عرض مشاركة مفردة
  #11  
قديم 27-11-2006, 02:55 AM
النسري النسري غير متصل
كاتب مغوار
 
تاريخ التّسجيل: Jun 2004
الإقامة: الأردن
المشاركات: 2,917
إرسال رسالة عبر ICQ إلى النسري
Post


ولذا قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في الوصية الكبرى (ص 45): ولم يأمر بقتل الحسين ولا أظهر الفرح بقتله. ويقول في موضع آخر من منهاج السنة (4/472): إن يزيد لم يأمر بقتل الحسين باتفاق أهل النقل، ولكن كتب إلى ابن زياد أن يمنعه عن ولاية العراق، والحسين رضي الله عنه كان يظن أن أهل العراق ينصرونه ويفون له بما كتبوا له .. فلما أدركته السرية الظالمة، طلب أن يذهب إلى يزيد أو يذهب إلى الثغر أو يرجع إلى بلده، فلم يمكنوه من شيء من ذلك حتى سيتأسر لهم، فامتنع فقاتلوه حتى قتل شهيداً مظلوماً رضي الله عنه.
وقال الطيب النجار: وتقع تبعية قتله أي الحسين علي عبيد الله بن زياد وشمر بن ذي الجوشن وعمر بن سعد، ولا يتحمل يزيد بن معاوية شيئاً من هذه التبعة، وهو بريء من تهمة التحريض على قتل الحسين. الدولة الأموية (ص 103).
ولكن يزيد بن معاوية انتقد على عدم اتخاذ موقف واضح من ابن زياد أو من الذين شرعوا في قتل الحسين رضي الله عنه.
فهذا شيخ الإسلام يقول : ولكنه مع ذلك أي مع إظهار الحزم على الحسين ما انتصر للحسين، ولا أمر بقتل قاتله، ولا أخذ بثأره. منهاج السنة (4/558).
وقال ابن كثير: .. ولكنه لم يعزله على ذلك ولا عاقبه ولا أرسل يعيب عليه ذلك، والله أعلم. البداية والنهاية (9/204).
وكل الذي أبداه شيخ الإسلام و غيره من هذه الاعتراضات لها قدر كبير من الوجاهة والأهمية، ولكن معرفة ظروف العصر الذي حدثت فيه الحادثة، تجعلنا أكثر تعمقاً في مناقشة هذا الرأي.
فالكوفة كما هو معروف هي مركز التشيع في تلك الفترة، وهي بلدة غير مستقرة، معروفة بثوراتها وفتنها، وطوائفها وأحزابها، وعندما كان أمير الكوفة النعمان بن بشير رضي الله عنه كادت الأمور أن تنفلت من يده، فلما أسل يزيد ابن زياد أميراً على الكوفة استطاع ابن زياد في مدة قصيرة أن يعيد الأمور إلى نصابها، وأن يكبح جماح الثورة، وسيطر سيطرة كاملة على الكوفة، وحتى بعد مقتل الحسين رضي الله عنه، فإن الوضع الأمني في الكوفة ازداد خطورة، ولا أظن أن يزيد يسجد قائداً بحزم ابن زياد وبقوته، ثم إن الشيعة لن ترضى سواء عُزل ابن زياد أم بقي، ولن تغير ما في قلوب الشيعة من حقد على الدولة نفسها.
ولو أقدم يزيد على إقالة ابن زياد فإنه سيدفع تكاليف هذه الخطوة كثيراً، وربما سوف يتحول الوضع إلى ثورة كبرى يقودها الشيعة أنفسهم والمتأسفون لقتل الحسين كما حدث بعد ذلك بقترة وجيزة والمعروفة بحركة التوابين.
أما بالنسبة إلى تتبع قتلة الحسين رضي الله عنه، فإن هذا ليس من السهولة، فنفس الصعوبات التي اعترضت علياً رضي الله عنه في عدم تتبعه لقتلة عثمان رضي الله عنه، ومن بعده معاوية رضي الله عنه، والذي كان من المصرين على تنفيذ القصاص على قتلة عثمان، سوف تعترض يزيد بن معاوية لو أنه أراد تتبع قتلة الحسين.
ولعل تصرف سليمان بن صُرَدْ رضي الله عنه الذي قاد التوابين ضد ابن زياد يوضح هذه المسألة بوضوح، فقد أدرك سليمان بن صرد أن قتلة الحسين رضي الله عنه في الكوفة، ومع ذلك اتجه لمقاتلة ابن زياد بدلاً من مقاتلة قتلة الحسين في الكوفة قائلاً لأصحابه: (إني نظرت فيما تذكرون فرأيت أن قتلة الحسين هم أشراف أهل الكوفة، وفرسان العرب، وهم المطاَلبون بدمه، ومتى علموا ما تريدون وعلموا أنهم المطاَلبون كانوا أشد عليكم، ونظرت فيمن تبعني منكم فعلمت أنهم لو خرجوا لم يدركوا ثأرهم ولم يشفوا أنفسهم، ولم ينكوا في عدوهم وكانوا لهم حذراً .. الطبري (5/558).
وبهذا يتضح السبب أكثر في عدم تتبع قتلة الحسين، وبالأخص من قبل الدولة الأموية؛ إذ ليس الأمر بالهين وهم يتبعون قبائل كبيرة لها وزنها الاجتماعي والسياسي، فلربما أدى تصرف مثل هذا، إلى زعزعة أمن الدولة وبالأخص في منطقة العراق كلها، ثم إن يزيد لم يتفرغ بعد لمحاسبة ولاته، بل كانت الثورات متتابعة، فمعارضة ابن الزبير أخذت تكبر وتنمو، وأهل الحجاز قلوبهم ليست مع يزيد إلى غير ذلك من مشاكل الدولة الخارجية، والتي تجعل يزيد عاجزاً عن اتخاذ موقف قوي مع ولاته أو الذين أخطأوا في حق الحسين رضي الله عنه.
هذا بالنسبة لموضوع خروج الحسين ومقتله رضي الله عنه، وموقف يزيد من ذلك ..

والله تعالى أعلم .
__________________