عرض مشاركة مفردة
  #40  
قديم 03-11-2005, 06:51 PM
ابن حوران ابن حوران غير متصل
عضو مميّز
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2005
الإقامة: الاردن
المشاركات: 1,588
إفتراضي

متى يتحرك الناس للتغيير و كيف يتحركون ؟


الامتعاض ، عدم الرضى ، الرفض ، السخط ، العصيان المدني ، التمرد .. والكثير من المصطلحات التي تشير لحالات تسبق التغيير في أي بلاد . لكن ما الذي يجعل أن يكون هناك شعبا راضيا و شعبا رافضا ، و إنسانا راضيا و إنسانا رافضا ؟

قد يقدم لإنسان كسرة خبز وقليل من الماء ، ويكون شاكرا و راضيا و قانعا وحامدا .. وقد يقدم له طعام فاخر من أجود الأصناف ، ولا يبدي الرضا و لا الشكر ، بل سيفتش عن أدق التفاصيل و يجعلها مدخلا لإبداء عدم رضاه .. كالاحتجاج على كمية الملح الزائد أو الناقص ، أو درجة نضج الطعام الخ .

في حالات قبول المواطن للحكم أو عدم قبوله ، لا تخضع الأمور دائما لاحتكام المنطق والعلم ، بل تخضع لنفس المزاج الذي سقناه بمثال الطعام .. فمن المواطنين من يمدح الحكم أي حكم ، دون أن يلمس منه أي شيء إيجابي أو سلبي ، وهناك من يعلن رفضه وعدم حبه للحكم منذ اللحظة الأولى ؟

تتدرج حاجات الناس في ثلاث مراحل متتالية من حيث الأهمية ، المرحلة الأولى : هي الحاجة للمنفعة الحدية ، ففوائد السكن الحدية مثلا ، هي الوقاية من عوامل الجو والطبيعة وتأمين الستر للساكن .. فان توفرت ينتقل الإنسان لتلبية الحاجة الثانية وهي الرمزية ، كأن يلتزم بنمط البناء السائد في المنطقة من طراز عربي اسلامي ، أقواس ، مقرنصات الخ .. فاذا تحققت انتقل الى اشباع الحاجة التميزية ، كأن يختار بعض أصناف الرخام أو الحجر مع التفنن بنقشها ليتميز على غيره من السكان الذين أمنوا سكنهم أولا والتزموا بالطراز المعماري ثانيا .. فلم يبق الا أن يتنافس معهم على تخصص يميزه !!

سنجد هذا التسلسل في كل المناحي ، بالملبس والطعام ووسائط النقل .. حتى في تقبل موضوع الدولة ..

فالحاجة الاساسية للدولة ، كما يراها البعض هي تأمين القانون الذي يحمي الناس من بعضهم ويؤمن حماية البلاد من العدوان الخارجي ، ويوظف خيرات البلاد لخدمة أبناء البلاد .. وقد تكون هناك أهداف في مخيلة أي فرد تتقدم على غيرها من الأهداف الأخرى التي تكون هي لدى أفراد آخرين بالصدارة ..

لكن ما هي العوامل التي تجعل السمة العامة لدى المواطنين هي عدم الرضا ؟

1 ـ غياب العدل ، وكثرة الاستثناءات تجعل المواطنين يتبرمون من وضع الحكم .. وعندما يحكم على مواطن بحكم قاس ، ويدرك أنه لا يوجد من ينصفه لأنه وقع بشباك معقدة من الإجراءات التي تكفل عدم تغييرها صرامة الرؤى الحكومية تجاه ، مثل تلك الأصناف من الأحكام .. فإن المواطن سيشعر بقهر وإحباط هائلين ، سيشكلان في داخله ندبا يبني عليها مواقفه المستقبلية ..

2 ـ ضيق المعاش على المواطن ، يجعل مشاعره تجاه المكان الذي يعيش فيه غير ودية لأنه لم يشبع حاجاته الحدية من مأكل و مشرب ومسكن و تعليم و علاج من خلال تلك الأوضاع .. فان وده تجاه المكان و من يديره ( الحكم ) ستكون بلا شك ، مشاعر غير ودودة بأقل تعبير ..

3 ـ مشاهدة المواطن لنماذج تقل عنه كفاءة و نشاطا ، لكنها تعيش في أوضاع أكثر راحة و يمن منه .. وذلك لأنها محسوبة على جانب الولاء للنظام الحاكم ، فهذا يجعل هؤلاء الأشخاص مهاميز استفزاز مستمر لذلك المواطن ، خصوصا اذا كان على صلة مكانية أو زمانية بتلك النماذج .. كزمالة في المدرسة أو الكلية أو جار أو قريب .. وقد عرف عن ماضيه ما يؤكد عدم استحقاقه للعيش بهذا النمط المتفوق على نمط المواطن ..

4 ـ نموذج المفروزين من الحكم ، لعدم مطابقة سلوكهم مع السلوك العام للحكم.

5 ـ هناك نماذج تكون أكثر نشاطا في تحركها ، و أكثر قيمة عند القوى الخارجية التي تتربص بأي بلد سوءا .. وهي النماذج التي كان آباؤها و أجدادها متسيدون في عهود قديمة ، كعهد الإقطاع أو عهود الحكومات المرتبطة بالأجنبي بوقاحة ، فهؤلاء مهما كان شكل الحكم ، يبقى الحنين لأمجادهم السابقة هو من يحركهم ويدفعهم للمساهمة في رفض أي حكم لا يعيد لهم أمجادهم ..

6 ـ النموذج الأخير الذي ينشط و يغلب على نشاط كل النماذج السابقة .. هو نموذج الرافضين للحكم لعدم تحقيق الشخصية الوطنية للبلاد ، وعدم تحقيق إنجازات على صعد تطوير هيبة البلاد و النهوض بها اقتصاديا و علميا .. وهؤلاء في الغالب هم من السياسيين المحترفين .. الذين يستطيعون في الغالب استثمار تذمر الفئات الأخرى ..

وعلى العموم فإن كل تلك الفئات والنماذج ، غالبا ما كانت تفشل في البلدان العربية ، التي توقف فيها الأثر العسكري في تغيير الأنظمة منذ أكثر من ثلاثين عاما لأسباب ذكرناها في موضع سابق .. كما أن السلطات الحاكمة في أغلبية الأقطار العربية والتي تمكنت من معرفة وقف التغييرات التي تتم بواسطة الجيش (رغم حالة موريتانيا كاستثناء) .. فقد احترفت التعامل مع القوى المعارضة .. واستطاعت شرذمتها و تخفيف أثرها .. بالإضافة لافتقار تلك الفئات المعارضة نفسها لتحديث أساليب معارضتها المدنية ..
__________________
ابن حوران
الرد مع إقتباس