقوله الأجانب في أن حضارات وادي الرافدين كانت ممزوجة بالأساطير !

إن الأسطورة أسلوب استخدمه إنسان الحضارات القديمة ، جامعا فيها الفكر والفلسفة ، والشعر و الأدب ، وحتى العلم أحيانا . لكنه كان ، على صعيد الواقع والحياة يقيم لكل أمر وزنه ، تماما كما نفعل نحن ، مع اختلاف في (الشيوع ) ، فالشائع في أيامنا العمل المادي والتقنية العلمية ، بينما الشائع في العصور الغابرة الشعر و التصوف ..

يقول (كونتنو ) : ( إن أشكال الدين المبتكرة تركت وراءها ، منذ السلالة السرجونية ، آثارا مهمة لا تزال قائمة حتى أيامنا . وهو يشبه من بعض الوجوه ، الديانات الهندوـ أوروبية البدائية )* 1 . ولا يعترض على هذا الكلام إلا في مسألتين ، وهي إبدال لفظة ( آسيوي ) ب (عراقي قديم ) وحذف صفة البدائية .

نظرة كونية :

يقصد بالنظرة الكونية هنا : هو عدم فصل الإنسان عن الكون من ناحية ، وعدم اعتباره شيئا أو قطعة منه ، من ناحية أخرى . فهو ليس كالأشياء (يُمتلك) بل هو من يملك ، وله ( أنا ) وذات عاقلة تعي علاقاتها في أسباب وجودها من ناحية و علاقاتها فيما بينها من ناحية أخرى ..

لقد عقد الفلاسفة اليونان الذين سبقوا سقراط و افلاطون و أرسطو ، الأمور في اعتبار الإنسان قطعة من الكون المادي ، بإرجاعه الى الماء والتراب والهواء و النار . بل اعتبروه رقما أصم ، دون تفريق بين إنسان وإنسان .. ولم يكمل سقراط ( رائعته ) في التركيز على ذات الإنسان ، إذ غيبها فيما بعد إفلاطون في عالم المثل ، بينما شرَحها أرسطو قطعة قطعة ، مستخدما أساليب المنطق و ألاعيبه البهلوانية ، ففقدت اتزانها ووحدتها وجمالها ..

لقد ظهرت أبعاد حضارة العراق بصفتها (كونية) من خلال أساطير النشوء ، والطوفان ، وكلكامش ، ونزول (انانا) الى العالم السفلي وغيرها .. لن يعي هذا الكلام ، من يأخذ من المنطق (الصوري ) الغربي أساسا لتفسير ما نذهب إليه ، وسيجد من يعي هذا الكلام و أثره في نظرية ( أوجست كونت ) 1798 ـ 1857 .. وما تلا تلك النظرية من إضافات فلسفية تربعت على النظرات للحياة بمختلف مناحيها .. فقد قسم (كونت) تاريخ البشرية الى ثلاثة عهود : الأول سماه عهد الطفولة أو عهد حضارات الدين والأساطير .. والثاني : عهد المراهقة ، وهو عهد الفكر الفلسفي ، بدءا من اليونان ومرورا بالعصر الوسيط ، والعهد الثالث : عهد البلوغ والنضج ، عهد العلم والتقنية بدءا بالاكتشافات والاختراعات العلمية و الثورة الصناعية .

ان تقسيما كهذا لا يزيف التاريخ وحسب ، بل ويشوه الإنسان ويقضي عليه . فمتى كان المرء مؤمنا وحسب أو مفكرا وكفى أو عالما ولا غير ذلك ؟ لكنه المنطق اليوناني الذي يفصل ويقطع ويركب كيفما شاء .. لكننا لو استخدمنا طريقة (ديكارت ) 1596ـ 1650 المنهجية في التخلي عن الأفكار والمفاهيم ، والغوص في أعماق الذات ، لاكتشاف (الحقائق الواضحة و المتميزة ) ، لأدركنا أن نظرة كونية هي وحدها تشرح الإنسان و تقيمه ، شرط أن ترافقها نظرة كلية .

يتبع
__________________
ابن حوران
الرد مع إقتباس