عرض مشاركة مفردة
  #1  
قديم 10-07-2004, 04:24 PM
اليمامة اليمامة غير متصل
ياسمينة سندباد
 
تاريخ التّسجيل: Jul 2001
الإقامة: السعودية
المشاركات: 6,889
إفتراضي د محسن العواجي مخاطباً خالد الفيصل : انزلوا قليلاً عما وضعتم أنفسكم فيه


كنت في بيت الله الحرام قريباً من مقام إبراهيم بعيداً عن الصحافة والإنترنت أتذكر ذنوباً لا ينجيني منها سوى سعة رحمة الرحيم الرحمن، أياماً معدودة لأتذكر فيها قصص السيرة متعظاً منها، جلسة هادئة قبيل المغرب قرب الكعبة المشرفة رجعت بي الذاكرة للماضي إلى عهد قريش فيتراءى لي أبو جهل، كأنه يمر من هنا أو هناك مجادلاً مكابراً يعذب سمية وعماراً، وهناك يجلس أبو لهب الذي ما أغنى عنه ماله وما كسب، ومعه امرأته حمالة الحطب، وأمية بن خلف يفعل في بلال المؤمن مثل ما تفعله أمريكا في أبي غريب وجوانتنامو، ثم أرجع لأجد في كتاب الله تعزية لرسوله ( قد نعلم إنه ليحزنك الذي يقولون فإنهم لا يكذبونك ولكن الظالمين بآيات الله يجحدون) وعلى الجهة الأخرى أتذكر حال المستضعفين من المسلمين كبلال وعمار وصهيب وفتى غفار، ينظر إليهم صناديد قريش باحتقار وازدراء، ليحكم الله بين الفريقين بحكمه الذي لا معقب له (وأورثنا القوم الذين كانوا يستضعفون مشارق الأرض ومغاربها التي باركنا فيها) و(ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين) وفي النهاية يحق الله الحق بكلماته فينقرض المستكبرون وينصر الله المظلومين كل ذلك كان في مشهد عجيب التفت يميناً وشمالاً فلم أرَ أي أثرا لكبرياء قريش وعنادها، بل أرى الحق كله أمامي رأيت رسالة المستضعفين شامخة عبر القرون، الحق و الإيمان والتوحيد والقران الى هذه الساعة، وأما أبو جهل وأبو لهب وأمية وعتبة فقد أخذهم الله أخذا وبيلا.
كانت لحظات خلوة و تأمل وعبرة وتربية، قبل أن ينغصها أحد الأحبة الذي هاتفني بحسن نية قائلا: هلا قرأت ما قاله أمير منطقة عسير عنكم يا أصحاب الوسطية والوسطيين؟ أتهمكم بأنكم (حطب) و(النار) هذه الفتنة!

فذكر لي كلاماً لم أستوعبه لغرابته، ثم تكاثرت علي الاتصالات من كل حدب وكأني المعني بهذه التهم الخطيرة أو الوصي على الوسطية لمجرد أني أنشأت موقعاً تجريبياً قبل سنوات لا يزال بين المد والجزر، ولما خرجت من الحرم وجدت البهتان الأميري منشورا في جريدة الوطن ، فقلت في نفسي حسناً (لا تحسبوه شراً لكم بل هو خير لكم) كنت أسمع الكثير عن الأمير خالد ولم أكن أكترث لعلمي أن كل إنسان له محبون ومبغضون والكمال لله ولأن المنهج السليم هو قوله تعالى (فتبينوا أن تصيبوا قوماً بجهالة) و للأمير خالد جهود في المنطقة لا ينكرها إلا مكابر وكنت ولا أزل احترمه وأتحاشى الدخول معه في سجال فكري لظني أنه شخصية متميزة بمواهب قد تفيد الأمة في بعض جوانبها الإيجابية لاسيما وهو في موقع مسئولية خاص، لا يرتقي إليه عادة أي مواطن عادي! لكنه سامحه الله قال فينا قولا عظيما نبرأ إلى الله منه دفعه الانفعال على غير العادة إلى أن وضعنا في قفص اتهام وبالجملة، وأي اتهام!!

