عرض مشاركة مفردة
  #11  
قديم 14-11-2002, 11:03 AM
mohd_1954 mohd_1954 غير متصل
Registered User
 
تاريخ التّسجيل: Sep 2002
المشاركات: 98
إفتراضي حكم الله وحكم العقل

السلوك الانساني يتبع المفاهيم والتي بالتالي تحددها الاحكام والدوافع

و تختلف أحكام الإنسان على الأفعال والأشياء باختلاف نظرته في الحياة عن تلك الأفعال والأشياء التي هي موضع إصدار الحكم.

فالمسلم مثلاً يأخذ أحكامه من الله (سبحانه) الذي آمن به خالقاً وحاكماً ومشرعاً. وغير المسلم، كالرأسمالي مثلاً يأخذ أحكامه من عقله، ويجعله أصلاً لإصدار الأحكام على الواقع.

وغيرهم قد يأخذ أحكامه من أحد المفكرين الذين لهم وجهة نظر في الحياة. ويعتبرون أفكاره هي الأصل أو الأساس لاستصدار أحكامهم على الوقائع والأشياء، وهكذا تتفاوت أحكام الناس بتفاوت هذه المصادر.

وكذلك قد يختلف الناس في تعيين الحاكم (أي من له حق إصدار الحكم) باختلاف الحكم الذي يراد إصداره، فيقال هذا حسن أو قبيح عقلاً، أو هذا حلال أو حرام شرعاً، أو هذا مسموح أو ممنوع قانوناً.

ولذلك كان من الضروري إذاً معرفة نوع الحكم لمعرفة من له حق إعطاء ذلك الحكم حتى يتعين موقف الإنسان تجاه الفعل أو الشيء هل يفعله أو يتركه أو هل يأخذه أو لا يأخذه.

ويلاحظ أولاً أن الإنسان يستطيع إصدار أحكامه على الأشياء من حيث واقعها أحَسنٌ أو قبيح، فيقول مثلاً إن المرض قبيح، والصحة حسنة، أو يقول الغنى حسن والفقر قبيح، أو الصدق حسن، والكذب قبيح وهكذا.

وقد يستطيع الإنسان أو العقل أن يصدر أحكاماً على وقائع من زوايا أخرى مثل جهة النفع أو الضرر بالنسبة له، فقد يحكم على العسل مثلاً بأنه نافع والسم ضار، وقد يرى أن الخمرة ضارة، أو مفيدة، أو أن لحم الخنـزير ضار أو مفيد، أو يعطي حكماً لواقع الماء فيقول إنه يتكون من ذرة أكسجين وذرتي هيدروجين، أو أن الأرض كروية مثلاً وأن الشمس تشرق من الشرق، وكذلك قد يعطي العقل حكماً على أفعال فيقول: إن توزيع الموارد بين الناس يجب أن يكون بالتساوي، أو قد يقول إن التوزيع يجب أن يكون حسب الجهد. أو يقول إن البنوك الربوية ضرورة للنظام الاقتصادي فهو نافع، وقد يقال إنه يحجر المال في أيدي قلة من الناس فهو ضار وهكذا فإن العقل قد يعطي حكماً لهذه الأشياء والأفعال وذلك حسب ما يراه مناسباً، وهذه الأحكام تبقى عرضة للصحة والخطأ، والتفاوت والتباين من زمان لآخر، ومن مكان لآخر، ومن شخص لآخر.

كما أن الإنسان يستطيع أن يعطي أحكاماً على الأشياء من حيث ميله لهذه الأشياء أو منافرتها لطبعه أو ملاءمتها له. فيقول مثلاً إن رائحة العطر جميلة، ورائحة البصل قبيحة، أو إن الحلو حسن، والمر قبيح، أو إن الخمرة أطيب من عصير البرتقال، أو الراحة أفضل من التعب، أو القعود خير من الخروج للقتال وهذه أيضاً فإن العقل يعطي أحكامه فيها حسب ملاءمتها طبعه وتختلف طبائع الناس باختلاف أنماط حياتهم.

أما الأحكام المتعلقة بالمدح والذم من الله، فهذه أحكام ليس للإنسان أن يصدر أحكامه عليها، بل هي لله وحده، ذلك أن الجنة والنار مخلوقات خلقها الله سبحانه كما خلق الإنسان والسماوات والأرض، وجعل استحقاق الجنة والنار منوطاً باتباع أحكامه التي أمر بها.

فالجنة والنار، والعقاب والثواب من الله مرهونة باتباع أحكام الله مالك الجنة والنار وليس بالإنسان المخلوق بحدوده التي حدّها الله له فلا يستطيع الإنسان أن يعطي حكمه في أمور خارجية عن إطار عقله أو هي فوق طاقته، بل ليس بمقدوره أن يعطي حكماً على أمر غير محسوس لديه، فيقول هذا حلال أي يدخل الجنة وهذا حرام يدخل النار إلا إذا استند لحكم من الله سبحانه في ذلك.

وقد عاب الله سبحانه وتعالى على أولئك الذين يصدرون أحكام الحلال والحرام حسب أهوائهم، لأنها تكون محض افتراء وكذب على رب العزة فقال سبحانه وتعالى: ]ولا تقولوا لما تصف ألسنتكم الكذب هذا حلال وهذا حرام[ نعم إن وصف الحلال والحرام من غير الله سبحانه هو كذب على الله، فمن يدعي هذا الوصف، فكأنما ادّعى أنه خالق، أو في موضع الخالق الذي يحكم بالحلال والحرام ولكنه تعالى رب العزة عن أن يداني مكانته أحد ]ولم يكن له كفواً أحد[.

ولذلك فإنه عندما قدِم عَدي بن حاتم الطائي ـ وكان قد تنصّر في الجاهلية ـ على النبي عليه الصلاة والسلام وهو يقرأ قوله تعالى: ]اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أرباباً من دون الله...[ فقال عدي: إنهم لم يعبدوهم، فقال عليه الصلاة والسلام: بلى إنهم حرموا عليهم الحلال، وأحلوا لهم الحرام فاتبعوهم فذلك عبادتهم إياهم.

هكذا فسر النبي عليه الصلاة والسلام معنى العبودية ولذلك كان الأحبار والرهبان أرباباً لأولئك الذين اتبعوهم. بل إنه سبحانه وتعالى قد قبّح وصف الذين يتبعون أهواءهم بدل اتباع آيات الله وأحكامه حيث يقول في كتابه: ]واتل عليهم نبأ الذي آتيناه آياتنا فانسلخ منها فأَتبعه الشيطان فكان من الغاوين @ ولو شئنا لرفعناه بها ولكنه أخلد إلى الأرض واتَّبَعَ هواه، فَمَثَلُه كَمَثَل الكلب[ ففي هذه الآيات يصف الله سبحانه أولئك الذين يتبعون أهواءهم بالانحطاط إلى منـزلة البهائم، ذلك لأنهم تركوا أحكام الله واتبعوا أهواءهم التي تسيّرهم سيراً بهيمياً حسب شهواتهم وغرائزهم تماماً كما هو حال الكلب الذي خلقه الله سبحانه يسير سيراً غريزياً دون إدراك أو تمييز، بخلاف الإنسان الذي رفعه الله بالعقل والإدراك، وأمره ونهاه، فإن اتبع أوامر الله واجتنب نواهيه، ارتقى وارتفع بها (ولو شئنا لرفعناه بها) ولكنه انحدر إلى مستوى الكلاب باتباعه هواه.

يتبع............
الرد مع إقتباس