عرض مشاركة مفردة
  #3  
قديم 21-09-2006, 11:13 PM
زومبي زومبي غير متصل
Banned
 
تاريخ التّسجيل: Dec 2005
المشاركات: 664
إفتراضي

ثالثاً : إن الشيخ سلمان لم يكتف بإجازة المشاركة في جيش وشرطة العراق حتى أوجب ذلك ، ولم يذكر أي دليل يستند عليه في إطلاق هذا الحكم المتهاوي سوى قوله :[وللضرورات أحكام ، ونتحمل ما قد يصيبنا لدفع شر أكبر.] ، فما يفهم من كلامه أن هذا من باب الضرورات وجرياً على قاعدة ارتكاب أخف الضررين لدفع أعظمهما .

فهو بذلك يقر بأن الحكم الذي قرره يعد خارجاً عن الأصل واستثناء منه بناء على ظروف وحالات مؤثرة كما هو المعروف في قاعدة الضرورات المثبتة بأدلة شرعية متعددة ، وهو يعترف أيضاً بأن الانضمام إلى الجيش والشرطة مشتمل على أضراروحاوٍ لشرور ولكن يرى أن ارتكاب تلك الإضرار يحتمل لأجل دفع ما هو أعظم وأكبر منها ، ومع ذلك فلم يبين الشيخ سلمان ما هو الناقل للحكم عن أصله وما الذي صيره – بحكم الضرورة – واجباً ، وما هي حقيقة تلك الضرورة التي تعلق بها الحكم ، خاصة وأنه لم يضع حدوداً لتلك المشاركة كما أنه لم ينص على الدوافع الحقيقة التي تُجيز بل توجب على العراقي المشاركة في جيش وشرطة العراق إلا قوله عنها : [فهي مستقبل وحاضر البلد] وهي كلمة تعليلية عليلة لا وزن لها ولا اعتبار فلا حاجة للانشغال بها.

ومع هذا الإطلاق والتعميم فإن أنسب ما يمكن توجيه كلام الشيخ إليه هو اعتبار الانضمام إلى الجيش والشرطة من قِبل أهل السنة يساعدهم في كف الاعتداءات البشعة والمتكررة من كتائب الروافض والتي تمسك بأزمة الأمور في منظومتي الجيش والشرطة ، وأن ترك هذا المجال يفسحه لزيادة تمكن تلك العصابات الإجرامية.

وهنا نقول إن المعروف عن الشيخ سلمان العودة هو دوام نصحه لشباب الجزيرة بعدم التوجه للعراق ، وهذا القول مع أنه لا يستند إلى دليل شرعي صحيح بل هو مصادم لكل الحجج القاطعة بوجوب الجهاد ونصرة المسلمين وحرمة خذلانهم ، وهذا الموقف إنما هو في الحقيقة تبع للسياسة العامة المتبعة العميلة تجاه القضية العراقية ، فهو أيضاً ليس مبنياً على اطلاع واقعي لحاجة الجهاد العراقي كما يصفه القائمون عليه والذين يعرفون مدى تأثير مشاركة أي عنصر مجاهد سوى العراقيين معنوياً ومادياً وهو ما يعطي القضية العراقية أبعاداً أوسع من المحيط الذي يريد أن يحصرها فيه الصليبيون وأذنابهم.