القاعدة! بن لادن! العنف! في وقت نسمع ممن فوقه الشكر والتشجيع على مساع نبذلها منذ رمضان بلا منة، بيد أنه من الإنصاف الذي أمر به الله ألا نبخس الأمير خالد بن فيصل بن عبد العزيز حقه، (ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى) فالرجل موهوب بدرجة أصل في متابعته عندما يتحدث أحياناً إلى الانبهار بالمنطوق والبلاغة دون الفحوى، والرجل ذو ثقافة غزيرة ومتحدث من الطراز الأول، يعجبني في حديثة انتقاء العبارة وطراوة الأسلوب، إذا نطق وكأنك منصت إلى دريد بن الصمة، و أستطيع القول بأن ظهوره الإعلامي صوتاً أو صورةً أو شعراً أو نثراً ظهور متميز بلا جدال وهذا ما يدفعني إلى كتابة هذا المقال لدعوته إلى الحوار الذي لا أخاله يرفضه.

لكن الذي أخشاه أن تضيع هذه المميزات والمواهب في نار الغيرة من الآخر ، فهو يمارس الإقصاء الفكري، يندفع أحياناً ليقول في خصومه قولاً يجلب عليه وعلى بعض الأبرياء سهام الناقدين بلا رحمة،

أسمع منه، فأشعر أني أقرب إليه من (حبل الوريد) ثم أسمع عنه وأقول (يا ليت بيني وبينه بعد المشرقين!) والله تعالى أعلم بأحوال خلقه، لكن ليس جديداً أن يناصبنا الخصام فكرياً فقد بدأها حربا ضارية قبل العنف وأحداثه، وهاجر مجموعة من الدعاة عن أرض هو فيها في بضع سنين، ومن حقه الاختلاف مع غيره لكن لا أدري هل ينقم منا المناصحة لولاة الأمر والمطالبة بالإصلاح مع نبذ العنف؟ أم أن الأمر التبس عليه وظن أن العنف امتدادا لنا ؟ أما ما يخص الإصلاح المنشود فلا أعتقد أن الأمير خالد المعروف بعمقه الثقافي راض عن تخلفنا الإصلاحي مثلاً في مستوى المشاركة الشعبية أو انعدام مؤسسات المجتمع المدني فضلاً عن تفعيلها أو أنه يعترض علينا المطالبة بالعدالة في توزيع ثروة البلاد أو استقلال القضاء وهو أعلم القوم بهذا؟ وغير ذلك مما كنا ولا نزال نطالب به سلماً عبر الحوار الجاد والمناقشة مع قيادتنا التي أعلنا ولاءنا لها!
ما حاجة الأمير في إقحام العنف في حديثه بالأمس محرضاً علينا ونحن نتصدى للعنف أكثر من غيرنا معتقدين أنه عائق لكل خطوة إصلاحية؟ وطالنا بسبب ذلك التهديد والوعيد والوقوع في الأعراض!
هل الأمير هدانا الله وإياه للحق لا يزال يتعامل مع مخالفيه وكأنه يعيش فترة ما قبل أزمة الخليج الثانية (1990م) بينما نحن اليوم في مرحلة ما بعد أحدا ث سبتمبر، بل نعيش مرحلة ما بعد سقوط النظام البعثي وتحطيم ثماثيله ومحاكمة جلاوزته الذين كانوا يوماً من الأيام يخوفون جميع حكام المنطقة عن بكرة أبيهم!
فكلام الأمير بالأمس اندفاع في غير محله لا ينسجم مع ما نسمعه من قيادتنا حول هذا العنف، و أرجو أن لا ينسى الأمير العزيز أن الأيام قد تبدلت ولصالح الجميع بإذن الله ورفع الله أقواماً ووضع آخرين وأصبحت الساحة اليوم ساحة فكر وحوار وحجة وبرهان ومنطق، والفتى فيها من يقول هاأنذا وليس لمن يقول كان أبي، والحمد لله أننا نتعلم ولم نكابر في خطأ اقترفناه كما أن القيادة نفسها بأعلى مستوياتها أعلنت مراراً وجود الأخطاء لديها وضرورة السعي لإصلاحها.

