عرض مشاركة مفردة
  #5  
قديم 28-12-2003, 07:19 PM
غــيــث غــيــث غير متصل
من كبار الكتّاب
 
تاريخ التّسجيل: May 2003
الإقامة: الخيمة العربية
المشاركات: 5,289
إفتراضي

ولا أرى من جهتي سبيلاً لردع استعراض القوة الهائل هذا الا بقيام تحالف لا سابق له بين الحكام العرب وشعوبهم. لكن هذا يتطلب بالتأكيد تعهد كل الحكومات العربية بفتح مجتمعاتها لشعوبها والغاء كل الاجراءات الأمنية القمعية لتشكيل معارضة منظمة للامبريالية الجديدة. ان الشعوب التي تجبر على خوض الحروب أو التي تعاني من الاخراس والقمع لا يمكنها الوصول الى مستوى التحدي للخطر الداهم. والمطلوب ان يكون لنا مجتمعات عربية تحررت في شكل تام من حال الحصار المفروضة ذاتياً بين الحاكم والمحكوم. لماذا اذن لا نرحب بالديموقراطية دفاعا عن الحرية وحق تقرير المصير؟ لماذا لا نقول اننا نريد تعبئة كل مواطن يرغب في القيام بالمهمة في جبهة موحدة ضد العدو المشترك؟ اننا بحاجة من كل مثقف وكل قوة سياسية الى التكاتف ضد المشروع الاستعماري لاعادة صياغة حياتنا دون موافقة منا. لماذا نترك مهمة المقاومة للتطرف والمفجرين الانتحاريين اليائسين؟

يمكن القول استطراداً انني لاحظت اثناء قراءتي لتقرير الأمم المتحدة عن التنمية البشرية في العالم العربي قلّة تركيزه على التدخل الاستعماري في العالم العربي وما له من تأثيرات عميقة وطويلة العهد. انني لا أقول ان الخارج هو مصدر كل مشاكلنا، لكن في الوقت نفسه ارفض الرأي القائل بأنها كلها من صنع أنفسنا. لكن لا شك أن السياق التاريخي ومشاكل التجزئة السياسية تلعب دوراً كبيراً لا يعيره التقرير اهتماماً يذكر. ان غياب الديموقراطية يعود في جزء منه الى التحالف بين القوى الغربية من جهة وانظمة أو احزاب الاقليات الحاكمة من الجهة الثانية، وبالتالي فالقضية ليست أن العرب لا يريدون الديموقراطية بل لأن الديموقراطية مثّلت خطرا بالنسبة للكثير من الأطراف في هذه الحلبة. اضافة الى ذلك، لماذا علينا اتخاذ النموذج الأميركي للديموقراطية (وهو التعبير الملطف عن حرية السوق وعدم الاهتمام بما للانسان من حقوق والحاجة الى الخدمات الاجتماعية) وكأنه الوحيد المطروح. انه موضوع يحتاج الى نقاش أوسع بكثير مما تتحمله هذه المقالة، ولذا سأعود الى نقطتي الرئيسية:

لنتصور كيف كان للموقف الفلسطيني ضد الهجمة الأميركية الاسرائيلية أن يكون أكثر فاعلية لو قام على وحدة فلسطينية صلبة بدل التسابق المهين على الانضمام الى الفريق المكلف مقابلة كولن باول. ولم أفهم عبر السنين سبب فشل قادة الفلسطينيين في تطوير استراتيجية مشتركة في وجه الاحتلال ورفض الدخول في متاهات مثل خطط ميتشل أو تينيت أو "الرباعية" الحالية. لماذا لا نقول لكل الفلسطينيين اننا نواجه عدواً واحداً باطماع معروفة في أرضنا وحياتنا ويجب التوحد للكفاح ضده؟ المشكلة الجذرية في كل مكان وليس فقط فلسطين هي الانقسام العميق بين الحاكم والمحكوم، وهو من النتائج المشوهة للاستعمار. انه الخوف من المشاركة الديموقراطية، وكأن مقداراً زائداً من الحرية يؤدي الى خسارة النخب الحاكمة دعم القوة الاستعمارية. النتيجة بالطبع ليست فقط غياب أي تعبئة حقيقية لخضوع الصراع المشترك بل أيضاً ادامة التجزئة والانقسامات الداخلية. وها نحن نجد أمامنا الوضع الحالي الذي يتلخص في استبعاد غالبية المواطنين العرب عن المشاركة في معركة المصير هذه.

الشعب العربي اليوم، أراد أم لم يرد، يواجه هجوماً شاملاً على مستقبله من قبل القوة الاستعمارية الأكبر، أميركا، التي تعمل بالتنسيق مع اسرائيل لاخضاعنا وتحويلنا الى اقطاعيات متصارعة أولويتها ليست الولاء لشعوبها بل لتلك القوة الاستعمارية ووكلائها المحليين. انها الحقيقة الجلية التي لا يعني عدم ادراكها سوى التعامي المتقصد. ما نحتاجه الآن هو كسر القيود الحديد التي تكبل المجتمعات العربية وتحيلها الى عُصب مكبوتة تغلي بالغضب الصامت، وقيادات لا تشعر بالأطمئان في مواقعها، ومثقفــــين مهمشين. انها أزمة لا سابق لها، ولذا لا بد لمواجهتها من وسائل جديدة. الخطوة الأولى اذن هي ادراك حجم المشكلة، ثم العمل على التغلب على تلك العوامل التي تقصر تفاعلنا معها على الغضب العاجز وردود الفعل المبتسرة. لكن البديل أمامنا كما ذكرت، وهو يقدم الكثير مـن الأمل.


استاذ الانكليزية والادب المقارن في جامعة كولومبيا

(عن الحياة اللندنية)



آسف الموضوع كان طويل ..ولكن !