وعلى هذا الأساس فإذا كان الدافع الذي جعل الشيخ سلمان يوجب على العراقيين المخلصين المشاركة في الجيش والشرطة هو النقص في عدد المجاهدين الذي يتم به حماية عوام أهل السنة من تنكيل الروافض الحاقدين فهذا يعني أن الواجب الشرعي المتوجه هو السعي لتتميم هذا النقص من خلال اتساع دائرة تعين الجهاد لتشمل كل مستطيع من المسلمين سواء في داخل العراق أو في خارجها كما هو المعلوم من كلمة الفقهاء المتفق عليها وهي أنه إذا دهم العدو أرضاً من أراضي المسلمين صار الجهاد متعيناً على أهل تلك الدار فإن عجزوا أو قصروا شمل الوجوب من يليهم من المسلمين وهكذا حتى ولو أدى إلى تعين الجهاد على كل فرد من أفراد الأمة ، كما قال شيخ الإسلام –رحمه الله- : [وأما قتال الدفع فهو أشد أنواع دفع الصائل عن الحرمة والدين فواجب إجماعاً ، فالعدو الصائل الذي يفسد الدين والدنيا لا شيء أوجب بعد الإيمان من دفعه ، فلا يشترط له شرط بل يدفع بحسب الإمكان وقد نص على ذلك العلماء أصحابنا وغيرهم] ، وقال أيضا [وإذا دخل العدو بلاد الإسلام فلا ريب أنه يجب دفعه على الأقرب فالأقرب ، إذ بلاد الإسلام كلها بمنزلة البلدة الواحدة ، وأنه يجب النفير إليه بلا إذن والد ولا غريم ونصوص أحمد صريحة بهذا].

فهذا هو تقرير العلماء الراسخين في العلم على مر العصور ونظير هذا مثبت ومكرر في كتبهم ، وهو الذي ينبغي التعويل عليه والوقوف عنده ، فكان الواجب على الشيخ سلمان أن يلتزم بهذه القاعدة ، وأن ينزع عن فتاواه وتقريراته عُبيّة القطرية ، ومن ثم فيفتي بوجوب تدفق الشباب المجاهد المتعطش للشهادة والمتحمس للنصرة على ساحة العراق ليقفوا بجانب إخوانهم لا أن يمنعهم من الذهاب أو ينصحهم بذلك ، بل يزيد الأمر سوءاً فيقول إن الضرورة توجب على العراقيين المخلصين أن يسارعوا للمشاركة في الجيش والشرطة فينسف بعبارة واحدة زهيدة جهوداً مضنية بذلت لأجلها الدماء وتطايرت الأشلاء وتحمل المجاهدون لتحصيلها مرارة لَعْق الصَبِر.

فما هي تلك الضرورة التي أوجب بسببها الشيخ على العراقيين أن يكونوا ضمن الجيش المرتد والشرطة المرتدة ، فهلا بينها وجلَّاها وفصلها ليقف الآخذ أو المنتقد على حقيقة القول ويتضح له المراد بعيداً عن متاهات الظنون ودهاليز التخيلات والتحليلات.
أما الزعم بأن هذه المسألة هي من قبيل ارتكاب أخف الضررين لدفع أشدهما فلا وجود له إلا في عالم الأوهام ، وهو بمعزل تام عن الواقع المعقد المتداخل الذي يعيشه المجاهدون في تلك الساحة التي تغلي بأهلها غليان المرجل.

ولقد ذكرتُ فيما سلف تجربة حية جرت من قبل جماعة جهادية لها ثقلها في الساحة العراقية في هذه المسألة ، ومع أن فتواها كانت مقيدة ومحددة ومفصلة من حيث دوافعها ومحاولة مراعاة ظروف الواقع إلا أنها اكتشفت وفي وقت وجيز من إصدارها أن عاصفة الكفر والمكر التي يتزعمها عباد الصليب وأعوانهم لا يمكن أن تواجه بمثل هذه الفتاوى البئيسة ، وتيقنت أن (الأضرار) و(الشرور) و(المفاسد) المترتبة على ارتكاب مثل هذا الأمر لا يعادله ضرر ولا يدانيه شر ولا تفوقه مفسدة.

