عرض مشاركة مفردة
  #10  
قديم 06-02-2004, 02:28 PM
الصورة الرمزية لـ الوافـــــي
الوافـــــي الوافـــــي غير متصل
عضو جديد
 
تاريخ التّسجيل: Apr 2003
الإقامة: saudia
المشاركات: 24,409
إفتراضي

وأما الرياء التام في جميع الأعمال فإن هذا لا يتصور من مسلم، وإنما يكون من الكفار والمنافقين، كما قال -جل وعلا- في وصفهم: إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُواْ إِلَى الصَّلاَةِ قَامُواْ كُسَالَى يُرَآؤُونَ النَّاسَ وَلاَ يَذْكُرُونَ اللّهَ إِلاَّ قَلِيلاً {142} سورة النساء ، وقوله في وصف الكفار: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تُبْطِلُواْ صَدَقَاتِكُم بِالْمَنِّ وَالأذَى كَالَّذِي يُنفِقُ مَالَهُ رِئَاء النَّاسِ وَلاَ يُؤْمِنُ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوَانٍ عَلَيْهِ تُرَابٌ فَأَصَابَهُ وَابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْداً لاَّ يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِّمَّا كَسَبُواْ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ {264}سورة البقرة ، يعني: بهذا أن القسم الأول نية ابتدأ بها العبادة لغير الله، فهذه العبادة تكون باطلة: صلاته باطلة، صيامه باطل، وصدقته باطلة، نوى بالعمل غير وجه الله -جل وعلا-.
القسم الثاني: أن يحدث تغيير النية في أثناء العبادة، وهذا له حالان : الحال الأولى: أن يبطل نيته الأصلية، ويجعل العبادة لهذا المخلوق، فهذا حكمه كالأول من أن العبادة فسدت؛ لأنه أبطل نيتها، وجعلها للمخلوق، فنوى في أثناء الصلاة أن الصلاة هذه لفلان، فتبطل الصلاة.
الحال الثانية: من هذا القسم أن يزيد في الصلاة من لأجل رؤية أحد الناس، يعني: يراه أحد طلبة العلم، أو يراه والده، أو يراه كبير القوم، أو يراه إمام المسجد، فبدل أن يسبح ثلاث تسبيحات أطال في الركوع، والركوع عبادة لله -جل وعلا- فأطال على خلاف عادته لأجل رؤية هذا الرائي.
فهذا العمل الزائد الذي نوى به المخلوق يبطل؛ لأن نيته فيه لغير الله، و ( إنما الأعمال بالنيات ) لكن أصل العمل صالح؛ لأن هذه النية ما عرضت لأصل العمل، وإنما عرضت لزيادة في بعضه أطال الصلاة، أو إمام أطال القراءة؛ لأن حسن صوته لرؤية إلى الخلق، أو لأن وراءه فلان، أو نحو ذلك من الأعمال، فلا يبطل أصل العمل، وإنما ما زاد فيه لأجل الخلق يكون فيه مشركًا الشرك الأصغر، وهو الرياء -والعياذ بالله-، هذه الحالة الثانية من القسم الثاني.
والحالة الثالثة: أن يعرض له حب الثناء، وحب الذكر بعد تمام العبادة، عمل العبادة لله، صلى لله، حفظ القرآن لله، وصام لله، صام النوافل لله -جل وعلا- مخلصًا، وبعد ذلك رأى من يثني عليه، فسره ذلك، ورغب في المزيد في داخله، فهذا لا يخرم أصل العمل؛ لأنه نواه لله، ولم يكن في أثنائه فيكون شركا، إنما وقع بعد تمامه، فهذا كما جاء في الحديث ( تلك عاجل بشرى المؤمن أن يسمع ثناء الناس عليه لعبادته وهو لم يقصد في العمل الذي عمله أن يثني عليه الناس ) هذه ثلاثة أحوال.
وإذا تقرر هذا فالأعمال التي يتعلق بها نية مع نيتها لله -جل وعلا- على قسمين أيضا، الأول: أعمال يجب ألا يريد بها، وألا يعرض لقلبه فيها ثواب الدنيا أصلا، وهذه أكثر العبادات، وأكثر الأعمال الشرعية.
والقسم الثاني: عبادات حض عليها الشارع بذكر ثوابها في الدنيا، مثل صلة الرحم حض عليها الشارع بذكر ثواب الدنيا، فقال -عليه الصلاة والسلام-: ( من سره أن يبسط له في رزقه، وينسأ له في أثره، فليصل رحمه ) فحض على صلة الرحم بذكر ثواب الدنيا: النسأ في الأثر، والبسط في الرزق.
أو كقوله في الجهاد: ( من قتل قتيلا فله سلبه ) يعني: ما عليه من السلاح، وما معه من المال أو كذا، يسلبه ويكون لهذا القاتل، فهذا حض على القتل بذكر ثواب دنيوي، فمن أراد الثواب الدنيوي هنا -في هذا القسم- مستحضرا ما حض الشارع من العمل، يعني: من هذه العبادة، وذكر فيه الثواب الدنيوي فإنه جائز له ذلك؛ لأن الشارع ما حض بذكر الدنيا إلا إذن منه بأن يكون ذلك مطلوبا.
فإذًا من وصل الرحم يريد وجه الله -جل وعلا- ولكن يريد أيضا أن يثاب في الدنيا بكثرة الأرزاق، وبالنسأ في الأثر، يعني: طول العمر، فهذا له ذلك، ولأجل أن الشارع حض على ذلك.
جاهد في سبيل الله يريد أيضا مغنما، ونيته خالصة لله -جل وعلا- لتكون كلمة الله هي العليا؛ ولكن يريد شيئا حض عليه، أو ذكره الشارع في ذلك، هذا قصده ليس من الشرك في النية؛ لأن الشارع هو الذي ذكر الثواب الدنيوي في ذلك.

.. يتبع ..
__________________


للتواصل .. ( alwafi_248@hotmail.com )

{ موضوعات أدرجها الوافـــــي }