عرض مشاركة مفردة
  #1  
قديم 24-03-2005, 08:13 PM
صبرا".. زهرة المدائن صبرا".. زهرة المدائن غير متصل
Registered User
 
تاريخ التّسجيل: Feb 2005
المشاركات: 48
إفتراضي " الامة الاسلامية و الغزو الفكري الغربي "

الأمة الاسلامية و الغزو الفكري الغربي


لقد أدرك الغرب الذي استعر العداء بينه و بين الأمة الاسلامية منذ صدر التاريخ الاسلامي و إلى اليوم، أنه لا سبيل إلى التغلب على المسلمين إلا بالقضاء على شخصيتهم، أي على الاسلام بوصفه عقيدة و نظاما للحياة و رابطة تجمع الشعوب
الاسلامية و تجعل منها أمة واحدة. فراح يبث عن طريق الغزو الفكري أفكاره السامة و شعاراته المضللة من أجل القضاء على الكيان الاسلامي، فكان من أخطر تلك الأفكار و أشدها فتكا بكيان الأمة الاسلامية فكرتا "القومية و الوطنية".
فقد وجد الغربيون أن الطريقة الوحيدة للقضاء على قوة الأمة - و بالتالي للسيطرة عليها - هي تقسيمها إلى أمم و شعوب شتى تعطي الولاء، لا للاسلام و الخلافة و المؤمنين في كل مكان، و إنما لقوم من الناس أو أرض ذات حدود تقوم عليها دولة
ترفع لواء القومية أو الوطنية ، و ذلك وفق قاعدة "فرق تسد" فاخذوا يبثون فكرة القومية الطورانية لدى الأتراك، و فكرة القومية العربية لدى العرب، و القومية الفارسية بين الإيرانيين، و القومية البربرية في المغرب الاسلامي ... و هكذا حتى تصبح الامة الواحدة مقسمة إلى مجموعات متعددة تدين بالولاء لقوميتها بدلا من الولاء للاسلام و المؤمنين في كل الأرض. و عن طريق هذه الفكرة استطاعوا أن يفرقوا الأتراك حكام الخلافة العثمانية عن العرب، و العرب عن الفرس... حتى وصل الأمر إل أن قام بعض الأتراك بتنفيذ إرادة الغرب بفصل البلاد عن الدولة الإسلامية و هدم الخلافة، و على رأسهم مصطفى كمال المسمى أتاتورك، و قامت جموع من العرب بقيادة حاكم مكة الخائن المدعو بالشريف حسين بقتال جيوش الخلافة إلى جانب الجيوش الإنكليزية و بقيادة القادة البريطانيين مثل لورنس و ألنبي.

و ها هو أحد المفكرين الغربيين الذين يضعون الخطط و التصاميم للسياسة الغربية المعاصرة، و هو المستشرق الشهير "برنارد لويس" يلخص هذه المأساة التي كانت من دواعي شماتة الغرب بالمسلمين فيقول:"في هذه الإمبراطورية (يعني الدولة الإسلامية) كان ولاء المسلمين الأساسي للإسلام و للدولة التي تجسد واقع الإسلام، و للخلافة التي اكتسبت الصفة الشرعية بالمبايعة على مرور الزمن و التي كانت تسوس أمور الناس، و كان المعارضون و المتمردون و الثائرون يسعون لتغيير الوزراء أو الحكام أو حتى الخلافة الحاكمة كلها، و لكنهم لم يسعوا أبدا لتغيير أساس الولاء لدولة الاسلام و لوحدة هويته. كان هذا هو الموقف في الشرق الأوسط حتى القرن التاسع عشر، و ربما حتى القرن العشرين، و لقد كانت فكرة قيام الدولة على أساس الأرض و الوطن القومي غريبة و أجنبية بالنسبة للمسلمين... و بقي هذا الوضع سائدا إلى أن بدأت الأفكار الأوروبية الجديدة "تنسف" الأساس المتين للرضى و القبول اللذين يستند إليهما ذلك الوضع، و بدأ تأثير الغرب(....)

و في أواخر القرن التاسع عشر و أوائل القرن العشرين تعددت و تغيرت الولاءات التي كانت قائمة للخلافة الإسلامية القديمة، و التي كانت تحكم العرب و العجم و الترك و حلت محلها أفكار ممزقة مبعثرة أوروبية هي مزيج من الوطنية و القومية و نظريات خيالية عن الوطن و القوم حجبت الحقائق القديمة الواقعية في الدولة و العقيدة."