إن أقصى ما يمكن ذكره هنا من المفاسد التي يُظن حصولها بترك المشاركة في الجيش والشرطة هو العجز عن حماية الأنفس أمام الهجمة الرافضية الحاقدة التي تنكل بأهل السنة وتلاحق ضعفاءهم ، كما أن التخلي عن المشاركة في الجيش والشرطة يعني تفرد تلك الطوائف الرافضية بأمر القوة وهذا ما ألمح إليه الشيخ سلمان بقوله : [ولا يمكن أن نقبل أن يكون الجيش أو الشرطة منخارج البلد أو أن يمثل فصيلاً واحداً من فصائل العراق ويستعبد الكثير.
وأضاف فيذات السياق : لا أحد مستفيد من أن تكون مؤسسات العراق حكراً على فصيل]
فأما عن الأمر الأول من هذين فابتداء أثبتت التجربة العملية أن الانضواء تحت لواء الجيش والشرطة بحجة حماية أهل السنة قد أنتج خلاف ما يزعم متبني هذا التصور والمتكئ على هذا الدافع ، فلم يكد ينضم إلى هاتين المنظومتين أحد ممن يحتج بذلك حتى وجد نفسه في قفص محكم لا يمكنه الخروج عنه ، بل صار ألئك (المجندون) أعواناً مباشرين لجنود الاحتلال كغيرهم من عصابات الطوائف المحلية التي أرادوا الاحتماء من إجرامها ، وحيل بينهم وبين ما يزعمون ، وبقيت مناطق أهل السنة عرضة لغارات أهل الغدر ، وأصبح ديدن هؤلاء وغاية سعيهم هو إثبات براءتهم من أي ارتباط مع الجماعات الجهادية وتأكيد ولائهم التام للنظام وقواته ، فلم يألوا جهداً في ارتكاب كل شيء لإزالة وهم التهم التي ربما تنسب لهم ولو كان ذلك بالمداهمات والاعتقالات والتقتيل والتنكيل بالمجاهدين وأنصارهم كما ثبت هذا بالواقع العملي ، ولا فرق في ميزان الشرع بين مرتد كان منتسباً للسنة كهؤلاء وبين منتسب للروافض : {أَكُفَّارُكُمْ خَيْرٌ مِّنْ أُوْلَئِكُمْ أَمْ لَكُم بَرَاءةٌ فِي الزُّبُر}القمر43 فأية مفسدة تلك التي يراد تحملها لدفع ما هو أعظم منها في مثل هذه الحال التي نفتح فيها أبواب الردة للناس ونقول لهم أدخلوها بسلام آمنين ، وأية مصلحة تلك التي سيكتسبها الإنسان إن ضيع دينه الذي فيه خسران دنياه وأخراه.
ثم ما هي تلك الشرور العظيمة التي يريد الشيخ سلمان درأها مقابل مفسدة الانضمام إلى تلك الجيوش والتي هوَّن من شأنها وعدَّها مغمورة في بحر المصالح الكبرى المجتناة من وراء المشاركة في الجيش والشرطة.

إن أول مفسدة سيجرها الاشتراك في هاتين المنظومتين – والتي هي أم المفاسد – هو إقحام الناس في باب عريض جليِّ من أبواب الكفر والردة ، فإن الأمر المقطوع به والذي يعلمه كل من له أدنى أدراك ، أن المهمة الأولى والرئيسة التي أسست لأجلها هذه الأجهزة هي مساعدة الاحتلال وحماية نظام الحكم العميل الذي أوجده وأقامه ودعمه وقنن دستوره الصليبيون ، ولهذا فلن تجد لهذا النظام خروجاً عن المجال الذي حدد له من قبل أسياده قيد أنملة ، والمناطات المكفرة للمشارك في هذه المنظومات أكثر من أن نأتي عليها في هذا الموضع.

وثاني تلك المفاسد هو إطفاء جذوة الجهاد والتي بذلت لأجل إشعالها جهود مضنية وقدمت تضحيات باهظة ، وذلك لأن مدار قيام الجهاد واستمراره على التمايز بين معسكر الإيمان ومعسكر الكفر ، ليعرف أهل الحق بميزاتهم وصفاتهم وأعمالهم فيوالون وينصرون ويعرف أهل الكفر بأحوالهم وأفعالهم فيعادون ويحاربون ، وحدوث الخلط بين هذين المعسكرين يعني إدخال الناس في دوامة تيه ودائرة حيرة لا يفرقون فيها بين حق وباطل ولا بين هدى وضلال ، فعند ذلك من سينصرون ومن سيقاتلون ، ومن سيوالون ومن سيعادون ، بل
__________________
نراع إذا الجنائز قابلتنا *** ونلهو حين تختفي ذاهبات
كروعة قلة لظهور ذئب *** فلما غاب عادت راتعـــــات