عرض مشاركة مفردة
  #32  
قديم 21-10-2005, 06:36 PM
ابن حوران ابن حوران غير متصل
عضو مميّز
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2005
الإقامة: الاردن
المشاركات: 1,588
إفتراضي

ان من يرث شيئا مأمونا يحبذ أن لا يكون له شريك فيه ؟



من يولد في بيت فقير ، ويموت والده ، عليه أن يشق طريق حياته بجد ومواظبة و كدح ، وقد يفلح و قد لا يفلح .. لكن من يولد في بيت غني موسر ، فانه يبقى طيلة حياته يحلم بحيازة ما سيترك أبوه ، فان توفت والدته بحياة أبيه فانه سيكون من كبار المعارضين لزواج أبيه ، لما قد يخلق له هذا الزواج من شركاء في التركة لم يحسب حسابهم أثناء أحلامه ..

ومنهم من يمضي ما تبقى من عمر أبيه ، في التآمر على نيل أكبر قدر من التركة ، كأن يأخذ وكالة ، أو يعبئ صدر والده ليحرم أخوته الآخرين من التركة في حياة أبيه ، أو أن ينال نصيبا من والده في حياته كحظوة دون أخوته ..

وقد يكون الأب مستقيما مؤمنا ، لا ينشد سوى رضا الله ، و إحلال العدل بين أبنائه و بناته .. ولكن دهاء بعض أبناءه يجعله أحيانا يبتعد عن الصواب ، فتمتلئ صدور من يغبن في حياة الأب أو بعد غيابه ..

هذه أحوال الحكم في بلادنا العربية ، فمن يحيط برأس الحكم ، يستمرئ الأبهة التي يحظى بها ، فحتى يضفي عليها صفة الديمومة ، أو يضيف على حظوته مزيدا من الامتيازات ، فعليه أن يمنع بروز مزيد من الشركاء .. حتى لو كانوا على درجة من القدرة و الإبداع مما يصب في مصلحة الوطن .. فتلوح في صفحة أفكاره ، أن رأس الحكم قد يعجب بمثل هؤلاء المبدعين ، فيقربهم منه أكثر ، وقد يكون هذا التقريب على حساب من هم قريبون في الوقت الراهن .

ان الهالة المحيطة برأس الحكم ، قادرة على معرفة ما يسره و ما يغيضه ، فيختارون فهرسا كاملا بخصال قد يبدو شيئا منها ظاهر لرأس الحكم ، كالادعاء بالمعرفة أو المعرفة نفسها ، ويضيفون عليه ما يجعل هذه المعرفة مصدرا للإزعاج و الخطر في المستقبل .. ويعمد من في الهالة المحيطة بالحكم على إعطاء رأيهم على دفعات ، يكون توقيت إبلاغ رأس الحكم بها منوطا بمعرفتهم الدقيقة بإحداث الأثر الذي ينشدون من وراءه ..

ان الهالة التي تحيط برأس الحكم ، تعرف خصائص و أطماع مكونات الهالة عنصرا عنصرا ، فتتعايش مع بعض وتوحد جهدها لخدمة أهدافها كفئة متعايشة مع بعضها و مع رأس الحكم .. لذا فان الخارجين من دائرة نعيمها أو رضاها ستتعامل مع رأس الحكم و الهالة المحيطة به ككيان واحد أو مجموعة واحدة .

و إن كانت وحدة الهالة المحيطة برأس الحكم لها ما يبررها .. فان وحدة أعداءها رغم اختلاف دوافع العداء له ما يبرره ..وان كان عدم تعرض أعداء أي حكم لبعضهم البعض ، وظهورهم (في حالة التعايش) و كأنهم جبهة أو حشد متماسك ، فان هذا الحشد سرعان ما يختلف و ينفرط عقد تعايشه الآني ، بمجرد إحساسه ببعض الأمان .. وذلك عند اقتسام الغنائم و التركة !!

ان هذا الشكل من الحكم سيجبرنا على ربط ما بدأنا به الحديث ، بتشبيه الحكم بالخيمة التي عناها الشاعر
( البيت لا يبتنى الا وعماد له ... ولا عماد ان لم ترس أوتاد )
ان ديمومة أي حكم ، وانطلاقه نحو العظمة ، يكون مرهونا بدقة ربط كل أجزاء الحكم من رأس وهالة و هالات و أقاليم و محافظات و أقضية و نواح و قصبات وقرى ، و أحياء و أسر و أفراد .. مرورا بتنظيم القطاعات الفاعلة ، دعائيا وإداريا و مهنيا و ثقافيا و فنيا ..

وهذه الوحدات المتداخلة والمتشابكة والفاعلة لا ينظم سيرها دون اصطدام أو تضاد سوى منظومة فكرية تراعي الموروث النوعي للأمة و الفهم الواعي لكيفية تفجير إبداعات المجموعات و الأفراد وفق التطور الحضاري الذي يمكن للأمة القيام به بكفاءة قياسية ..
__________________
ابن حوران
الرد مع إقتباس