عرض مشاركة مفردة
  #36  
قديم 29-10-2005, 08:30 AM
ابن حوران ابن حوران غير متصل
عضو مميّز
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2005
الإقامة: الاردن
المشاركات: 1,588
إفتراضي

أجيال متعددة تتعايش في حالة فريدة ..


من كان يعيش في عام 1955 م ومن كان يعيش في عام 955 م ، يكونان متشابهان في كثير من المسائل .. سواء كانت في طرق كسب الرزق أو تماسك الأسرة ، أو القاعدة الخلقية المؤثرة في السلوك أو إكتناه سلوك الآخرين ..

في عام 1955م لم يكن نسبة العاملين في غير قطاع الزراعة والرعي ، أكثر من 25% من أبناء الأمة العربية .. و يتوزع هؤلاء على قطاعات التجارة والخدمة في الجيش و قطاع التربية والتعليم و بشكل أقل في الصحة و النقل وقطاعات أخرى ..

أما اليوم فإن التوزيع قد انقلب ، حيث لا يعمل في قطاع الرعي والزراعة الا حوالي الربع من سكان الوطن العربي ، في حين تضخم أعداد العاملين في القطاعات الأخرى ، كما تم استحداث قطاعات عمل كثيرة و جديدة . وهذا أدى الى تغير هائل في موضوع التعامل مع الدولة و الصورة التي يريدها المواطن من الدولة أن تكون عليها ..

كما أن التوزيع الجغرافي للسكان قد تأثر تأثرا ملحوظا ، حيث انتقل قسم كبير من سكان البوادي والريف العرب ، الى حواضر من مدن كبرى الى مدن متوسطة ، وما تبع هذا الانتقال من صهر الكثير من النظرات تجاه كثير من المسائل ، ومن بينها مسألة النظر الى موضوع الدولة ..

و للوقوف على تأثير تلك التغيرات ، سنحاول إلقاء نظرة موجزة لثلاث أجيال متعايشة الآن مع بعضها ، تختلف في نظراتها التقييمية تجاه الكثير من المسائل التي تتناول موضوع الدولة ، لكنها تسهم في ضخ آراء تتزاحم في الفضاء الذهني العربي العام ..

أولا : جيل الأجداد المتبقي على قيد الحياة :

رغم أن هذا الجيل لا يتعدى نسبة 12% من سكان الوطن العربي ، الا أنه لا يزال يحظى بتأثير هام في الحياة العامة ، من حيث :
1 ـ أن معظم من هم في سدة الحكم أو من يعطي فقها للحكومات العربية هم من أبناء هذا الجيل .. بما يحملوه من خبرات تخص الحكم والحياة معا ، تنتمي لمخزون معرفي متأثرا بالمسار التاريخي السابق ..

2 ـ ان معظم ممتلكات الأمة من أموال و جذور أموال ، لا زالت بأيدي هذا الجيل الذي يديرها أو يحب أن تدار بمعرفته المتكونة من خبرات سابقة !

3 ـ ان السلطات الاجتماعية ، غير المصنفة على أنها مرتبطة مع الحكم ، لا تزال بأيدي أبناء هذا الجيل .. فالعشائر و أشباه منظمات المجتمع المدني من أحزاب و نقابات و غرف تجارة و جمعيات خيرية و غيرها .


ولما كانت ذخائر هذا الجيل (الأجداد) ، تتضاد بدرجة أو أخرى مع الأجيال التي بعدها من أبناء و أحفاد من حيث :

1 ـ أن جيل الأجداد الذي كان معزولا ثقافيا ، ولا يتلقى ثقافته ومعرفته الا من خلال القنوات التي تسمح سلطات الأب في حينه و سلطات الدولة . مما جعل المسطرة التي يقيس عليها الأمور التي تستوجب القياس ، تتسم بنمط تراثي .

2 ـ ان شكل النشاط الذي كان سائدا في أواسط القرن الماضي كان ينقسم الى خندقين لا ثالث لهما وهما الأول : خط الوطنيين والثاني : خط الأعداء .. وقد كان الخط الأول من السعة بمكان بحيث أنه يضم في جوانبه الديني والقومي واليساري .. ضد الاستعمار ومن كان يقف الى جانبه .. مما جعل طابع النشاط المعارض ، يأخذ صيغة جبهوية أو حشدية أو حركية ..

3 ـ لقد زاد حجم المسكوت عنه في صفوف قوى التحرر العربي ، وكان ذلك في سبيل الاستقلال و التحرر .. وما أن استقلت بعض الدول العربية ، حتى طفا المسكوت عنه الى السطح ، ليشكل بيئة خصبة لنمو أشكالا مختلفة من الصراعات على السلطة لا تزال تولد قلاقل من أقصى غرب الوطن العربي الى أقصى شرقه ..

4 ـ كانت نمطية الجهد الذي قامت به قوى المعارضة في كل أطيافه ، نمطية تتصف بالعموميات الوجدانية و إثارة الهمم الطيبة والتغني بأمجاد ، لم يستطيعوا رسم إحداثياتها بدقة .. ولا حتى يوظفوها توظيفا تاريخيا يصب في مصلحة الاستفادة من دروس و هفوات الماضي ..

في حين ان الجيلين الجديدين ، قد لمسا نوعا من عبثية المناداة بتلك الصيغ العمومية للخطاب السياسي في أواسط القرن الماضي .. فجامل أبناء الجيلين من في الحكم ، وكانوا أول من ينتقد الحكم في أي فرصة ، يحسون بها أنهم قد خرجوا من خطر ذلك الحكم !
__________________
ابن حوران
الرد مع إقتباس