عرض مشاركة مفردة
  #25  
قديم 05-10-2003, 02:23 AM
مسلم فاهم مسلم فاهم غير متصل
Registered User
 
تاريخ التّسجيل: Aug 2003
المشاركات: 518
إفتراضي

والشروط الثلاثة غير منطبقة على اسم القديم، وعلى نظائره كالصانع والمتكلم والمريد وأشباه ذلك، فإنها:
أولا: لم تَرِدْ في النصوص فليس في النصوص اسم القديم، ولا اسم الصانع، ولا اسم المريد، ولا اسم المتكلم، ولا المريد، ولا القديم، أما الصانع فله بحث يأتي إن شاء الله.
والثاني: اسم القديم لا يدعا الله جل وعلا به؛ يعني لا يُتوسل إلى الله به؛ لأنه في ذاته لا يحمل معنى متعلقا بالعبد فيسأل الله جل وعلا به، فلا يقول يا قديم أعطني، لأنه لا يتوسل إلى الله بهذا الاسم، كما هي القاعدة في الآية ﴿وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا﴾[الأعراف:180]، فثَم فرق ما بين التّوسل بالأسماء والتّوسل بالصفات.
والثالث من الشروط الذي ذكرناه: هو أن تكون متضمنة على مدح كامل مطلق غير مختص، وهذا يعني به أنّ المدح، أن أسماء الله جل وعلا هي متضمنة لصفات، وهذه الأسماء لابد أن تكون متضمنةً للصفات الممدوحة على الإطلاق، غير الممدوحة في حال والتي قد تذم في حال، أو ممدوحة في حال وغير ممدوحة في حال أو مسكوت عنها في حال، وذلك يرجع إلى أنّ أسماء الله جل وعلا حسنى؛ يعني أنها بالغة في الحسن نهايتَه، ومعلوم أن حسن الأسماء راجع إلى ما اشتملت عليه من المعنى؛ ما اشتملت عليه من الصفة، والصفة التي في الأسماء الحسنى والمعنى الذي فيها لا بد أنْ يكون دالا على الكمال مطلقا بلا تقييد وبلا تخصيص. فمثل اسم القديم، هذا لا يدلّ على مدح كامل مطلق، ولذلك لما أراد المصنف أنْ يجعل اسم القديم أو صفة القِدم مدحا قال (قَديمٌ بلا ابتدَاء)، وحتى الدائم هنا قال (دَائمٌ بلا انْتهاء)، لكن لفظ القديم قيّده بقوله(بلا ابتدَاء) فهذا يدل على أن اسم القديم بحاجة إلى إضافة كلام حتى يُجعل حقا وحسنا ووصفا مشتملا على مدح حق، لهذا نقول إنّ هذا الأسماء التي تُطلق على أنها من الأسماء الحسنى يجب أن تكون مثل ما قلنا صفات مدح وكمال ومطلقة غير مختصة، وأمّا ما كان مقيدا أو ما كان مختصا المدح فيه بحال دون حال، فإنه لا يجوز أن يدخل في أسماء الله.
ولهذا مثال آخر أبْيَن من ذلك، مثل المريد والإرادة، فإن الإرادة منقسمة إلى:
— إرادة محمودة؛ إرادة الخير إرادة المصلحة، إرادة النفع، إرادة موافقة للحكمة.
— والقسم الآخر إرادة الشرّ، إرادة الفساد، إرادة ما لا يوافق الحكمة، إلى آخره.
وهنا لا يسمى الله جل وعلا باسم المريد، لأنّ هذا منقسم، مع أن الله جل وعلا يريد سبحانه وتعالى، فيُطلق عليه الفعل، وهو سبحانه موصوف بالإرادة الكاملة، ولكن اسم المريد لا يكون من أسمائه لما ذكرنا.
وكذلك اسم الصانع لا يقال أنه من أسماء الله جل وعلا؛ لأن الصنع منقسم إلى ما هو موافق للحكمة، وإلى ما هو ليس موافقا للحكمة، والله سبحانه وتعالى يصنع وله الصنع سبحانه، كما قال ﴿ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ﴾[النمل:88] وهو سبحانه يصنع ما يشاء وصانع ما شاء كما جاء في الحديث «إِنّ اللّهَ صَانِعٌ مَا شَاءَ» سبحانه وتعالى، ولكن لم يسمَّ الله جل وعلا باسم الصانع لأنّ الصُّنع منقسم.
أيضا اسم المتكلم، المتكلم لا يقال في أسماء الله جل وعلا المتكلم؛ لأن الكلام الذي هو راجع إلى الأمر والنهي، منقسم: إلى أمر لما هو موافق للحكمة؛ أمر محمود، وإلى أمر بغير ذلك، ونهي عمّا فيه المصلحة؛ نهي عمّا فيه الخير، ونهي عما فيه الضر، والله سبحانه وتعالى نهى عمّا فيه الضرر، ولم ينهَ عما فيه الخير جل وعلا، بل أمر بما فيه الخير، ولذلك لم يسمَّ الله جل وعلا بالمتكلم.