أيها الأمير: أليس الظن بك وأنت المبشر بقيم الحضارة والتسامح والحوار أن تكون من أقرب الناس إلى الطبقة المؤمنة بقيم هذه الحضارة وتعدد الآراء وتباين وجهات النظر التي لا تنافى مع أصول الشريعة؟

وبحكم اطلاعك على تأريخ التغيرات الاجتماعية عبر التأريخ أجزم أنك قد قرأت تأريخ أوروبا لـ(وول ديورانت) وأجزم بأنك أيضا قد قرأت مقدمة بن خلدون العظيمة، وكيف أن نواميس هذا الكون جارية لا تحابي أحداً ولها أجل معلوم وسبب محتوم إذا جاء أمر الله ، والسؤال لماذ تختفي هذه المسلمات عن خطابك العام ؟

ليعذرني الأمير إن وجد في كلامي قسوة لم يعتدها ولم اقصدها، فليس من عادتي المجاملة وأنا الغريق فما خوفي من البلل، ولكني لن أدخل في مناقشة تفاصيل ما أورته من تهم علينا في مقال عابر على مواقع الانترنت، لأن هذا لا يجدي بين المتحاورين، أريد منك التفضل علي بقبول حوار علني مفتوح يسمعه من بُعد كما يسمعه من قُرب، وأنت من دعاة الحوار المعروفين
ويهمنا الوطن كما يهمك، بل أشعر بالحيف كلما سمعت أميراً يزايد على الشعب بالوطنية وكأنه الوحيد الذي يرعاها، وهو يرى أن الشعب هو الذي يضحي و يموت في سبيل الأمن العام خاصة رجالنا من الأمن الذين ما فتئنا جميعا نؤازرهم ليدافعوا عنا يقدمون حياتهم وييتمون أبناءهم في سبيل راحتنا نحن وإياكم يا سمو الأمير خالد
[B]وبالرغم من حرصكم الطبيعي على أمن هذه البلاد من زاوية تختارونها بحرية، إلا أننا نحن المواطنون أشد حرصاً على أمن بلادنا من جميع الزوايا!! لأن مصيرنا ارتبط قدرنا بهذا التراب الطاهر، لا مفر لنا منه إلا إلى المقابر، بل أكثرنا لا يملك منزلاً فوقه فضلا عن منازل ومنتجعات في الخارج يجدها في الأيام الخوالي لا سمح الله![/b]

ولذا فدفاعنا عن بلادنا خيار استراتيجي أوحد لا نقبل المزايدة عليه، وحرصنا على استقرار بلادنا مصلحة مباشرة لنا بالدرجة الأولى، و من حقنا أن نعترض على كل من يظن بنا غير ذلك لمجرد أننا طالبنا بإصلاح شأن عام أو عدالة في حكم، أو عدل في حكم أو نصيحة بيننا دون المساس بثوابتنا الوطنية الكبرى، ولما جاءت هذه الفتنة تركنا خلافنا جانباً لنقف مع القيادة في نفس الخندق لمقاومة هذا العنف تدينا لله أولا ثم وفاء لبلدنا وعوناً لحكامنا على البر والتقوى، فوصفنا مثيري الفتنة بالداخل كما تصفهم القيادة، ووصفناهم في الخارج كما كانت تصفهم القيادة فما الخطأ إذن؟ لتأتي يا سمو الأمير فجأة فتحملنا ونحن العزل المفصولون عن مواقع التأثير المغيبون عن الساحة فترة من الزمن، تحملنا أوزار واقع الحال الذي يؤكد أنك أولى بهذه التهم منا لاسيما وقد حدث في منطقة عسير أحداثا يندر حدوثها في أي منطقة أخرى ولا أخالها نابعة من وسطيتكم في التعامل معهم، علما بأن منطقة الجنوب الحبيبة على قلوبنا هي من أفضل بلادنا رجالاً و أصالةً و طيبة، ويكفيهم ما قاله فيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فالإيمان يماني وهم ألين قلوبا وأرق أفئدة وهم قوم كرم وشهامة، ومع ذلك عجزت هذه القلوب التي شهد النبي صلى الله عليه وسلم على رقتها وطيبها، عجزت أن تتحمل (وسطية) الأمير خالد بن فيصل بن عبد العزيز، قلوب دخلت الإسلام من الطائف إلى صنعاء برسالة حملها الصحابي بمفرده إليهم ، وحتى دخولهم في الحكم السعودي كان سلسا من أسرع المناطق استجابة وأقلها تكلفة مما يعني ضرورة الحفاظ على حقوقهم قديماً وحديثاً، وما شهدنا إلا بما علمنا وما كنا للغيب حافظين.
__________________