عرض مشاركة مفردة
  #5  
قديم 06-05-2006, 11:25 AM
muslima04 muslima04 غير متصل
عضو مشارك
 
تاريخ التّسجيل: Dec 2003
المشاركات: 872
إفتراضي الحلقة الثالثة..

من الأزمات أزمة التخطيط.

والتخطيط مطلب شرعي، حتى أن الرسول (صلى الله عليه وسلم) كان يعتمده كثيرا.
وحادثة الهجرة مثلا مثل في هذا المجال، ومثله أيضا لما هاجر النبي عليه الصلاة والسلام قال كما في حديث حذيفة في صحيح مسلم:
(أحصوا لي من يلفظ بالإسلام).
فأجرى النبي عليه الصلاة والسلام عملية إحصائية لعدد المسلمين وهذا كله يتعلق بموضوع التخطيط، ومحاولة الإعداد للمستقبل.
التخطيط لحل المشكلات التي يمكن أن تنجم.
التخطيط لتنمية المجتمع، التخطيط لبناء النفس.
التخطيط للوقاية من الأخطار، والأخطار المقبلة.
ونحن نعرف أن الصحابة رضوان الله عنهم كانوا يتخوفون وهم في المدينة من غسان، حتى أن رجلا لما طرق على عمر خرج إلي عمر وقال له:
ما لك؟ قال أفتح حصل أمر عظيم.
فقال ما لك هل جاءت غسّان ؟
قال وكنا نتسامع أنهم ينعلون الخيل لحربنا وقد امتلأت قلوبنا منهم رعبا.
قال لا، الأمر أعظم من ذلك، طلق رسول الله (صلى الله عليه وسلم) نسائه.
والحديث طويل معروف، والشاهد أن توقع الأخطار المستقبلية والاستعداد لمدافعتها وإزالتها هو جزء مما هو مطلوب من المسلم.
ولكن انعدام الشعور الصادق بالمسؤولية
وانعدام المؤسسات والدراسات والاستطلاعات
وعدم توفر البيانات الصادقة الضرورية للعمل
وإبعاد الكفاءات المخلصة، واستيراد المخططين الأجانب من خارج دائرة المنتفعين والمستفيدين، بل من خارج دائرة أبناء الأمة كلها.
كل هذا أوجد أزمة في التخطيط على مستوى الأمة في كل مدنها ودولها ومناطقها وأنتج ذلك عواقب منها استمرار التخبط، وعدم انتظام الأمة، وعدم تحقيقها لما تطمح إليه وتصبو إليه.
ومثله أيضا أن الأمة أصبحت تتعرض دائما وأبدا مفاجأة غير محسوبة، ونكبات لم تكن تنتظرها، وأهدر المال والجهد في أشياء لا تنفع الأمة في حاضرها ولا في مستقبلها.
وكم ندمت الأمة على مال بذلته، أو علاقة بنتها أو خطة رسمتها أو غير ذلك من الأشياء.

من الأزمات أزمة الأمن.

أمن الإنسان على نفسه أو على مستقبله أو على دينه قبل ذلك كله، أو على فكره أو على ماله أو على ولده أو على منصبه أو جاهه أو مكانته أو كرامته إلى غير ذلك.
ويجب أن نعلم أن الخائف لا يعمل شيئا، ولا ينتج شيئا، ولا يتعاون مع أحد، ولا يوجد أمن للإنسان دون وجود حدود فاصلة له واضحة وواقعية تبين ما للإنسان فيه حق فيفعله، وما ليس للإنسان فيه حق فيتركه.
وما لم توجد الإجراءات الكافية لحفظ حقوق الإنسان إذا ظُلم أو اعتدي عليه أو قصّر في حقه كائنا من كان هذا الظالم ومهما كان حجم الظلم الواقع عليه.

من الأزمات أزمة المنهج.

