عرض مشاركة مفردة
  #35  
قديم 13-09-2007, 08:56 PM
sbhhbs sbhhbs غير متصل
عضو فعّال
 
تاريخ التّسجيل: Jun 2007
المشاركات: 255
إفتراضي

ما يستخلص من الآيات [216-218]:

1- دل قوله تعالى: {كُتب عليكم القتال وهو كره لكم{ على أن الإسلام دين يحترم الفطرة الإنسانية ولا يطلب من اتباعه أن يعشوا مثالية أفلاطون، ولذا أقر ما يدور في أنفسهم وإن لم تنطق به ألسنتهم، فبيّن لهم أن الجهاد أمر تكرهه النفوس لما فيه من المشقة عليها، كإخراج المال ومفارقة الوطن والأهل، والتعرض بالجسد إلى الجراح أو الإتلاف وما إلى ذلك ولكن مصالحه أكبر من مفاسده لأنه سبيل العز ودرء الظلم والاستبداد عن البشرية، وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم القائل: "وما ترك قوم الجهاد في سبيل الله إلا ذُلُّوا"، قال عكرمة في هذه الآية: "إنهم كرهوه ثم أحبوه" لما فيه من فضل وثواب لا يعلمه إلا الله.

2- ودل قوله تعالى: {وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكم ...} على أن المؤمن العاقل، يجب عليه أن يأخذ بالأسباب ويمتثل أمر ربه ثم يقف بعد ذلك موقف العبد الراضي المسلم بكل ما يقدره له مولاه الكريم الرحيم وإن جاء خلاف ما تشتهيه نفسه لأنه لا يدري حقيقة الخير أين هو، أهو في المنع أم في العطاء، "فربما منعك فأعطاك وربما أعطاك فمنعك ولو أدركت حكمة المنع لعرفت أنه عين العطاء"، كما قالابن عطاء الله رحمة الله.

3- ودل قوله تعالى: {ويسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه ...} على حرمة القتال في الشهر الحرام، إلا أن العلماء اختلفوا في نسخها:

أ- فذهب عطاء إلى أنها محكمة غير منسوخة، لأن آية القتال عامة وهذه خاصة والعام لا ينسخ الخاص.

ب- وذهب جمهور العلماء إلى نسخها وأن قتال المشركين في الأشهر الحرم مباح، والناس في قول الزهري {وقاتلوا المشركين كافة} [التوبة: 36] أو {قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر} [التوبة: 22].

4- حكم عمل المرتد الذي تاب قبل موته:

اتفق العلماء على أن من ارتد عن الإسلام ومات على ذلك حبِط جميع عمله، ولكنهم اختلفوا إذا تاب قبل أن يموت.

أ- فذهب الإمام الشافعي إلى أن حبوط العمل مشروط بالموت على الكفر استناداً لقوله تعالى: {ومن يرتدد عن دينه فيمت وهو كافر فأولئك حبطت أعمالهم في الدنيا والآخرة} لأن ظاهر الآية دل على أن الردة لا تحبط العمل حتى يموت صاحبها على الكفر.

ب- وذهب الإمام مالك وأبو حنيفة أن الردة بمفردها تحبط العمل ولو رجع صاحبها إلى الإسلام، لورودها في مواضع عدة مجردة عن اشتراط الموت على ذلك لحبوط العمل، كقوله تعالى: {ومن يكفر بالإيمان فقد حبط عمله وهو في الآخرة من الخاسرين} [المائدة: 5]، وقوله: {لئن أشركت ليحبطن عملك} [الزمر: 65]، وقوله: {ولو أشركوا لحبط عنهم ما كانوا يعملون} [الأنعام: 88]، فهذه الآيات في الردة فقط وقد عُلِّق الحبوط فيها على الشرك، والخطاب وإن كان للنبي صلى الله عليه وسلم فالمراد به أمته لاستحالة الشرك عليه.

وأما الآية التي استدل به الشافعي {ومن يرتدد منكم عن دينه ...} فرتبت حكمين: الحبوط والخلود في النار، ومن شروط الخلود أن يموت على كفره كما ذكر ابن العربي [أحكام القرآن 1/148].

وتظهر ثمرة الخلاف فيمن حج ثم ارتد ثم رجع إلى الإسلام قبل أن يموت.

فعلى مذهب الشافعي لا يلزمه الحج لأن حجه سبق ردته وقد تاب قبل أن يموت.

وعلى رأي مالك وأبي حنيفة: يلزمه الحج لأن ردته أحبطت جميع أعماله بما في ذلك الحج.



المرحلة الثانية من مراحل تحريم الخمر وحرمة القمار

{يَسْأَلُونَكَ عَنْ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ(219)}



سبب نزول الآية [219]:

نزلت آية {يَسْأَلُونَكَ عَنْ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ..} في عمر بن الخطاب ومعاذ بن جبل ونفر من الأنصار، أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالوا: أفتنا في الخمر والميسر، فإنهما مذهبة للعقل، مسلبة للمال، فأنزل الله تعالى هذه الآية.

وروى أحمد عن أبي هريرة قال: "قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة، وهم يشربون الخمر، ويأكلون الميسر، فسألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عنهما، فنزلت الآية، فقال الناس: ما حُرِّم علينا، إنما قال: إثمٌ كبير، وكانوا يشربون الخمر، حتى كان يوم، صلى رجل من المهاجرين، وأمَّ الناس في المغرب، فخلّط في قراءته، فأنزل الله آية أغلظ منها: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ} [النساء: 43]. ثم نزلت آية أغلظ من ذلك: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ} [المائدة: 90] إلى قوله: {فهل أنتم منتهون} قالوا: انتهينا ربَّنا".