هذه كلها أطلقها المتكلمون على الله جل وعلا، فسموا الله بالقديم، وسموا الله جل وعلا بالمتكلم، وسموا الله جل وعلا بالمريد، وسموا الله جل وعلا بالصانع، إلى غير ذلك من الأسماء التي جعلوها لله جل وعلا.
فإذا تبين لك ذلك فإن الأسماء الحسنى هي ما اجتمعت فيها هذه الشروط، واسم القديم لم تجتمع فيه الشروط؛ بل لم ينطبق عليه شرط من هذه الشروط الثلاثة.
والمؤلف معذور في ذلك بعض العذر؛ لأنّه قال (قَديمٌ بلا ابتدَاء).
الخالق غِير والصانع غِير.
الخالق أولا جاء في النص، والصّانع ما جاء.
ومن جهة المعنى الصُّنع فيه كَلَفَة؛ فليس ممدوحا على كل حال، والخَلق هذا إبداع وتقدير فهو ممدوح.
الخلق منقسم إلى مراحل، وأمّا الصنع فليس كذلك؛ والله الخالق البارئ المصور، فالخلق يدخل من أول المراحل، والصنع لا، الصنع ليس كمالا، ممكن يصنع ما هو محمود ويصنع ما هو مذموم، يصنع بلا برء ولا إنفاذ، وقد يصنع شيئا لا يوافق ما يريده.
فلهذا اسم الخالق يشتمل على كمال ليس فيه نقص، وأما اسم الصانع فإنه يطرأ عليه أشياء فيها نقص من جهة المعنى ومن جهة الإنفاذ، لذلك جاء اسم الله الخالق ولم يجيء اسم الله الصانع .
المسألة الثالثة والأخيرة: المتعلقة بهذه الجملة أن قوله (قَديمٌ) و(دَائمٌ) كما ذكرنا عند أهل السنة يعبّر عنه بالأول والآخر كما جاء في النص، والله سبحانه وتعالى أوليته عند أهل السنة في ذاته وفي صفاته، وآخر سبحانه في ذاته وفي صفاته، فهو سبحانه لم يزل متصفا بالصفات، وهو أولٌ بصفاته، وهو سبحانه لن ينقطع اتصافه بصفاته سبحانه وتعالى من الجهة الأخرى؛ يعني أن آخريته سبحانه آخرية ذات وصفات، وأوليته سبحانه أولية ذات وصفات، فنقول عِلْم الله سبحانه وتعالى أَوَّل، ورحمة الله جل وعلا أُولى، وخلقه سبحانه أول يعني اتصافه بهذه الصفات كذاته سبحانه، فهو الأول الذي ليس قبله شيء لا في ذاته ولا في صفاته، وهذا سيأتي له مزيد بيان عند قوله (مَا زالَ بِصِفَاتِهِ قَديماً قَبْلَ خَلْقِهِ، لم يَزدَدْ بِكَوْنِهِم شَيْئاً، لم يكنْ قَبلَهُم مِنْ صِفَتِهِ، وكما كانَ بصفاته أزَليًّا، كذلك لا يزالُ عَلَيْها أبديًّا).
المقصود أنّ التعبير عن صفات الله جل وعلا بكونها أُولى والله جل وعلا أوّل بذاته وصفاته هذا الموافق للنص، أما نقول الكلام القديم أو خلْقه القديم أو حكمته القديمة وأشباه ذلك فإنّ هذا يرد وأيضا يحتمل معنى غير صحيح.
الجملة الثانية قوله (لا يَفنَى ولا يَبيدُ)، وكونه سبحانه (لا يَفنَى ولا يَبيدُ) ذلك لكمال حياته جل وعلا ولكما قيوميته دلّ على ذلك قوله سبحانه ﴿كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ(26)وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ﴾[الرحمن:26-27] ويدل عليها قوله ﴿كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ﴾[القصص:88] بأحد التفسيرين، ويدل عليها قوله جل وعلا ﴿اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ﴾[البقرة:255] وذلك لكمال حياته وكمال قيوميته، وإذا انتفى الأدنى انتفى الأعلى من باب أولى، ولهذا قال (لا يَفنَى ولا يَبيدُ) سبحانه وتعالى، وأراد المصنف بقوله (لا يَفنَى ولا يَبيدُ) أراد شيئين فيما يظهر:
الأول: أن هذا فيه مزيد وقر لله جل وعلا بكمال الحياة وكمال القيومية جل وعلا، وتفسير لقوله (دَائمٌ بلا انْتهاء).
والثاني: أنّ بعض أهل البدع زعموا أنّ بعض صفات الله جل وعلا تفنى، أو أن بعض آثار أسمائه جل وعلا يبيد، ونحو نطلق القول لأنه جل وعلا لا يفنى ولا يبيد سبحانه وتعالى في ذاته وفي أسمائه وصفاته، ولا نقيّد ذلك بالزمن المستقبل بشيء، بل نقول وعلى إطلاقه لأنه سبحانه آخر ليس بعده شيء، وأنه لا يزال متصفا بصفاته بمشيئته وقدرته جل وعلا.