و يقول "لويس" هذا أيضا: "كل باحث في التاريخ الإسلامي يعرف قصة الإسلام الرائعة في محاربته لعبادة الأوثان منذ بدء دعوة النبي و كيف انتصر النبي و صحبه و أقاموا عبادةالإله الواحد التي حلت محل الديانات الوثنية لعرب الجاهلية.

و في أيامنا هذه تقوم معركة مماثلة أخرى و لكنها ليست ضد "اللات و العزى" و بقية آلهة الجاهلية، بل ضد مجموعة جديدة من الأصنام اسمها الدولة و العنصر و القومية (...) فإدخال هرطقة القومية العلمانية أو عبادة "الذات الجماعية" كان أرسخ المظالم التي أوقعها الغرب على الشرق الأوسط و لكنها مع كل ذلك كانت أقل المظالم ذكرا و إعلانا. - من كتاب الغرب و الشرق الأوسط- برنارد لويس

و بعد احتلال الحلفاء الغربيين للبلاد الاسلامية و هدم الخلافة الإسلامية عقب الحرب العالمية الأولى، وجد الغرب أنه لا بد من الإمعان في تفكيك البلاد الإسلامية أكثر و أكثر. فالعرب مثلا و إن كانوا قد انفصلوا عن جسم الأمة الاسلامية إلا أنهم مجموعة بشرية كبيرة تعد عشرات الملايين من الناس و يمتد انتشارهم من المحيط الأطلسي إلى الخليج و يحيطون بالبحر المتوسط من جانبيه الشرقي و الجنوبي، و لا شك أنهم سيشكلون خطرا على المصالح الغربية إن جمعتهم دولة واحدة. لذلك عمد الحلفاء الغربيون في اتفاقية "سايكس بيكو" و غيرها من الاتفاقيات إلى تقسيم اليلاد العربية إلى كيانات شتى في دويلات هزيلة. فأوجدوا دول العراق و سوريا و لبنان و الأردن و فلسطين و الكويت و الإمارات و غيرها. و حتى يكرسوا ذلك التقسيم قبل خروج جيوشهم من البلاد، جعلوا لكل دولة من تلك الدول حدودا و دستورا خاصا و نقدا مميزا و علما و نشيدا "وطنيا" و جيشا وطنيا و مؤسسات وطنية. و أهم من ذلك كله أنهم ابتدعوا فكرة جديدة أقنعوا بها شعوبنا التي كانت غارقة في ظلام التخلف و الانحطاط ، فكرة من شأنها أن تجعل أهل البلاد أنفسهم يحرصون على تقسيم بلادهم و تشرذم أمتهم، ألا و هي فكرة "الوطنية" و معها فكرة "الاستقلال" . فقد أنشأوا مجموعات كبيرة من المثقفين و صاغوهم وفق الحضارة الغربية و ثقافتها و وجهة نظرها. فنشط هؤلاء المثقفون بالدعوة إلى فكرة الوطنية التي تجعل الرابطة بين الناس هي قطعة الأرض التي رسم حدودها الكافر المستعمر. و اصطنعوا لكل واحد من تلك "الأوطان" تاريخا يفتخر به أبناؤه، فقالوا للعراقي أنت ذو تاريخ عريق هو تاريخ "البابليين" و "الكلدانيين" ، و قالوا للسوري أنت ذو تاريخ مجيد هو التاريخ "الأشورس" و "السومري" و قالوا للبنانيين أنتم أحفاد "الفينيقيين" و قالوا للمصريين أنتم ورثة "الفراعنة" العظماء. فصار كل شعب يفتخر بالأرض و التراب و التاريخ الجاهلي، بدل أن يفتخر بالعقيدة و التشريع و الثقافة الإسلامية و التاريخ الإسلامي. ة أصبح الأبطال في نظر طلابنا و مثقفينا نبوخذ نصر و أدونيس و عشتروت و هنيبعل، بعد أن كنا نفتخر بمحمد رسول الله صلى الله عليه و سلم و الخلفاء الراشدين و القادة العظماء أمثال خالد بن الوليد و هارون الرشيد و صلاح الدين الأيوبي و الظاهر بيبرس و فاتح القسطنطينية السلطان محمد الفاتح.

و هكذا كانت "القومية الوطنية" من عوامل تدمير كيان الأمة الإسلامية و تشتيت العالم الإسلامي ، و مع ذلك لا زالت هاتان الفكرتان تحظيان بالترويج و التسويق في أجهزة الإعلام و في الكتب و المؤلفات ، و بشكل أساسي في مناهج التعليم بكل مراحلها. لذلك كان الواجب الشرعي يحتم علينا أن نعطي الرأي الصائب في هاتين الفكرتين ، و ذلك من خلال تحكيم شريعة الله تعالى. فما هو رأي الإسلام في "القومية" و "الوطنية"