عرض مشاركة مفردة
  #37  
قديم 30-10-2005, 12:07 PM
ابن حوران ابن حوران غير متصل
عضو مميّز
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2005
الإقامة: الاردن
المشاركات: 1,588
إفتراضي

الجيل الثاني : جيل التحولات و التغييرات ..

اذا كان الجيل الأول ( الأجداد الذين لا زالوا على قيد الحياة) .. قد استقى معلوماته و تكوينه المعرفي عن طرق قراءة كتب التراث التي تم إعادة طبع الكثير منها في بداية الخمسينات ، و ما تعلمه في المدارس على أيدي معلمين وضعت مناهج التدريس بين أيديهم وفق تلك الروحية ..

واذا كان ذلك الجيل قد عاش فترات الاستقلال الشكلي الأولى لمعظم الأقطار العربية ، كما عاش مرحلة اغتصاب فلسطين و معارك تحرير الجزائر و الكثير من الأقطار العربية .. وتوج تلك الأجواء بقراءات لشعراء مثل الزهاوي و الرصافي و علي محمود طه و أحمد شوقي و أبو القاسم الشابي و سليمان العيسى .. مما جعل مزاجه مزاجا مراهنا على نصر وشيك !

فان جيل الآباء قد عاش فترة التجريب المرير العقيم ، التي ضاع بها ما تبقى من فلسطين .. و هوت الشعارات النارية التي كان يتم التعبير عنها من خلال خطابات عبد الناصر ، و الكتب القومية و الماركسية و الإسلامية .. و أعيقت مشاريع (أحلام الوحدة) .. و انكفأت الحكومات التي كان مؤسسوها ينادوا بالوحدة ، صوب التقوقع القطري .. وتم التفنن بالتضييق على الحريات العامة ، بحجج مثل الطوارئ و دقة الظرف الراهن !

في مثل تلك الأجواء المخيبة للآمال ، ما كان أمام جيل الآباء الذين تعددت مشاربهم المعرفية والثقافية بصورة تفوق مصادر آباءهم عشرات المرات من خلال القنوات التالية :

1 ـ آلاف الخريجين من جامعات أجنبية وعربية ، امتزجت معارفهم العامة مع معارفهم العلمية ( المهنية ) .. وبعد عودتهم ، أحدثوا تغييرا في المزاج العام .

2 ـ تطور القنوات الإعلامية ، سواء كانت بالإذاعة أو التلفزيون ، أو المجلات والكتب ، وارتخاء قبضة المراقبة الحكومية في البلدان العربية .. مما أسهم في تطوير تقنية التعاطي في الرأي عند الناس ..

3 ـ التسلسل الدرامي للأحداث السياسية في الوطن العربي ، وظف طاقة هؤلاء الشباب بتوجيهها نحو إبداء الرأي و تناقله بين شرائح المجتمع العربي .

4 ـ تطور الجامعات العربية ، و جعل ساحات الجامعات ميدانا رحبا ، لتجنيس (صهر) الرؤى ، وتكوين محور نظري سائد بين أبناء هذا الجيل ..

واذا عرفنا أثر النزوع للإستهلاك الذي قفز بشكل طفرات متتالية لأبناء هذا الجيل والذي اختلف اختلافا بينا عن طرق الاستهلاك المحدود لأبناء الجيل السابق . فاننا نستطيع التعرف للشكل الذي برر به أبناء هذا الجيل تحركهم من خلاله .

لقد اتسم سلوك معظم أبناء هذا الجيل في كل البلدان العربية تقريبا بالتالي :

1 ـ المراهنة على تطور سريع في حياتهم .. وعدم إظهار الرضى في الحياة .
2 ـ التزلف و التملق للقائمين على الحكم ، كل حسب تواجده ، في الدوائر أو التقرب من مديريات الناحية أو القضاء أو المحافظة .. والتباري في إثبات حسن السلوك تجاه من هم في الحكم ..

3 ـ تبرير الرشوة والفساد بحجج واهية ، تستند كلها الى ضيق الحياة المعيشية ، والنظر الى من هم أعلى منهم و كيف ينعمون بأموال البلاد !

4 ـ عدم المشاركة العلنية بالحياة العامة ، الا اذا ربط من يحكم تلك المشاركة بمفاهيم الولاء و ما يتبعه من ترقيات للأفراد ..

5 ـ العزوف عن القراءة و المطالعة ، بحجة عدم الفائدة من ذلك .. وان كل الذين يكتبون من الكذابين !

6 ـ التفكير المستمر بالهجرة .. اذا لم يتم تكوين ثروة سريعة لدى أبناء هذا الجيل ..

ان أثر هذا الجيل الذي يتصف بصفة الطارئ على الوطن ، لم ينتبه لها لا جهاز حكومي عربي ، ولا جهاز تعبوي دعائي معارض .. فكان أثر هذا الجيل الذي تعامل مع الوطن وكأنه زائر أو ضيف ، أثرا مزدوجا ، فبالإضافة أنه سلبي ومؤذي في أغلب الأحيان ، فقد خلف جيلا أكثر تطرفا بعدم المبالاة و حتى الانحراف .. الا القلة التي اهتمت أصلا بترابط الأجيال !!
__________________
ابن حوران
الرد مع إقتباس