عرض مشاركة مفردة
  #1  
قديم 07-02-2003, 03:34 PM
أبو معاذ أبو معاذ غير متصل
العبد الفقير
 
تاريخ التّسجيل: Jun 2001
المشاركات: 87
إفتراضي مع الحجيج في عرفات

مع الحجيج في عرفات

إلهي! إنّ حجيجك واقفون الآن بين يديك شعثاً غبراً شبه عراة، يمدّون إليك أيديهم بالدعاء، ويملأون منك قلوبهم بالرجاء. وحاشا لكرمك أن تردّهم وتردّ من كان بقلبه وروحه معهم، فأفض علينا من رحماتك، وامددنا بسبب إلى سماواتك، وطهّر قلوبنا من نزعات الشّرّ، واملأ نفوسنا برغبات الخير، وأعنّا على طاعتك، وكرّهنا بمعصيتك، وارزقنا الصّبر على مرّ بلائك، والشّكر على حلاوة قضائك، ولا تمتحنّا بما لا نستطيع، ولا ترهقنا من أمرنا عسراً، واجعل ما نكرهه من الأذى سبيلاً إلى ما تحبّه من الطاعة، وما نرغبه من المعافاة وسيلة إلى ما تطلبه من العمل، ولا تحرمنا لذّة مناجاتك، ولا رقّة الانكسار إلى عظيم ذاتك، واجعلنا من أصفيائك، واحشرنا في زمرة أوليائك، ولا تكتب علينا ظلم أحد من عبادك، ولا انتقاص واحدٍ من مخلوقاتك، وأكرمنا عن مهانة العصيان، ومذلّة الحرمان، وجبروت الطّغيان، والتّبرّم بالقضاء، والشّكوى من البلاء، وفقدان النّعمة مع فوات الثّواب، وسعة الرّزق مع كثير العقاب، وصنّا عن ذلّ الحاجة إلا إليك، وعجز التّوكّل إلا عليك، ورهبة الخوف إلا منك، وخداع الأمن إلا بك، وضراعة الرّجاء إلا لك، وخضوع العبوديّة إلا لربوبيّتك، وهوان الذّلّ إلا لكبريائك، واغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان، وتذكّرونا بالدّعاء، وخفّفوا عنّا وقع البلاء، بجميل العزاء، ربّنا إنّك رؤوف رحيم.

* * * *

مولاي! إنّ المؤمنين بك قد اجتمعوا إليك تلبية لدعوتك، ووقفوا بين يديك رغبة في مرضاتك، فاجمعهم على العمل لدينك كما جمعتهم على السّعي لعبادتك، وارفع عزائمهم للضّرب على أيدي أعدائك، كما رفعت أيديهم في الرّجم عند جمراتك، ونقّ قلوبهم من الضّغينة، كما ألبستهم بياض الثياب، ووفّقهم للتّعاون على الجهاد، كما وفّقتهم لرجاء الثّواب، وجمّع قلوبهم عند شريعتك، كما جمّعت أجسامهم عند كعبتك، وألهمهم الرّحمة فيما بينهم، كما ألهمتهم بطلب الرّحمة منك، ورُدَّهم إلينا رسلاً عنك يصلحون، كما بعثناهم إليك رسلاً عنّا يلبّون، وفرّحنا بهم هداةً مرشدين، كما فرحت بهم عصاةً منيبين، واجعلهم أيمن وفودك إلينا، كما جعلناهم أسرع وفودنا إليك، واقبلنا بقبولك لهم، وارحمنا برحمتك إيّاهم، وارض عنّا برضاك عنهم، وتجلَّ علينا بتجلّيك عليهم، فهم منّا، ونحن منهم، ونحن جميعاًَ عبادك التّائبون.

* * * *

وقفوا وقوف الرّاجين، ونفروا نفورالمؤمّلين، وباتوا مبيت الخاشعين، وضحّوا تضحية الشّاكرين، ورموا رمي المعاهدين، وتحلّلوا تحلّل المبتهجين، وطافوا طواف المودّعين، فيا حسن ذهابهم راغبين، ويا حسن إيابهم تائبين، ويا حسن لقائهم طائعين.

* * * *

مولاي! إنّ في هذه الألوف التي تضجّ إليك بالدّعاء في عرفات، ومنى والبيت الحرام، عشرات، وعدوني أن يدعوا لي بالمغفرة والشّفاء، وأنا أعجز من أن أشكرهم، وأنت أقدر على أن تثيبهم، وهم في دعائهم لي وأنا غائب، أطهر منّي في رجائي منك وأنا حاضر، فإن لم تقبل دعائي لعجزي وتقصيري، فاقبل دعاءهم لطهرهم وبرّهم، وإن لم تقبل تضرّعي لتخلّفي عنك، فاقبل تضرّعهم لتلبيتهم لك، وأنت أكرم من أن ترفض دعائي ودعاءهم، وتعرض عن تضرّعي وتضرّعهم وأنت البرّ الرّحيم.

من كتاب "هكذا علّمتني الحياة"
د.مصطفى السباعي رحمه الله تعالى
__________________
إن صافحت يدهم أيدي صهاينة *** حسبي من الفخر أني ما مددت يدي