فالأمة كثيرا ما تغيب عن وعيها ولا تعرف هويتها وحقيقتها وانتمائها أو تغيب عنها قبلتها التي أمرت أن تتجه إليها، صحيح يعرف الناس الكعبة البيت الحرام فيصلون إليها في أحينا كثيرة.
لكنهم قد لا يعرفون إلى أين يتجهون في تفكيرهم
وإلى أين يتجهون في اقتصادهم
وإلى أين يتجهون في سياستهم
وإلى أين يتجهون في إعلامهم
والإسلام دين جاء ليهيمن على الحياة كلها، ولتدور في فلكه كل الأعمال والأفكار والتصورات والمواقف، لقد ظل جزء من الأمة يركض وراء الشيوعية حتى فوجئ بسقوطها.
ولا زالت أجزاء كبيرة من الأمة تركض وراء التغريب ووراء النظام الدولي الجديد
ووراء أمريكا بنظمها وسياساتها وخططها وأفكارها ومناهجها
ولا زالت أجزاء كبيرة من الأمة تنادي بالعلمانية وفصل الدين على الدين على الحياة وعن كل المجالات العملية المثمرة.
ومثل ذلك التبعية لبعض المذاهب أو النظريات القديمة ولو كانت موجودة في تاريخنا وتراثنا، فإن تاريخنا مثلا يوجد فيه الآراء المنحرفة آراء الفلاسفة آراء الجهمية، آراء المعتزلة، آراء الأمم الكثيرة التي نقلها بعض المسلمين وترجموها وتأثروا بها.
فلا بد من تحرير التبعية وأن يكون المعيار في المنهج للقرآن الكريم والسنة النبوية لا غير:
(وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا واتقوا الله إن الله شديد العقاب).
إن هذا المقياس يقضي على كل صور التناقض في الأمة، فما وجدناه موافقا للحق الوارد في القرآن الكريم والحديث الصحيح أخذنا به بغض النظر عن مصدره.
وما وجدناه مخالفا رفضناه ولو كان ظهر من بيننا ومن بلادنا.
من مظاهر انعدام المنهج أو ضعفه أو أزمته تذبذب الشباب وترددهم وانعدام الانسجام الفكري والثقافي وأزمة الثقة أيضا بينهم.

من أزمات أخيرا أزمة التدين.

بل لعلها أهم الأزمات ولذلك جعلتها هي الأخيرة، أزمة غياب مراقبة الله عز وجل، وغياب الخوف من لقائه وأي معنى لحياة إنسان غاب عنه الإيمان بالدار الآخرة.
قال الله عن بعض عباده المخلصين:
(إنا أخلصناهم بخالصة ذكرى الدار).فذكر الدار الآخرة واعتبارها في عمل الإنسان وقوله وفعله هو الذي يضبط المعيار والميزان في نفسه، يجعله يقبل على الخير طواعية ويعرض عن الشر طواعية فهذا يوف عليه السلام تتيسر له كل الأسباب في بيت امرأة العزيز وهي سيدة البيت وقد أغلقت الباب وفي خلوة وقالت له:
(هيتَ لك) وفي قراءة (هئتُ لك) قال:
(معاذ الله إنه ربي أحسن مثواي إنه لا يفلح الظالمون).
فهذا هو الأمر العظيم، الخوف من الله والتدين الذي يجعل الإنسان يعرض عن الحرام حتى ولو كان في متناول يده، ويفعل الطاعة والخير حتى ولو كان فيه حتفه وعطبه.
أولئك الذين يخوضون المعارك وتتساقط رؤوسهم هل كانوا يجهلون ذلك المصير؟
كلا.. ما جاء إنسان للمعركة وهو يعتقد أنه ذهب إلى نزهة أو سياحة، لقد عرف أنه ذاهب إلى ميدان حرب ولكنه يعلم أن تلك الضربة التي يطير به رأسه إن كان صابرا محتسبا مقبلا غير مدبر هي التي يدخل به الجنة برحمة الله وإذنه.
هذه الأزمة غياب التدين وضعف مراقبة الله تعالى وعدم الخوف منه هي أهم من كل ما سبق، بل هي السبب الرئيسي في كل ما سبق.
ذلك المسؤول الذي فرط في عمله أو المدرس الذي أو الطالب أو الأب أو الزوج، كل هؤلاء ما فرطوا إلا بسبب ضعف التدين، وهذا السبب له نتائج من مظاهرها:

جفاف الإنسان في روحه، في محبته لله في، إيمانه، في إشراق قلبه، في توقده،
وإيمان الكثيرين بالماديات حتى كأنها كل شيء، فأنت حين تحدث الإنسان التاجر عن البركة، يلوي رأسه وكأنه لا يؤمن بذلك، إنما يؤمن بالحسابات والدراسات الاستشارية، والأمور المبنية على أمور علمية لها نتائج، وينسى:
(ولو أن أهل الكتاب آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض). بركات، فينزل الله البركة على عباده المؤمنين إذا صدقوا وآمنوا واتقوا.
ومن نتائج ذلك اضمحلال النية الصادقة في عمل الإنسان وفي أمره كلها، فلا يعمل إلا ما يرى أن له فيه مصلحة دنيوية عاجلة.
ومن آثر ذلك ضعف الإذعان لأمر الله وأمر الرسول (صلى الله عليه وسلم)، فأصبح الكثيرون يسمعون الأوامر ثم يخالفونها، ويسمعون النواهي ثم يأتونها، لماذا؟
لأن ذلك القلب المندفع إلى الطاعة قد ضعف فيه الدافع والحافز
ومثل ذلك نسيان حقوق الله تعالى كلها
بل ونسيان حقوق العباد أيضا.