وأما سبب نزول قوله تعالى: {وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ}: فهو ما أخرجه ابن أبي حاتم عن ابن عباس: أن نفراً من الصحابة حين أمروا بالنفقة في سبيل الله، أتوا النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: إنا لا ندري ما هذه النفقة التي أمرنا في أموالنا، فما ننفق منها؟ فأنزل الله: {وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلْ الْعَفْوَ} والسائل هم المؤمنون، وهو الظاهر من واو الجماعة، وقيل: السائل: عمرو بن الجموح. والنفقة هنا: قيل: في الجهاد، وقيل: في الصدقات أي التطوع في رأي الجمهور، وقيل: في الواجب أي الزكاة المفروضة.



{يَسْأَلُونَكَ عَنْ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ} الخمر: مأخوذة من خمر الشيء إذا ستره وغطاه، وسمّيت بذلك لأن تستر العقل وتغطيه، والميسر هو القمار، وهو مأخوذ من اليسر وهو السهولة لأنه يحصل لصاحبه مالاً بلا جهد ولا تعب. أي يسألونك يا محمد عن حكم الخمر وحكم القمار {قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ} أي قل لهم إِن في تعاطي الخمر والميسر ضرراً عظيماً وإِثماً كبيراً، أما الضرر الخمر فهو بيّن ومتعدد، منه أنه يغطي نعمة العقل العظيمة التي امتن الله بها على عباده في مواضع عدة، والإنسان شرف بعقله فإذا غاب عنه تصرف بتصرفات المجانين، ولذا قال عليه الصلاة والسلام "الخمر أم الخبائث" فهي مفتاح الشرور والمفاسد وأضرارها الاجتماعية والصحية لم تعد خافية على القاصي والداني. وأما الميسر فإنه يزرع البغض والحسد بين اللاعبين لحرص كل منهم على أخذها في جيب الآخر بالحيلة والمكر وغالباً ما يؤدي إلى التنازع والشجار وربما إلى القتل، كما أنه يعود اللاعبين على الكسل ونبذ العمل والسعي لتحصيل المال بالطرق اليسيرة كالسرقة والرشوة والتدليس والغش وما إلى ذلك. {وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا} أي وضررهما أعظم من نفعهما فإِن ضياع العقل وذهاب المال وتعريض البدن للمرض في الخمر، وما يجرُّه القمار من خراب البيوت ودمار الأسر وحدوث العداوة والبغضاء بين اللاعبين، كلُّ ذلك محسوس مشاهد وإِذا قيس الضرر الفادح بالنفع التافه ظهر خطر المنكر الخبيث {وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ} أي ويسألونك ماذا ينفقون وماذا يتركون من أموالهم؟ قل لهم: أنفقوا الفاضل عن الحاجة ولا تنفقوا ما تحتاجون إِليه فتضيعوا أنفسكم {كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الآيَاتِ} أي كما يبيّن لكم الأحكام يبيّن لكم المنافع والمضار والحلال والحرام {لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ}.



سبب نزول الآية [220]:

أخرج أبو داود والنسائي والحاكم وغيرهم عن ابن عباس قال: لما نزلت: {وَلا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [الأنعام: 152] و {إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى} الآية [النساء: 10]، انطلق من كان عنده يتيم، فعزل طعامه من طعامه، وشرابه من شرابه، فجعل يفضل له الشيء من طعامه، فيجس له حتى يأكله أو يفسد، فاشتد ذلك عليهم، فذكروا ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فأنزل الله: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ الْيَتَامَى} الآية.



الولاية على مال اليتيم

{فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ الْيَتَامَى قُلْ إِصْلاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لأَعْنَتَكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ(220)}



{فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ} أي لتتفكروا في أمر الدنيا والآخرة فتعلموا أن الأولى فانية والآخرة باقية فتعملوا لما هو أصلح، والعاقل من آثَر ما يبقى على ما يفنى. {وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ الْيَتَامَى قُلْ إِصْلاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ} أي ويسألونك يا محمد عن مخالطة اليتامى في أموالهم أيخالطونهم أم يعتزلونهم؟ فقل لهم: مداخلتهم على وجه الإصلاح خير من اعتزالهم {وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ} أي إذا خلطتم أموالهم بأموالكم على وجه المصلحة لهم فهم إِخوانكم في الدين، وأخوة الدين أقوى من أخوّة النسب، ومن حقوق هذه الأخوّة المخالطة بالإِصلاح والنفع {وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفسِدَ مِنْ الْمُصْلِحِ} أي والله تعالى أعلم وأدرى بمن يقصد بمخالطتهم الخيانة والإِفساد لأموالهم، ويعلم كذلك من يقصد لهم الإِصلاح فيجازي كلاً بعمله {وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لأَعْنَتَكُمْ} أي لو شاء تعالى لأوقعكم في الحرج والمشقة وشدَّد عليكم ولكنه يسّر عليكم الدين وسهّله رحمة بكم {إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} أي هو تعالى الغالب الذي لا يمتنع عليه شيء الحكيم فيما يشرّع لعباده من الأحكام.



سبب النزول:

في رواية: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث مِرْثَد بن أبي مِرْثَد الغنوي إلى مكة، ليخرج منها ناساً من المسلمين، وكان يهوى امرأة في الجاهلية اسمها: عَنَاق، فأتته، وقالت: ألا تخلو؟ فقال: ويحك، إن الإسلام قد حال بيننا، فقالت: فهل لك أن تتزوج بي؟ قال: نعم، ولكن أرجع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأستأمرُه، فاستأمَرَه، فنزلت".