فإذن قوله (لا يَفنَى ولا يَبيدُ) هذا لكمال ربوبيته سبحانه وكمال اتصافه بالصفات.
ثم قال (ولا يكونُ إلا ما يُريدُ) وهذه الجملة الأدلة عليها كثيرة من الكتاب والسنة؛ فإن الله سبحانه وتعالى قال ﴿وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا﴾[الإنسان:30]، وقال سبحانه ﴿وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ﴾[التكوير:29]، و«ما شَاءَ الله كَانَ وَما لَمْ يَشَأْ لَمْ يَكْنْ » والله سبحانه يشاء الأشياء فتكون كما شاءها جل وعلا، ولا تخرج مشيئة العبد عن مشيئة الله جل وعلا للأشياء.
وقوله (ولا يكونُ إلا ما يُريدُ) يريد به المشيئة؛ يعني لا يكون إلا ما يشاءه سبحانه، فالإرادة هنا المعني بها الإرادة الكونية، وأراد بهذه الجملة الرد على القدرية الذين يزعمون أنّ الرب جل وعلا أراد طاعة المطيع، وأراد إيمان المؤمن؛ أراد إيمان المكلف، ولكن المكلف أراد الكفر وأراد المعصية فكان ما لم يرد الله جل وعلا، وهذا قول الذين يقولون إنّ العبد يخلق فعل نفسه كما هو قول المعتزلة وبعض الطوائف أيضا من القدرية، يقولون إن العبد يخلق فعل نفسه وأنّ الله جل وعلا لا يخلق الفعل، فيحصل في الكون ما لا يريده جل وعلا لأن الله سبحانه لا يريد الكفر ولا يريد الضلال ولا يريد المعصية، وهذا القول باطل كما ذكرنا لك لأن الإرادة المراد بها هاهنا الإرادة الشرعية.
وهنا نخلص في هذه الجملة إلى مسائل:المسألة الأولى: أنه أراد بقوله (ولا يكونُ إلا ما يُريدُ) أراد بالإرادة هنا المشيئة، والإرادة؛ إرادة الله جل وعلا منقسمة إلى:
j إرادة كونية؛ يعني فيما يحصل في كون الله جل وعلا.
k والإرادة شرعية.
أما الإرادة الكونية فكثيرة في النصوص وهي مرادفة للمشيئة، فمشيئة الله هي الإرادة الكونية، فإذا قلنا شاء الله كذا؛ يعني أراده كونا.
أما المشيئة فلا تنقسم إلى مشيئة كونية وإلى مشيئة شرعية؛ بل هي نوع واحد هو مشيئة في كونه، أما الشرع فإنما يوصف بإرادة شرعية.
وهذا يعني أنّ الإرادة الكونية التي هي المشيئة هي التي لا يخرج أحد عنها، فقد يقع الشيء مأذونا من الله جل وعلا؛ شاءه الله سبحانه وتعالى كونا وقدرا، ولكنه لم يُرده شرعا ولم يُرده دينا، فتختلف الإرادتان إذا تعلقت بمعصية العاصي وكفر الكافر، فمِن جهة معصية العاصي وقعت بإرادة الله الكونية ولكنها لم تقع بإرادة الله الشرعية، والله سبحانه قال ﴿وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْمًا لِلْعِبَادِ﴾[غافر:31] وقال سبحانه ﴿يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمْ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمْ الْعُسْرَ﴾[البقرة:185]، وفي المشيئة قال جل وعلا ﴿وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْرًا لَأَسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوا وَهُمْ مُعْرِضُونَ﴾[الأنفال:29] وهذا راجع إلى عِلم الله جل وعلا فيهم بأنه سبحانه ما شاءه وما لم يشأه لم يكن سبحانه وتعالى، ولو عَلم الله سبحانه فيهم خيرا لأسمعهم ولو أسمعهم لتولوا وهم معرضون؛ يعني في عِلم الله جل وعلا فيما لم يقع، ولن يقع، لو وقع، ولو شاءه كيف يكون.
فإذن صارت مشيئة الله جل وعلا هي الإرادة، والإرادة مرتبطة بالعلم وبالحكمة، وهذا خلاف الإرادة الشرعية فإن الإرادة الشرعية مطلوبة من العبد؛ أَمْر، أَمَرَ بكذا، وَنَهَى عن كذا، فصار المأمور به والمنهي عنه مرادا له شرعا.
فإذا تبين هذا فإذن قوله (ولا يكونُ إلا ما يُريدُ) هذا راجع إلى الإرادة الكونية فقط، والذين لم يفرقوا ما بين الإرادتين وقع منهم الغلط في معصية العاصي وضلال الكافر فيما سيأتي بيانه إن شاء الله في موضعه من مباحث القدر
__________________
اللهم ألحقنا بحبيبنا نبى الرحمه صلى الله عليه وسلم وارزقنا قفوا آثاره واتباع سنته ,,,,

هذا وأصل بلية الاسلام ** تأويل ذي التحريف والبطلان

وهو الذي فرق السبعين ** بل زادت ثلاثا قول ذي البرهان