** النقطة الرابعة/ لماذا يحدث هذا ؟

لماذا تزداد الأخطاء ؟ ولماذا تتعقد المشكلات ؟ ولماذا لا نجد لها حلا ؟

هناك أسباب كثيرة أذكرها بسرعة كسبا للوقت:

من ذلك الرضى والقناعة الموجود لدينا.
رضينا بالواقع، لا ندرك مشكلاتنا بشكل صحيح، وننكر وجودها أحيانا ونرى أحيانا أنه ليس بالإمكان أبدع مما كان، وكل أمورنا مبنية على الكمال والتمام، ليس لدينا إحساس بحجم الفارق بيننا وبين غيرنا، والبعض منا يرغبون بالركود وعدم التجديد بحال من الأحوال.
السبب الثاني عدم إيماننا بوجود المصارحة والمناصحة في ما بيننا.
وعدم الوضوح والصراحة والمكاشفة في تعاملنا مع واقعنا، وعدم مناقشة أمرنا ومشكلاتنا بصورة صحيحة، وذلك لأننا نرغب أحيانا كما نظن في عدم الإثارة أو اتقى الفتنة،
أو المساس بالمكاسب أو غير ذلك، وننسى أنه لا يمكن تجنب الإثارة واتقى الفتنة والحفاظ على المكاسب إلا من خلال منهج واضح صحيح للنقد والمصارحة والمكاشفة يكون مبنيا على الحقوق المتبادلة بيننا جميعا
بين الزوج وزوجته
بين الوالد وولده
بين المدرس والطالب
بين الحاكم والمحكوم وهكذا.
السبب الثالث عدم تحديد المشكلات بدقة.
فنحن أحيانا نعزل كل مشكلة على حدة كما لو كانت مخلوقا مستقلا منفردا ونحاول أن نبين أسبابها، ونقترح الحلول لها، وندرس هذه الحلول ونخلص إلى نتائج نهائية دون أن نربط ذلك بغيره من الأمور.
السبب الرابع عدم الثقة بالعلم.
وعدم البحث العلمي واعتماد الأساليب العلمية في الوصول إلى تحديد المشكلة وأساليب حلها وتسخير العلوم الممكنة لهذا الأمر.
السبب الخامس ضيق الأفق لدى البعض.
أو الركود والتعصب للمألوف والعادات والانطلاق من بعض المسلمات والبديهيات الخاصة التي ليس لها سند شرعي ولا عقلي.
فالكثيرون يقولون لك هذا الأمر لا يجادل فيه اثنان ولا ينتطح فيه عنزان
أو يقولون لك هذا واضح وضوح الشمس في رابعة النهار لمن أنار الله بصيرته.
ولكن الواقع أن هذا الأمر ليس سوى أمر مألوف معروف، وهذا الضيق النفسي والعقلي الموجود لدى البعض يعميه ويصمه عن التقدم خطوة واحدة للتعرف على الأخطاء وتعديل السلوكيات وحل القضايا والمشكلات.
السبب السادس اعتقاد البعض أن مشكلاتنا تحل عن طري الأساليب العقيمة.فمثلا الجدل والتراشق بالألفاظ والتعصب والتحيز الواضح لفكرة معينة أو استيراد الحلول الجاهزة أحيانا أو ترك المشكلة ونعتقد أن الزمن كفيل بحلها أو إلغاء الأسباب والنتائج أو إلقاء المسؤولية على الآخرين وانتظار الحل منهم، أو التعامل مع المشكلات بالعواطف، كل ذلك قد يسكن الألم أحيانا ولكنه لا يوقف النزيف على المدى الطويل.
السبب السابع والأخير هو عدم استصحاب النية الصالحة في نفع الناس
وبذل الوسع في التعامل مع القضايا والمشكلات ونسيان الموضوعية في غمار التعصب وعدم الأنصاف والتأني إلى غير ذلك من الصفات التي ينبغي أن يتميز بها كل باحث عن الحقيقة.

يتبع إن شاء الله..
الرد مع إقتباس