الجيل الثالث ( النشء الجديد ) :
اذا كان الجيل الثاني الذي اتسم نشاطه بعدم اليقين من أي شيء ، و أصبحت الرموز التي كانت تشكل أمثلة عليا لدى الجيل الأول ، سواء كانت مجسدة بأشخاص بعض معلمي المدارس و الجامعات وبعض الكتاب والشعراء و القاصين الجيدين .. كل تلك الشخصيات تم التشكيك في صلاحيتها أن تكون أمثلة عليا لدى الجيل الثاني ..
فان الجيل الثالث قد أضاف لهؤلاء النماذج التي كانت تحرس القيم ، وتبث بعض المحفزات لإثارة الهمم لدى المجتمع ، أضاف لهم جيل الآباء و اعتبره جيلا لا يصلح انتقاء أمثلة عليا منه . أما لماذا ؟ وما الذي حصل ؟:
1 ـ راقب النشء الجديد منظومة القيم ولاحظ بعدها عما هو سائد ، فلم تعد قاعدة أو مقولة ( أحب لأخيك ما تحبه لنفسك ) .. ولم تعد قاعدة ( حديث نبوي): (مثل المؤمنين في تحابهم كمثل الجسد الذي اذا اشتكى منه عضو تداعت له سائر الأعضاء بالسهر و الحمى ) .. ولم تعد قاعدة ( القناعة كنز لا يفنى) .
2 ـ ان الانفصام الذي حصل بين مفردات ( منظومة القاعدة الخلقية) وبين كل ما يجري ، جعل أبناء هذا الجيل يقلصوا دوائر نشاط بحثهم عن مطابقة تلك (المثل) مع أقرب الناس اليهم ، علهم يهتدوا الى مثل أعلى يقتدون به .. فيلحظوا الأب و قد خضع للعبة التزلف والنفاق التي ذكرناها .. ولاحظوا المعلم الذي أصبح يتفنن في كسب رزقه بالاحتيال على الطرق السوية في التدريس ، وجر بعض الطلبة ليأخذوا عنده بعض الدروس الخصوصية .. فهوى أهم منبعين لاستلهام المثل الأعلى من بينهما ..
3 ـ لكثرة الخريجين وازدياد نسبة التعليم ، و عدم تميز المتعلم عن غيره ، لم تعد العملية التعليمية تشكل رديف للعملية التربوية التي تبقي حالة التطور الحضاري ، مقترنة بمفاهيم الأصالة و مفاهيم النمو المتوازن ..
4 ـ ازدادت الفوارق بين الأغنياء و الفقراء خلال العشرين سنة الماضية ، وقفزت أحلام تتدخل في شكل سلوك الأجيال .. كما ازدادت معها متوسط أعمار الزواج لدى الجنسين ، مما خلق وضعا مرتبكا لم تعهده الأمة ، على أكثر من صعيد ..
5 ـ ان الثورة الإعلامية العالمية ، وتقديم نماذج من الحياة اليومية ، ونماذج من المشاكل .. دفعت هذا الجيل الى الإحساس بانعدام الوزن ، واسوداد المستقبل أمام أبناءه .
ان كل تلك المعطيات أوجدت صفات لهذا الجيل ممكن تلخيصها بما يلي :
1 ـ عدم القراءة و المطالعة ، للإحساس بعدم نفعها .. بل و تعدت تلك الصفة الى المواظبة على الانتظام بالمدارس و المعاهد و الجامعات .. فأعطت صبغة عامة على انخفاض المستوى العلمي قياسا بمن سبق من الأجيال .
2 ـ انخراط ابناء هذا الجيل في نماذج متناقضة غير سوية ، فمن الالتزام المبالغ به بالتجمعات ذات الطابع الديني .. الى الانحراف و تعاطي كل أشكاله التي لم تكن تعرفها الأمة سابقا ..
3 ـ فقدان الإحساس بالهوية الوطنية ، وهذا يتمثل بأزياء بعض الملابس و قصات الشعر ، و ترديد بعض الأغاني و الغوص باستخدام الشبكة العنكبوتية لصرف فيض الاحتقانات المتعددة ، وبأشكال تنذر بخطورة ما !
4 ـ فقدان حالات الانضباط الاجتماعي العام .. كما رافق تلك الصفة عدم التهيب أو الخوف من شيء ، وهي صفة لم تتواجد بالجيلين السابقين بهذا الوضوح .
ويبقى بين كل تلك النماذج مساحات يعيش بها نماذج سوية ، سيكون لها شأنا وقدرة استثنائية في تصويب حال الأمة ..
__________________
ابن حوران
|